أحد أبرز الدول التى تشهد رمضانا مختلفا هذا العام هى أفغانستان بلا أدنى شك ، بعدما تمكنت حركتها المسلحة طالبان أخيرا من توقيع اتفاق سلام مع الولايات المتحدة نهاية فبراير الماضى، لتضع بذلك كلمة النهاية لفصل طويل من الصراع المسلح.
فالاتفاق المفاجئ يلزم الولايات المتحدة، التى قادت القوات الدولية فى حرب مفتوحة ضد أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر2001، بسحب قواتها نهائيا منها بحلول يوليو 2021، فضلا عن رفع عقوباتها المفروضة على الحركة المتمردة ، والعمل مع الأمم المتحدة لترفع بدورها عقوباتها المفروضة على الحركة أيضا. فى المقابل، يتعين على طالبان قطع كل علاقتها مع الحركات والجماعات الإرهابية كتنظيم القاعدة ، بل والانضمام للمجتمع الدولى فى التصدى لهم ومكافحتهم . والانخراط فى مفاوضات جادة مع الحكومة الأفغانية لإحلال السلام الشامل بالبلاد، ليكون هذا تحديدا أحد أهم بنود الاتفاق، نظرا لمعارضة الحركة طيلة العقدين الماضيين للجلوس على أى طاولة للتفاوض مع الحكومة. وبالرغم من أن الأطراف الثلاثة المعنية فى الأمر قطعت نصف الطريق الآن بإعلان توقيعها اتفاق فبراير، وبدء التفاوض بشكل رسمى مع الحكومة، لا يزال الفصل القادم هو الأصعب على الإطلاق فى «حكاية السلام» بأفغانستان.
فالمشهد السياسى الملتبس فى كابول، الذى بدأ بإعلان كل من أشرف غنى وخصمه عبد الله عبد الله نفسيهما،أوائل مارس الماضى وبشكل متزامن، رئيسين للبلاد ، واختيار نائب للرئيس ، وتشكيل حكومة ، وأخرى موازية ، يجعل ذلك التحدى الأكبر للسلام فى البلاد، على نحو ينذر بإجهاض العملية برمتها. حتى أن وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فشل فى توحيد الصف الأفغانى فى مارس الماضى، مما دفعه للتلويح بسلاح المساعدات، والتهديد بتقليصها بما قيمته مليار دولار، إذا لم يغلب كل من غنى وعبد الله، الصالح العام، ويعلنان توصلهما لحل وسط. التحدى الآخر الضخم، يتمثل فى البند المتعلق بتبادل السجناء بين الجانبين ، 5 آلاف مسلح من طالبان، مقابل ألف من الحكومة، قبل بدء أى تفاوض كبادرة على حسن النوايا ، إلا أن ذلك الاتفاق الموقع بين طالبان وواشنطن، لم يشمل الحكومة الأفغانية ولم توقع عليه.
ومن ثم، فهى تعتبر نفسها غير ملزمة بتنفيذه، خاصة وأنها تتحفظ على أسماء 15 من هؤلاء التى طرحتهم طالبان فى قائمتها للمفرج عنهم، مؤكدة أن أيديهم ملطخة بدماء الأفغان. طالبان، من جانبها، أعلنت انسحابها من تلك المحادثات، واصفة إياها بغير المثمرة. كما اتهم المتحدث باسم الحركة الرئيس غنى بـ «التحجج بذريعة أو أخرى للتنصل من الاتفاق» ، بالرغم من أن الحكومة عرضت إطلاق 1500 طالبانى للتأكيد على حسن نواياها. ليس ذلك فحسب، بل إن توقيت التفاوض نفسه، الذى يتزامن مع تفشى جائحة كورونا فى العالم بشكل عام، وفى أفغانستان بشكل خاص، يجعل المسئولين يخشون من انتقال العدوى للسجون. كما أن العلاقة بين واشنطن والحركة بدأ يشوبها التوتر أيضا مع استمرار الغارات الجوية الأمريكية ضد المتمردين، وما تعتبره طالبان موافقة ضمنية من جانب الولايات المتحدة حيال سلوك الحكومة فى ملف السجناء. المشوار بلا شك مازال طويلا، ويحتاج لصبر وعزيمة ورغبة حقيقة من كل الأطراف لإنهاء نزيف الدماء وإقرار السلام ، فهل ينجحون فى الاختبار؟!
رابط دائم: