أنا سيدة أقترب من سن الثلاثين تزوجت منذ ثلاث سنوات من شخص توسمت فيه أخلاقا حميدة دفعتنى للتمسك به برغم معرفتى أنه محدود الدخل ولا يمكن مقارنة وضعه المادى بالآخرين الذين تقدموا لخطبتي, ولكنى استخرت الله وتزوجته بعد أن أتممنا عش الزوجية الذى حلمنا به كثيرا، وكان ذلك بالأقساط والقروض، ولم تعكر صفو سعادتى الظروف المادية الصعبة, وبعد زواجى بشهر تغيّرت أحواله فلاحظت أنه يكذب فى أشياء كثيرة، وتعكر مزاجه دائما وبصورة لافتة, ثم تعرض للفصل من عمله، وبرر ذلك بأن تعرض للاضطهاد, ولم أقتنع بكلامه، وبحثت عن السبب الحقيقى خصوصا بعد أن تبدلت أخلاقه التى عرفتها وذات يوم اكتشفت المفاجأة الكبرى التى زلزلت كيانى وهى أنه يتعاطى المخدرات، ويالها من كلمة قاسية لا يشعر بها إلا من عاش همومها ومتاعبها، وتساءلت ماذا أفعل وأنا حامل, ولم أجد بدا من التحمّل، ودعوت الله أن يعيننى على علاجه وترددت على الكثير من المراكز الطبية عسانى أجد حلا, ولكن جميع محاولاتى باءت بالفشل فهو لا يرغب فى العلاج، وأنا لا أود أن أخبر أهلى بما اكتشفته فيه، ووجدتنى أحارب فى جميع الاتجاهات فمن ناحية حرصت على تجميل صورته أمام أهلى وأخفيت عنهم أنه لا يعمل, ومن ناحية أخرى واجهت قلة مصاريف البيت بالتدبير الشديد فكل ما كنت آخذه من راتب لا يكفى الاحتياجات الضرورية من إيجار ومأكل.. أما الناحية الثالثة والأهم فهى زوجى الذى بكيت دما أمامه لكى يقتنع بأن يبدأ مشوار العلاج.
لقد ساءت حالته حيث أخذ فى الاقتراض من الناس دون تسديد الديون, وتحملت الكثير من إهاناته وأخطائه وغيابه عن المنزل وعودته لى بالكوارث والكذب.
وبعد أن اشتد بى الضيق أبلغت أهله بأمره، ورجوتهم مساعدتى فى علاجه، فانفضوا من حولى، وتركونى أواجه هذا العذاب بمفردى، وبعت أثاث منزلى وأجهزتى الكهربائية, ولم أيأس، ولجأت إلى الصلاة، والدعاء إلى الله فما أجمل الشعور بلذة معية الله.. نعم «إن الله مع الصابرين» وكلما مرت بى ظروف صعبة تذكرت هذه الآية الكريمة وسعدت بنفسى لأننى صابرة وكنت دائما أقول: لن يضيعنى الله فأنا فى حالتى هذه أجاهد فى سبيله وألتمس منه أن يصلح حال زوجى ويجعلنا أسرة صالحة وتذكرت أن الله عند ظن عبده به ودائما كان ظنى فيه خيرا.
وبالفعل خضع زوجى للعلاج، وأكد لى أنه سوف يتغير لأجلى ولأجل ابنتنا التى وضعتها فى هذه الظروف الصعبة, فطلبت منه تصحيح النية والتوكل على الله, فوعدني, وكنت أشك فى وعده، ولكنه فاجأنى بإصراره على العلاج ورغبته فيه, وأقبل عليه بحماس بالغ ووجدت شخصا آخر أمامى يبكى لما فعله, ويطلب منى أن أكمل مشوارى معه وأنه سيفعل المستحيل لكى يكون عند ثقتى فيه.
وبالفعل بدأ فى تلقى جلسات العلاج وأصبحت أسانده وأدعمه وأصرف على البيت وأسدد الديون التى كتبتها بإيصالات أمانة علىّ, ودارت بى الدنيا لا أعرف ماذا أفعل فلا أحد يساندنى حتى أننى لا أجد من أفضفض له ولا يكشف سر زوجى وكنت حريصة على ألا أشعره بهول ما نحن فيه لكى لا يفشل علاجه.
وفى ذلك الوقت أتيت إليك يا سيدى، فساعدتنا، ووجدت أبا احتوانى بحنانه وسؤاله الدائم عنى وعن زوجى فقد كنت أحتاج إلى من يدعمنى معنويا بشدة ويعوضنى عن فقدان والدى رحمه الله.
ومع توالى جلسات العلاج تعافى زوجي، وأصبح إنسانا صالحا وأبا رائعا وزوجا أفتخر به, وابنا بارا بأهله..
إننى الآن هانئة ومطمئنة، وكلما نظرت إليه وإلى ابنتى كبرت ابتسامتى وحمدت الله على اللحظة الجميلة التى تعافى فيها.. إننى سعيدة برغم عدم وجود الأموال والأملاك, فما أجمل أن يشعر المرء باليسر بعد العسر وبأن الله يكافئه على حسن صنيعه, ولقد كان بريدك الشهير هبة الله لى ونقطة تحول شديدة فى حياتي, وأدين بالفضل لكل من دعا لى دعوة صادقة من قلبه.
لقد استفدت من حياتى دروسا كثيرة أهمها أن مقابلة الإساءة بالإحسان تعلى قدر المرء، وأن اليقين فى الله باب يفتح كل أبواب الخير، وأن السعادة ليست فى اكتناز المال ولكنها فى راحة البال، ولا تأتى إلا بأن نفعل كل ما فى وسعنا من واجبات ثم نتوكل على الله، فلم أر فى حياتى أجمل ولا أروع من لذة العطاء.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لقد أدركت المعنى الحقيقى للسعادة, فاجتهدت وصبرت حتى تحققت لك, والمعنى الذى أقصده هو الرضا والطمأنينة, فلقد استعنت بالله وبذلت كل الجهد ثم توكلت عليه, فكان اعتصامك به خير معين لك على تجاوز المتاعب والآلام.
ولعل قصتك الرائعة تكون درسا بليغا لمن يتصورون أن السعادة تكمن فى النواحى المادية, فيجمعون الأموال ويكنزونها بلا حساب ويحرمون أنفسهم من متع كثيرة وينسون قوله تعالي: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا» (الإسراء 29)، فالنتيجة المحتومة لمن ينتهجون هذا النهج هى الشقاء والفرقة, وتفكك الأهل، وغلبة التوتر على العلاقات الزوجية والأسرية.
ولقد اطمأننت إلى أن الله سوف يفك كربك, لقوله تعالي: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد 28)، وللمتصوفين قول مأثور هو «لو علم الملوك ما ننعم فيه من رضا وسعادة لنازعونا وقاتلونا على هذه النعمة» ويا لها من نعمة كبرى لا يدرك قيمتها إلا من ذاق حلاوتها.
وتكفيك روحك الجميلة, وقسمات الرضا التى ترتسم على وجهك حتى فى لحظات الشدة, فالحقيقة يا سيدتى أننى كنت على يقين منذ اللحظة الأولى التى التقيتك فيها أنك سوف تحققين مرادك بفضل إخلاصك, وإصرارك على انتشال زوجك من البئر التى ألقى بنفسه فيها بالرغم من أنه أخفى عنك حقيقة إدمانه المرة التى كانت كفيلة بهدم البيت الذى منيت نفسك باستقراره, إذ من هى التى تقبل أن ترتبط بمن سلك هذا الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك ولا شيء سواه, فأغلب الفتيات فى مثل سنك يفضلن الانفصال عند اكتشاف أى عيوب فى الزوج, وكذلك الشباب يتصرفون بشكل طائش, ويطلقون زوجاتهم لأتفه الأسباب، والعاقل هو من ينظر دائما إلى الأمور نظرة واسعة وعميقة تضعها فى حجمها الصحيح, ويتعامل معها بمنطق العقل ويحاول رأب الصدع.
وهذا ما صنعتيه يا سيدتى وأتمنى من كل زوجة أن تصنع صنيعك وتحذو حذوك, فتساند زوجها فى محنته, والمحن تتعدد وتتخذ أشكالا شتي, والسعادة ليست فى الماديات وحدها كالصحة والمال والجاه والسلطة، وإنما هى أيضا وبدرجة أكبر فى النواحى المعنوية كالحب والإيثار والرحمة والمودة.
وإذا كان الحق تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا فإن أقل ما ينبغى أن نفعله هو أن نتجاوز عن أخطاء الآخرين خصوصا لو كانوا جزءا منا ومن كياننا، وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه.
رابط دائم: