أعدت السيدة عفيفة قدير، الفاكهة المجففة، والعصائر المحفوظة، وأكياس السكر والأرز والمكرونة، وعلب الصلصة والخضار ضمن أشياء أخرى ووضعتها فى صندوق من الكرتون ثم أغلقته ووضعته إلى جانب عشرات الصناديق الأخرى التى احتلت جانبا من الأرض فى مسجد شرق لندن الذى يستعد، ومعه عشرات المساجد فى لندن، هذا العام لشهر رمضان بطريقة مختلفة تماماً عن الإستعدادات التقليدية.
فالمساجد، وعلى غير العادة، لن تكون مفتوحة لاستقبال آلاف المصلين بل ستظل مغلقة وفقاً للقوانين البريطانية للتصدى لتفشى فيروس كورونا.
وبالتالي، فلن تكون هناك وجبات ساخنة مرصوصة بانتظار الصائمين، بل صناديق كرتون ستوزع على مدى اليوم وبشكل شخصى مع احترام التباعد الاجتماعي، بينما يرتدى الموزعون أقنعة الوجة وقفازات اليدين.
وتقول عفيفة، وهى بريطانية من أصول باكستانية لـ"الأهرام":»لا أدرى كيف سيكون الشهر الكريم. نحن نحاول أن نقدم كل الخدمات التى نقدمها عادة كل عام، بالذات مساعدة الأكثر احتياجاً من المسلمين، لكن الكثير مما نفعله عادة سيكون صعبا جداً هذا العام».
هناك الكثير من المسلمين فى مناطق شرق لندن مثل تاور هاملت ونيوهام، وغالبيتهم من الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى، يحتاجون لمساعدات أكبر هذا العام بسبب الأضرار الفادحة لكورونا على الاقتصاد وعلى المجتمع. فهناك بالفعل نقص فى بعض السلع التقليدية المرتبطة بعد غلق حدود غالبية الدول الأوروبية. وهناك أيضا ارتفاع ملحوظ فى الأسعار.
وفى مسجد «فينسبرى بارك» شمال لندن يقول محمد كوزبار، الأمين العام للمسجد إن المسلمين سيفتقدون شعائر الصلوات الجماعية والإفطار المشترك. وعوضاً عن انتشار الصائمين والمصلين، سينتشر رجال الشرطة للتأكد من عدم مخالفة الحظر العام المفروض فى بريطانيا. فالمساجد فى انجلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية مغلقة تماماً وتم حظر التجمعات فيها أو حولها.
ومع ذلك، هناك خطط لتوزيع وجبات الإفطار للأشخاص المحتاجين أو الذين يطلبون المساعدة بشكل شخصي، إضافة لمجموعة من المتطوعين سوف تقوم بتوصيل الطعام للموظفين فى المستشفيات القريبة من مسجد «فينسبرى بارك» شمال لندن.
وبالرغم من غياب الأجواء الاحتفالية هذا العام، لا يعارض مسلمو بريطانيا الحظر العام لمنع تفشى فيروس كورونا. وقال المجلس الاستشارى الوطنى للمساجد والأئمة هذا الأسبوع إن المساجد والمدارس الإسلامية ستظل مغلقة خلال شهر رمضان وحتى يتم إنهاء الحظر العام فى بريطانيا.
وحذر قارى عاصم، إمام ليدز ورئيس المجلس الاستشارى الوطنى للمساجد والأئمة: «سيُعتبر التجمع لأداء صلاة الليل أو إقامة تجمعات دينية خلال شهر رمضان فى أى مسجد أو منازل مع أشخاص ليسوا من أفراد الأسرة المباشرة إثما وذنبا... فخلال الوباء، الرغبة فى صلاة الجماعة فى المسجد تحتل المرتبة الثانية بعد إنقاذ الأرواح».
ويقول رئيس مجلس مسلمى بريطانيا، هارون خان، إنه سيتم إصدار فتاوى بشأن إعفاء المسلمين الأكثر تعرضاً للإصابة بفيروس كورونا من الصيام، موضحاً لـ«الجارديان» إن المسلمين الذين يعملون لفترات طويلة فى الخدمات الأساسية «يجب أن يكونوا عمليين فى نهجهم» حيال الصيام.
وتشير البيانات الصادرة عن المركز الوطنى للتدقيق والبحوث إلى أن 35% من ضحايا كورونا فى بريطانيا هم من الأقليات العرقية والدينية، برغم أن الأقليات لا تشكل إجمالاً إلا 14% من السكان. وهناك عدة أسباب وراء التكلفة الكبيرة التى تدفعها الأقليات جراء كورونا، من بينها ان 40% من العاملين فى قطاع الرعاية الصحية فى بريطانيا هم من الأقليات، ويعانى أغلبهم أوضاعا اقتصادية صعبة إلى جانب اكتظاظ مساكنهم.
وفى هذا الوقت العصيب الذى يمر به العالم، تحاول المتاجر الكبرى فى بريطانيا إضفاء أجواء احتفالية على الشهر الكريم. فسلسلة «السوبر ماركت» الكبرى ومن بينها «اسدا» و«تيسكو» و»ليدل» و«سنسبيري» خصصت جانباً كاملاً من رفوفها للمسلمين مرفقاً بعبارة «رمضان كريم»، لتعرض التمر وقمر الدين والعصائر والمكسرات والألبان واللحم الحلال، وذلك كى تنال حصة من اقتصاد الشهر الفضيل الذى يقدّر بـ200 مليون جنيه استرليني.
فهناك فى بريطانيا حوالى 4 ملايين مسلم. ومثل غيرهم، يستخدم مسلمو بريطانيا التكنولوجيا الحديثة لمواجهة تحديات الحظر العام على التجمعات والحركة، فمثلاً ستنقل صلوات رمضان وتلاوة القرآن الكريم ليلاً عبر الإنترنت. كما ستتواصل جهود جمع التبرعات للجمعيات الخيرية عبر الإنترنت.
أما مسجد «فينسبرى بارك» فسيقوم ببث المحاضرات الدينية والصلاة عبر موقعه الإلكتروني، وتقديم المشورة عبر الإنترنت أيضاَ. كما ستلعب منصات التواصل الأجتماعى دوراً رئيسياً فى تقريب المسافات، فالكثيرون سيستخدمون وسائل تواصل اجتماعى مثل «فيس تايم» و«وواتس آب» و«هاوس بارتي» و«زووم» لاستضافة حفلات إفطار جماعى «عن بعد»، ولقاء أفراد العائلة والأصدقاء ولو عبر الشاشة.
رابط دائم: