رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«أوروبا أولا» فى وجه كورونا
منع تصدير معدات طبية للخارج.. ورفع تدريجى للحظر

منال لطفى
زحام فى أحد المتاجر بألمانيا

تسعي دول العالم علي اختلافها لتحقيق هدفين أساسيين في المعركة ضد فيروس كورونا. أولا: السيطرة علي انتشار المرض. وثانياً: إعادة فتح الاقتصاد تدريجياً لمنع ركود اقتصادي غير مسبوق، أسوأ حتي من الكساد العظيم الذى ضرب العالم منذ 1929. لكن تحقيق التوازن بين الحاجة إلي الحفاظ علي سلامة السكان، وتجنب موجة ثانية من العدوي، ومنع الركود الاقتصادي مهمة صعبة للغاية.

ومع ذلك، بدأت دول أوروبية، بسرعات مختلفة، تخفيف القيود علي الأنشطة الاقتصادية بعدما بدأت معدلات العدوي في التقلص النسبي. لكنها مقامرة لأن معدلات الوفيات في اليوم مازالت بالمئات في بعض البلدان التي بدأت في تخفيف الحظر العام، مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا.

وآخر دولة أوروبية بدأت الفتح التدريجي هي ألمانيا، التي بدأت في تخفيف مبدئي للحظر العام الذي تم فرضه منذ شهر تقريباً. فقد أعادت ألمانيا فتح المكتبات، ومحلات بيع الزهور، ومتاجر الأزياء، ومحلات الدراجات والسيارات. كما سيُسمح للطلاب الذين لديهم امتحانات بالعودة إلي المدارس. لكن بالنسبة لمعظم الشركات الألمانية، سيظل الإغلاق العام ساري المفعول حتي 3 مايو علي الأقل، وهذا يعني أن الفنادق والمطاعم والمقاهي ستبقي مغلقة، وكذلك المرافق الرياضية والترفيهية.

طبعاً ألمانيا بولاياتها الـ16 ذات النظام الفيدرالي، لن تطبق رفع الحظر التدريجي علي كل الولايات بنفس الدرجة. فهناك اختلافات إقليمية كبيرة في كيفية تنفيذ الولايات الألمانية للتخفيف الجزئي للحظر. فمثلاً، أعادت ولاية شمال الراين - وستفاليا ذات الكثافة السكانية العالية، فتح المتاجر الكبيرة والصغيرة. لكن في ولايات أخري سيتم فتح المتاجر التي تقل مساحتها عن 800 متر مربع. وفي ولاية ساكسونيا ، سيُلزم الناس قانونياً بارتداء أقنعة الوجه في الأماكن العامة، لكن ولايات أخري «ستنصح» بذلك دون أن يكون هذا مفروض قانونياً. وعلي الرغم من أن معدل الوفيات في ألمانيا بسبب فيروس كورونا أقل بكثير من العديد من جيرانها الأوروبيين بسبب قوة النظام الصحي في ألمانيا، والاختبارات واسعة النطاق من قبل مختبرات التشخيص لتحديد وعزل المصابيين، حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الإئتلاف الحكومي في ألمانيا الامتناع عن مناقشة تخفيف المزيد من إجراءات الحظر العام، خوفاً من أن يعطي ذلك «احساساً بأمان زائف للسكان»، فيبدأون في تجاهل إجراءات التباعد الاجتماعي، ما يغذي موجة ثانية وربما ثالثة من فيروس كورونا.

وعلي خطي ألمانيا، أعادت النرويج أيضًا فتح حضانات الأطفال لكن بثلاثة شروط: أولاً، أن يأتي كل طفل بوجبة غداء من المنزل تكون مغلفة بشكل جيد. وثانيا، لا يجب إحضار ألعاب من المنزل. وثالثا، أن يكون في كل حضانة مرافق واسعة لغسل اليدين، بحيث يظل من الممكن الحفاظ علي التباعد الاجتماعي.

وجاء الفتح الجزئي في ألمانيا والنرويج بعد أيام من قيام دول أوروبية أخري بنفس الشيء.

القطار الأوروبي بسرعات مختلفة

كانت إيطاليا قد أعلنت الأسبوع الماضي إعادة فتح المكتبات والمغاسل ومحلات ملابس الأطفال في بعض المناطق. أما باقي البلاد فستظل تحت الحظر العام حتي 4 مايو علي الأقل.

أما إسبانيا فقد سمحت لبعض المصانع وعمال البناء بالعودة إلي العمل. أيضا تم رفع الحظر المفروض علي مغادرة الأطفال لمنازلهم، حتي يتمكنوا من الذهاب لمتنزهات قريبة للحصول علي هواء نقي. لكن معظم المحلات والخدمات لا تزال مغلقة ولا يزال موظفو المكاتب يعملون من المنزل. ومن المقرر أن ينتهي الإغلاق في 27 أبريل الحالي، ولكن من المرجح أن يتم تمديده.

أيضاً أعادت النمسا فتح الحدائق، ومتاجر الأعمال اليدوية، والمحلات الصغيرة الأسبوع الماضي، ولكن مع قواعد صارمة للتباعد الاجتماعي.

كما أعادت الدنمارك فتح رياض الأطفال، والمدارس الابتدائية الأسبوع الماضي، ومجموعة من الأعمال الصغيرة، بما في ذلك مصففو الشعر وصالونات التجميل.

وسمحت بولندا للسكان بزيارة الحدائق والغابات. كما أعادت جمهورية التشيك فتح بعض المتاجر والأسواق الشعبية، لكن الرئيس ميلوس زيمان قال، إن حدود البلاد يجب أن تظل مغلقة حتي نهاية العام الحالي. ومع ذلك، لا تشعر كل الدول الأوروبية بالراحة لفكرة فتح قطاعات من الاقتصاد الآن، في ظل العدوي ما زالت منتشرة والوفيات بالمئات يومياً، خاصة أن العالم مازال بعيداً عن ايجاد دواء أو مصل للفيروس. ففي فرنسا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه سيتم تمديد الإغلاق الصارم للبلاد حتي 11 مايو القادم، وبعد ذلك سيتم إعادة فتح الحضانات، والمدارس الابتدائية، والثانوية. وستبقي بلجيكا أيضًا الإغلاق العام حتي أوائل مايو، فلا تزال معدلات وفيات كبار السن في دور الرعاية مصدر قلق كبير للحكومة البلجيكية. لكن تم السماح للحدائق ومحلات صغيرة بالفتح، إضافة إلي متاجر المواد الغذائية الأساسية. وستواصل اليونان والمجر وأيرلندا وهولندا والبرتغال الإغلاق الصارم حتي إشعار آخر.

في وجه العاصفة

وعلي الرغم من اختلاف سرعات الفتح، وتنوع الأنشطة الاقتصادية التي ستفتح تدريجياً في كل بلد وفقاً لظروفه ومدي تفشي الفيروس فيه وقدرة نظامه الصحي علي المواجهة ، فإنه يوجد الآن تعاون أوروبي أكبر. فبعد مرحلة «الصدمة الأولي» حيث انغلقت كل دولة علي نفسها لمواجهة العاصفة، استدرك الاتحاد الأوروبي خطورة المواجهة الفردية لفيروس كورونا علي المشروع الأوروبي وبدأ في صياغة استراتيجيات للمواجهة الجماعية. فعلي سبيل المثال، حثت المفوضية الأوروبية دول الاتحاد الأوروبي، علي تطوير «استراتيجية خروج موحدة منسقة جيدًا بين الدول الأعضاء» موضحة أن الفشل في القيام بذلك يمكن أن يؤدي إلي طفرات جديدة للوباء، من خلال موجة ثانية من فيروس كورونا، أو حتي موجة ثالثة.

ووفقًا لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، فإن الاتحاد الأوروبي يتحرك علي ثلاث جبهات: أولاً، العمل علي تعزيز إنتاج المعدات والأجهزة والأدوية اللازمة لمواجهة الفيروس. وثانيا، الاحتفاظ بتلك المعدات والأجهزة داخل الاتحاد الأوروبي. وثالثاً، تقاسم المعدات بين دول الاتحاد. وقالت فون دير لين، إن جميع دول الاتحاد الأوروبي وافقت بالفعل علي «حظر تصدير الأقنعة وغيرها من معدات الحماية الشخصية خارج الكتلة الأوروبية، ما لم تمنح الدول الأعضاء موافقة صريحة بذلك». فهناك ندرة عالمية حالية في معدات الحماية الشخصية مثل الأرواب الطبية، وأقنعة حماية الوجه، والقفازات، وبعد منع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشركات امريكية تصدير أي معدات حماية شخصية للخارج، قرر الاتحاد الأوروبي فعل الشئ ذاته.

إضافة لذلك تحركت المفوضية الأوروبية لضمان استمرار تداول المعدات الطبية بين دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما رفضت ألمانيا في بداية الأزمة بيع معدات للنمسا أو إيطاليا. وقالت فون دير لين: «الحظر الوطني لبيع معدات الحماية للدول الأعضاء الأخري في الاتحاد الأوروبي ليس أمراً جيداً...نحن بحاجة إلي مساعدة بعضنا البعض (داخل كتلة الاتحاد الأوروبي)....إيطاليا اليوم تحتاج بسرعة كميات كبيرة من السلع الطبية، لكن في غضون بضعة أسابيع ستحتاجها دول أخري أيضاً». وأطلقت المفوضية مبادرة مشتريات طبية مشتركة لـ20 دولة أوروبية، تشمل أجهزة التنفس الصناعي وأدوات حماية شخصية بقيمة مليار ونصف لمليار يورو.

ووافق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي علي حزمة إنقاذ بقيمة 500 مليار يورو للدول الأوروبية التي تضررت بشدة من فيروس كورونا. ويشمل المكون الرئيسي للحزمة «صندوق إنقاذ» سيوفر 240 مليار يورو لضمان مساعدة الدول تحت الضغط التي تعاني ديونا كبيرة. كما اتفق وزراء الاتحاد الأوروبي علي إجراءات أخري، بما في ذلك 200 مليار يورو، كضمانات من بنك الاستثمار الأوروبي لدعم الدول علي المدي القصير. لكن حزمة الإنقاذ أقل مما حث عليه البنك المركزي الأوروبي، الذي كان يأمل في 1.5 تريليون يورو. كما أنها لا ترقي إلي طلب فرنسا وإيطاليا تقاسم ديون الأزمة من خلال إصدار ما يسمي «سندات كورونا»، بعد رفض ألمانيا وهولندا للفكرة.

مسار انتحاري

ورغم أن حزمة الإنقاذ كانت خطوة مشجعة لتأكيد التضامن الأوروبي في وجه كورونا، إلا أن التطبيق أدي إلي وضع الاتحاد في وجه انتقادات لاذعة مجدداً. فبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي للمساعدة الإقليمية، ستحصل المجر علي أكثر من ضعف المساعدة التي ستحصل عليها إيطاليا، وهي الأكثر تضرراً في أوروبا من الفيروس. فقد تلقت إيطاليا، التي فقدت أكثر من 23 ألف قتيل بسبب كورونا، مبلغ 2.3 مليار يورو من مبادرة الاستثمار للتصدي للفيروس، لكن المجر، التي تضم سدس سكان إيطاليا، وتوفي بها 172 شخصا فقط، حصلت علي 5.6 مليار يورو. كما حصلت إسبانيا، التي بها أكثر من 20 ألف وفاة و200 ألف إصابة، علي أقل مما حصلت عليه المجر، إذ أخذت 4 مليارات يورو من صندوق مبادرة الاستثمار للتصدي للفيروس. وأمام هذا التباين المفجع، دعا جيرالد كناوس، رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبية، إلي إصلاح الآليات خلال توزيع أموال الاتحاد الأوروبي. وحذر قائلاً: «إذا لم يؤد ذلك إلي صحوة، فإن الاتحاد الأوروبي يكون في مسار انتحاري»، داعياً إلي أن ربط آلية توزيع المساعدات بسلوك الدول الأعضاء. وتابع:«يجب أن يتغير منطق المساعدة الأوروبية المستقبلية، وإلا فإن أموال الاتحاد الأوروبي تخاطر بتعزيز القوي السياسية العازمة علي تقويض الاتحاد الأوروبي نفسه»، وذلك في إشارة إلي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الشعبوي اليميني، الذي استغل الوباء بطريقة فضائحية، لمنح نفسه سلطات جديدة كاسحة بموجب مرسوم صدر في 30 مارس الماضي. وفي نظر الكثيرين، فإن أوربان «عدو من الداخل» للمشروع الأوروبي. ولطالما أعربت مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن رفضها سياساته خاصة فيما يتعلق بالتغول علي الديمقراطية والقوانين المجرية، والعداء للهجرة، ورفض استقبال اللاجئين، وأفكاره العدوانية حيال الإسلام، ودفاعه عن أفكار اليمين القومي المتطرف. لقد كشف كورونا عن عيوب واضحة في مشروع التضامن الأوروبي، علي رأسها بطء التحرك الجماعي و«الميل الغريزي» للتركيز علي المصالح القومية لكل بلد، لكن محاولات المفوضية الأوروبية إصلاح تلك العيوب، قوضها أن يكون أكبر المستفيدين من آلية المساعدة المالية لنظام فيكتور أوربان، الذي يشكل بذاته خطراً علي الاتحاد الأوروبي. ويؤكد كناوس أن الاتحاد الأوروبي أمام لحظة فارقة بسبب الوباء، موضحاً «يحتاج الأوروبيون الآن إيجاد طرق أفضل للدفاع عن القيم المنصوص عليها في معاهداتهم، ليس بالكلمات الورعة والتهديدات الفارغة، ولكن بلغة القوة والمال التي سيفهمها السياسيون مثل أوربان».

جائحة كورونا مازالت في فصلها الأول، وليس هناك شك في أن الانقسامات العميقة في أوروبا ستظهر مراراً وتكراراً. ومع أن إعادة الفتح الجزئي للأنشطة الاقتصادية، خبر جيد لأوروبا والعالم، إلا أنه لا يخلو من مخاطر. فرئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، حذر من أن «تخفيف القيود ليس نهاية الوباء»، فالطريق ما زال طويلاً ووعراً.

ومع ذلك، فبعد استجابة أوروبية فردية وبطيئة بشكل مؤلم، فإن المعركة الجماعية ضد كورونا في القارة العجوز تسير الآن علي قدم وساق.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق