مع انهماك العالم فى معركة ضد ما يسمى «إرهاب» فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19»، توارت الحرب ضد الإرهاب كأولوية دولية، وهو ما فتح الطريق أمام التنظيمات الإرهابية لإعادة التخطيط لهجمات جديدة والسيطرة على أراض فى مناطق سادت فيها الفوضى وخفت فيها القيود الأمنية والعسكرية بسبب تركيز الجيوش والتحالفات الدولية على هزيمة عدو جديد وخفى قادر على إزهاق أرواح الملايين.
وأرسلت التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة، رسائل متضاربة فى زمن الوباء، ويأمل الإرهابيون فى استغلال «كوفيد – 19» كفرصة لشن هجمات مؤلمة، عبر تحفيز أنصارهم ودعم أوراق اعتمادهم كحكام أو «أمراء» بديلين لمساحات شاسعة من الدول غير المستقرة فى الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا. واختلفت استجابات الجماعات الإرهابية لانتشار فيروس كورونا المستجد نتيجة لتسارع الدول فى دراسة تدابير الإغلاق، فبعد أن دعا تنظيم داعش أنصاره إلى وقف العمليات فى الغرب خشية أن تصيبهم العدوى، عاد ودعا إلى مهاجمة الدول الغربية الضعيفة والمتخبطة بسبب الوباء الذى يهاجمها بلا رحمة. بل دعا أنصاره إلى استغلال أن قوات الأمن والجيوش الوطنية والدولية منهكة من كثرة الأعباء فى معركة الوباء لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الفرصة.
الأكثر إثارة للدهشة، أن تنظيمى القاعدة وداعش، المتحاربين والذين كفرا بعضهما البعض، دخلا فى تحالف استراتيجى للسيطرة على مساحات شاسعة فى غرب إفريقيا مستغلين الفراغ الأمنى. وتشهد كل من نيجيريا، التى أعلنت حالة التأهب القصوى، وشمال الكاميرون، وتشاد، وموزمبيق ارتفاعا غير مسبوق فى الهجمات الإرهابية، بل وأعلنت داعش سيطرتها على مساحات فى موزمبيق.
وشهدت تشاد، أعلى حصيلة خلال معركتها ضد الإرهاب فى مارس الماضى، حيث لقى 92 جنديا مصرعهم خلال هجوم شنه فصيل تابع لجماعة «بوكو حرام» على أحد قواعد الجيش فى شبه جزيرة بوما. وفى الشهر نفسه، وقع هجوم على قاعدة للجيش النيجيرى راح ضحيته 47 جنديا، كما أعلنت جماعة إرهابية، تزعم ارتباطها بداعش، سيطرتها على ميناء «موكيمبوا دا برايا» الاستراتيجى فى موزمبيق باعتباره جزءا من «أرض الخلافة» المزعومة. ويرى الكثير من المحللين أن هناك مؤشرات على أن التنظيمات الإرهابية تستغل الوباء تحديدا فى إفريقيا لنشر العنف واستقطاب متطوعين وأنصار جدد. ومنذ يناير الماضى، سعت فصائل تابعة للقاعدة وداعش، إلى استنزاف جيوش هذه المنطقة، عبر استهداف قواعد عسكرية ومحاولة إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا.
تأتى هذه التطورات فى تحركات التنظيمات الإرهابية مع صدور بيانات متضاربة حول سحب الولايات المتحدة لقواتها من إفريقيا، ورؤية مرتبكة لإدارة الرئيس دونالد ترامب لكيفية محاربة الإرهاب. وحذر الجنرال ستيفن تاونسند قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا «أفريكوم» من أن قادة داعش وحركة الشباب والقاعدة يرون أزمة كورونا كفرصة لدفع أجندتهم الإرهابية. وقررت أوروبا، بقيادة فرنسا وألمانيا، الدخول على خط الأزمة لتصاعد الإرهاب فى إفريقيا لكسر ما وصفوه بـ«صمود الجماعات الإرهابية»، عبر إطلاق عملية «تاكوبا», وإرسال قوات أوروبية إلى القارة. يأتى ذلك فى الوقت الذى عادت داعش إلى أنشطتها فى العراق وسوريا، بعد إعلان عدد من دول التحالف الدولى سحب قواتها خشية الوباء، وهو ما جعل كورونا الذى وصفه التنظيم الإرهابى بأنه أسوأ كوابيس الغرب أسعد لحظات التنظيم، فقد دعا إلى استغلال لحظة الأزمة وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء.
وعلى الرغم من فشل القوات الغربية فى صد هجمات الإرهابيين فى إفريقيا، وتحديدا فى مالى والنيجر، ونجاحهم فى تفكيك داعش فى سوريا والعراق، فالسؤال الذى يطرح نفسه بقوة حاليا: هل ينجح العالم فى تجميع شتاته وإنهاء انقساماته من أجل مواجهات الإرهاب السرطانى، تحديدا فى إفريقيا، والضرب من جديد فى ظل فوضى كورونا؟ حتى وإن نجح الإغلاق فى حد تحركات الإرهابيين فى الغرب.
رابط دائم: