تمثل جائحة كورونا أحد أكبر التهديدات التي تواجه العالم منذ عقود. ومن المفارقات التي كشفت عنها الأشهر الأربعة الماضية، أن نظام الحجر المنزلي للحد من العدوي بات يشكل تهديدا في حد ذاته لدواع لم تخطر ببال أحد. فقد أصبح العاملون في الوظائف المكتبية والإدارية ينتهون من مهامهم منزليا، أي عبر شبكة الإنترنت.
ونتيجة لطول الوقت، والرتابة، والضيق بالبقاء بين أربعة جدران، تخلي كثيرون عن حذرهم في المعاملات الإلكترونية. وفي المقابل، وجد قراصنة الكمبيوتر الفرصة المواتية للإجهاز علي الضحايا التقليديين: نظم الحاسبات الشخصية، والخوادم الرئيسية للشركات، وأجهزة المنازل الذكية.
وفي الوقت الذي سارعت فيه المؤسسات الطبية إلي تعزيز الحماية لنظمها، فإن القرصنة والتجسس علي أجهزة الأفراد الإلكترونية تحولا إلي وسائل لكسر رتابة ساعات الحظر بعيدا عن أجهزة الرقابة. وتستعرض السطور التالية نقاط الضعف في برمجيات الأجهزة المنزلية، وإمكانية قرصنتها، أو التجسس علي أصحابها بسبيل التسلية فحسب.
لعنة المنازل الذكية
لا تمل الشركات الكبري في العالم من الابتكار والتطوير. وفي خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ظهرت صيحة جديدة من المنازل الذكية، تفوق إمكاناتها ما قرأناه صغارا من حكايات الجن والعفاريت، وتلك الصيحة الشهيرة: «افتح يا سمسم». وبرغم محدودية الطبقة المستفيدة من هذه الصيحة الجديدة، فإن إلقاء الضوء علي سلبياتها سيفيد عموم الناس بلا شك. فبعد أعوام قلائل، ستقل الكلفة تدريجيا، لتصبح مثل هذه المنازل متاحة لطبقات أوسع، وخصوصا في منطقتنا، حيث يتصدر الاستهلاك قائمة الأنشطة الاقتصادية بينما يتواري مفهوم البحث العلمي، وملكة الاختراع.
وتناول العدد الأسبوعي من صحيفة الجارديان البريطانية مؤخرا أبرز سلبيات المنازل الذكية وأكثرها خطرا فيما يتعلق باختراق خصوصيات الأفراد. فقد اتضح أن الأجهزة المنزلية بأنواعها، والمصابيح، وكاميرات المراقبة، والبوابات الإلكترونية، ما هي إلا جواسيس تنقل حركاتك وسكناتك كلها إلي نقاط عمياء تستفيد من المعلومات المتاحة لأغراضها الخاصة دون إذن منك. والشرط الوحيد هنا أن تبقي هذه الأجهزة العصرية علي اتصال مستمر بشبكة الإنترنت حتي تصبح ذكية، أي تتلقي التعليمات الكتابية أو الصوتية منك لتنفذها عدة برامج للتشغيل والتحكم عن بعد.
وإذا قطعت عنها هذا الحبل السري، حرمتك من نعمة ذكائها، وأعادتك إلي عصر الإنسان البدائي الذي كنت عليه قبل بضعة أعوام، أو أشهر. ستشعر بالنقص حتما، وقد تقرر ساعتها التضحية بخصوصيتك، من أجل راحتك الزائفة، وترف أفراد أسرتك. فهل أنت مستعد لذلك؟. إذا كانت الإجابة بـ «لا»، فإن السطور التالية تستعرض جانبا من طابور الجواسيس الجدد في منزلك، وبعض الوصايا التقنية لمكافحة نشاطها المرذول.
التليفزيون يسمع ويراقب
توسع المستهلكون في اقتناء شاشات الجيل الجديد من التلفزيونات الذكية، وتتميز بصورة فائقة النقاء وخدمات لا حصر لها، بفضل اتصالها بالإنترنت. فبوسع هذه الشاشات تسجيل مباريات كرة القدم التي تفضلها وقت وجودك في العمل وإعادة تشغيلها بمجرد عودتك. ويمكنها عرض ما تتلقاه علي تليفونك «الذكي» من أفلام فيديو ولقطات حية علي بعد كيلومترات من مقعدك بالمنزل، والاحتفاظ بالأفلام والبرامج المفضلة لأفراد الأسرة علي ذاكرة إضافية. ويبدو هذا كله رائعا. ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي أصدر تحذيرات مؤخرا، بأن هذه الأجهزة تسجل الأصوات المحيطة بها، وتشغل كاميراتها تلقائيا لترصد الجالسين أمام الشاشة. وتتولي برمجيات التشغيل وتطبيقات المتابعة هذه المهمة وإرسالها كبيانات. فمن المستفيد ؟. شركات التسويق السلعي، وقياس الرأي. ربما. جهات مجهولة للتجسس والاستطلاع. محتمل. ويعيد هذا إلي الأذهان مشاهد الأخ الكبير من رواية «1984» الشهيرة التي كتبها جورج أورويل في عام 1948. الأخ الكبير يراقبك أينما كنت، فلا تنحرف عن تعليماته !.
ما حدث هو كالتالي: يوافق المستهلك غير المتخصص علي تشغيل تطبيق يعرف باسم «التعرف التلقائي علي المحتوي» (ACR) ويودع خصوصيته المنزلية إلي الأبد. ولتحاشي هذه الكارثة، يمكنك إعادة ضبط الجهاز من قائمة الضبط المتقدم، وتعطيل هذا التطبيق المشبوه. ولكنك ستفقد علي الفور عدة خدمات منها التحكم الصوتي في الجهاز، وتلقي توصيات يومية بمشاهدة برامج أو أفلام بعينها. وهل هذا مهم فعلا ؟. إنه قرارك أنت.
خطر السماعات الذكية
تنتشر السماعات الذكية بأشكال وأنواع لا حصر لها في المنازل الجديدة، ويستخدم في تشغيلها برامج رقمية للمساعدة عن بعد. أما القاسم المشترك بين هذه السماعات فهو التسجيل التلقائي الدائم !. وأظهر استطلاع أجري مؤخرا في الولايات المتحدة أن نحو 60% من مستخدمي هذه السماعات ينتابهم القلق إزاء هذه الخدمة غير المرغوبة. ويرجع الأمر إليك إذا كنت تصر حقا علي إصدار التعليمات عبر هذه السماعات إلي كل الأجهزة المنزلية المحيطة بك، أو بعضها. ويتحقق هذا من خلال أجهزة منها «ألكسا» لشركة أمازون أو برنامج «المساعد جوجل» لشركة جوجل. عليك أن تصدر أمر «حذف» صوتيا فيتوقف التسجيل التلقائي المقيت. ولكن هل هذا الأمر (حذف) نشط فعليا علي التطبيق ؟. تأكد أولا بالعودة إلي قائمة الضبط واختر كلمة: تعطيل.
ملاحظة: حذرت شركة جوجل من إمكانية خسارة تطبيقات إضافية، وخدمات أخري، يوفرها برنامجها إذا اختار المستهلك الحصيف تعطيل هذه الخدمة.
خيانة المصباح
في بداية العام الجاري، أكد خبراء في أمن المعلومات أنه بوسع قراصنة الكمبيوتر اختراق جهاز الحاسب الشخصي الخاص بك، ومن ثم شبكة التحكم في مختلف الأجهزة بمنزلك الذكي، من خلال خطأ تقني في برمجة مصابيح الإضاءة الذكية من نوع (فيليبس). ولتحاشي التفاصيل التقنية المزعجة، يسمح هذا الخطأ للقرصان بالتسلل من خلال برنامج إنترنت الأشياء (IOT) في الأجهزة الذكية ومنها المصباح الجديد. وسارعت شركة فيليبس بإصدار تحديث للتطبيق الإلكتروني في المصابيح الجديدة حماية لسمعتها. ولضمان عدم خيانة مصباح بيتك للأمانة، يوصي بتحديث البرمجة بانتظام، أو الاكتفاء بضبط البرنامج علي خيار «التحديث التلقائي».
احترس من الكاميرا
يتطلب تركيب نظام أمني متكامل للمراقبة المنزلية، تثبيت مجموعة كاميرات بدءا من باب البيت الخارجي وحتي فراش طفلك الرضيع. وتسجل العدسات كل شيء بطبيعة الحال لتحقيق الغرض الأمني المنشود. وعندما تتصل معا عبر برنامج للتحكم من خلال الإنترنت، تقع الكارثة الكبري. من يراقب من ؟.
ومنذ أعوام، يشيع استخدام أجهزة رينج (Ring) وتنتجها شركة أمازون لتوفير هذه الخدمة. وبدأ الكونجرس الأمريكي مؤخرا في بحث دواعي تقاسم الشركة للبيانات التي تجمعها أجهزتها مع أكثر من 900 مركز شرطة في أنحاء الولايات المتحدة !. ليس هذا فحسب، بل إن الشركة تقدم هذه البيانات إلي شركات أبرزها فيسبوك، وجوجل. لماذا ؟. لم تجب الشركة صراحة عن هذا السؤال، ولكنها تصر علي نفي الغرض التجاري لتقديم البيانات. وحماية لسمعتها، عطلت أمازون خدمات تحليل البيانات التي توفرها تطبيقات رينج لأطراف ثالثة. وتعمل الشركة حاليا علي زيادة قدرة المستهلك علي الخروج مما يعرف بمركز التحكم الذي يهيمن علي هذه التطبيقات. ويضمن هذا حماية، ولو نسبية، لخصوصية العميل وأفراد العائلة.
نظام التدفئة يفضحك
قد يبدو هذا نوعا من الجنون، أو الهوس المرضي، بالنسبة لي ولك. ولكنه خطر حقيقي إذا ما ارتبط نظام التدفئة المنزلي التقليدي بالتكنولوجيا المتقدمة. ويشيع تثبيت برامج للتحكم في هذه الأنظمة بالمنازل الحديثة، فييسر هذا للمستهلك مهمة تدفئة المنزل إلي المستوي المطلوب عن بعد من خلال وصله بالإنترنت. ومن أشهر هذه البرامج «نست» وتملكه شركة جوجل، وإيكوبي/ألكسا وتصدره شركة أمازون. ومن المدهش أن البرنامج الأخير متصل بمكبرات للصوت تعمل بمجرد تركيب مقياس الحرارة (الثرموستات). وتنقل هذه المكبرات الأصوات المحيطة ومعها حياتك الشخصية لأسباب مجهولة. وإذا أردت أن تأمن جانبها، فعليك بالعودة إلي التطبيق وتعطيل الوظيفة. ولكنك ستحذف معها حسابك لدي الشركة وميزة «الذكاء» في مقياس الحرارة الحديث. ماذا تفضل ؟. القرار لك.
رابط دائم: