قد لا تكون توابع تفشى «كورونا» كلها سيئة أو كارثية، فربما تسمح الجائحة بفرصة لـ «سلام إيجابى» يقلل الحروب أو ينهيها على خلفية تراجع ملحوظ للاشتباكات فى مناطق التوتر والصراعات للانشغال بالحد من تفشى الفيروس، وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعى وتقليل التجمعات للنجاة من العدو الخفى الأكثر خطورة.
السلام قد يكون مرهونا برغبة حقيقية لإنهاء الصراعات وعدم استغلال الوباء لبسط يد «شرطة الصابون» كما يسميها بعض المنظرين لانتهاك الخصوصية وقمع شعوب النزاعات.
ربما يبدو الأمر صعبًا خلال هذه االفترة للتحدث عن الفرص الناشئة عن فيروس كوفيد ١٩، ولكن عندما تقرأ العناوين بالصفحات الأولى للصحف فى كل دول العالم، وظهور أوضاع جديدة على ساحة هى أشبه بالدول الهشة فى الغالب الخارجة من الحرب أو على حافة الانهيار الاقتصادى، نرى إمكانية ظهور ما يسميه الخبراء «السلام الإيجابى» بعد الوباء.
ومن أجل الاستجابة للظروف الكارثية التى تسبب بها هذا الفيروس، أطلقت الأمم المتحدة «خطة الاستجابة الإنسانية العالمية»، وهى جهد منسق بين العديد من الوكالات بما فى ذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائية، ومنظمة الصحة العالمية.
ولن يضع برنامج الاستجابة الإنسانية بصماته لعلاج آثار الفيروس التاجى الحالية فقط. ولكن أيضًا خطة مستقبلية لمواجهة الأزمات والكوارث، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. ومن المتوقع أن ينسق البرنامج الجهود، ويقلل أوقات الاستجابة، ويتجنب الازدواجية، ويوفر حلولا أسرع وأكثر كفاءة لمساعدة الدول الأكثر تضررا.. وسيتناول برنامج الاستجابة الإنسانية، القضايا الأخرى التى تعيق جهود الاستجابة الجماعية فى حالة حدوث أزمة عالمية. ومنها؛ كيفية تعامل الحكومات والأنظمة المحلية والفرقاء أيضاً إذا كانت المنظمات الدولية مقيدة وغير قادرة على العمل؟ ، وكيف يمكن لمنظمات مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن تدعمهم، بجانب المجتمع المدنى؟ وماذا لو فقدت المجتمعات الهشة المتأثرة بالفيروس قطاعا واسعًا من القادة المسنين أو كبار السن الموثوق بهم؟ وما أثر ذلك على التماسك الاجتماعى والاستقرار السياسى بالدول، خاصة إذا استمرت «الأخبار المزيفة» أو الموجهة من أفراد أو أنظمة داخلية وخارجية فى التضليل وتخويف وتهويل أو تسطيح الكارثة والتقليل من أهميتها؟.
عندما يتعلق الأمر بالسلام والأمن، ماذا يحدث إذا أُجبر حماة السلام من الجيوش على البقاء محصورين فى الثكنات؟ وكيف يمكننا تقليل تأثير تواجدهم المنخفض، سواء عندما يتعلق الأمر بتطبيق اتفاقيات السلام، أو حماية المدنيين، أو إبقاء الاقتصادات واقفة على قدميها؟
تبرز بجانب التساؤلات الاخيرة، أسئلة إضافية بخصوص البرنامج الدولى. أبرزها، تأثير الوباء على استقرار الاقتصاد الكلى للكيانات الهشة، فى المناطق المعرضة بالفعل لخطر ضائقة الديون التى قد تحتاج إلى تحمل المزيد من الديون لإعادة تمويل النظم الصحية المتضررة؟ ويبحث المؤرخ يوفال نوح هرارى ، مؤلف كتاب «سابينز» أو »العقلاء» حول تاريخ البشرية، قضية التضامن العالمى بعد الكوارث والأوبئة، محذرا من بعض الآثار الجانبية السيئة المحتملة، مثل نشر تكنولوجيا مراقبة واسعة النطاق، وانهيار الثقة المجتمعية، ووضع أفكارًا مثيرة للاهتمام حول «شرطة الصابون» التى تم تسميتها لإجبار الناس على غسل أيديهم..
ويدعو هرارى إلى خطة عالمية تتضمن تقاسم الدول المعدات والأفراد، وتتعامل مع التداعيات الاقتصادية وازالة الحواجز التجارية.
وقال إنه إذا كانت هناك دعوة من أجل المزيد من الصداقة العالمية والحكم الجماعى، فهذا هو الوقت المناسب، لافتًا الى أنه كان من الصعب تصديق ذلك قبل بضعة أشهر فقط، عندما كان المجتمع الدولى مهتما بالنزاعات التجارية الكبرى، والخروج من العولمة التى أثارها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.هناك حاجة ملحة للتضامن لم نشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تحتاج البشرية صوتًا مشتركًا وقيادة عالمية لهزيمة الفيروس التاجى، وبناء المرونة لتقليل مخاطر الاغلاق، والتعافى فى نهاية المطاف من التداعيات.
رابط دائم: