رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هلال رمضان.. ما بين "دكة القضاة"و"دار الإفتاء

كتبت ـ دعاء جلال
هلال رمضان.. ما بين "دكة القضاة"و"دار الإفتاء

رغم أن رمضان الوشيك سيكون له طابع خاص لتزامنه مع تجربة لا تتكرر كثيرا فيما يتعلق بمواجهة البشرية لتهديد «كورونا» المستجد، ولذا سيكون للشهر الكريم دور فى تهدئة النفوس خلال هذه الأوقات الصعبة، وسيكون لاستطلاع هلاله هذا العام بهجة مضاعفة تضيف بعدا جديدا ومرحلة تاريخية جديدة إلى المراحل الرئيسية لاستطلاع هلال رمضان على مر الأزمنة.

«صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، كانت وصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، للأمة الإسلامية لتحديد أول وآخر يوم فى شهر رمضان المبارك، عبر استطلاع «الهلال». وإذا وُجد حائل ما منع الرؤية، فأمر الرسول بأن يكون أول يوم لشهر رمضان بعد إتمام شهر شعبان ثلاثين يوماً، وكان من عادة المسلمين فى ذلك الوقت الخروج لرؤية الهلال ثم يستمعون لخطبة الرسول فى آخر يوم من شهر شعبان، ليبين لهم فضائل الشهر الكريم. وعلى خطى الرسول صلى الله عليه وسلم، سار الولاة المسلمون فيما بعد، فكان إذا رأى أحد منهم الهلال أعلن الباقى ثبوت الرؤية.


هلال رمضان.. ما بين "دكة القضاة"و"دار الإفتاء

ثم بعد ذلك أصبحت الرؤية من اختصاص القضاة، الذين كانوا يجلسون على «دكة» فوق جبل المقطم عُرفت بـ«دكة القضاة» لكى يستطيعوا رؤية الهلال بوضوح، وعلى نفس جبل المقطم بنى القائد بدر الجمالى مسجداً له فى العصر الفاطمي، اُستخدمت مئذنته كمرصد لرؤية هلال رمضان، وفى عام 727هجرية، وعقب زيارة الرحالة المغربى ابن بطوطة الأولى إلى مصر، وصف ما رأه فى يوم رؤية هلال رمضان فى مدينة «أبيار» بشمال المنوفية، وكان فى ذلك الوقت يطلق عليه موكب الرؤية، وكان المصريون يسمون يوم رؤية الهلال بـ«يوم الركبة» قائلا: «ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجى الشافعى وهو كريم الشمائل والقدر، حضرت عنده مرة يوم الركبة، وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء ووجوه بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة، أتى أحد الفقهاء أو الوجوه فتلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلاً «باسم سيدنا فلان الدين»، فيسمع القاضى ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب فى موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضى ومن معه أجمعون وتبعه جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان، وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضى ومن معه يترقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وما أن تقرر بداية الشهر حتى تنشط المدينة ليلاً فتشعل الشموع والفوانيس فى الشوارع والأسواق والطرقات، وتنتعش الحياة فى سوق الشماعين، فكل حوانيته مفتوحة حتى منتصف الليل، هكذا فعلهم كل سنة»

وفى رواية أخرى تصف ليلة الرؤية من مبنى محافظة القاهرة نُشرت فى صحيفة «الفلاح» فى بداية القرن العشرين، ورد التالي: «وأخذ بعض أرباب الحرف يفدون إليها طائفة بعد أخري، فلما اكتمل الجميع توجهوا بنظام يحتاطهم فوارس البوليس ويتخللهم بعض العساكر ويصحبهم المختص لاحتفال الرؤية، مارين بشارع محمد على فالحلمية ثم سوق السروجية فالغورية حتى وصلوا ميدان المحكمة الشرعية لانتظار إثبات رؤية الهلال، وكان حاضراً شيخ الإسلام وقاضى أفندى وكثير من مستخدمى المحكمة، فتقدم إلى حضرة شيخ الإسلام أشخاص لتأدية الشهادة أمامه، فردهم ولم يقبل إلا بشهادة اثنين، أحدهم الميقاتى بالجامع الحسيني، والثانى أحد كتبة المحكمة، فقال الأول إنه رآه بعد الغروب، والآخر أنه من شباك المحكمة، عندئذ حكم الشيخ ببداية شهر رمضان، وأرسل الخبر إلى المعية السنية ومنها إلى القلعة، فأطلقت المدافع عند الساعة الثالثة ايذاناً ببدء شهر الصيام، فازدانت المساجد بالمصابيح وتكللت المآذن بالأنوار، وهرع مأمور المحكمة والذوات والأعيان إلى سرايا عابدين لتأدية رسوم التهنئة إلى جناب الوالي».

وفى أوائل الخمسينيات وتحديداً عام 1950 لم يختلف الأمر كثيراً، فكان يجتمع فى دار المحكمة العليا الشرعية بالحلمية كبار رجال الدولة والعلماء والقضاة، ثم يصل مندوب محافظة مصر على رأس موكب الرؤية والذى تتقدمه موسيقى الجيش، وبعد الغروب يحضر شاهدان رأيا الهلال من فنارة الجامع الأزهر بالمنظار، وبعد مناقشتهما مع مفتى الديار المصرية لكى يتأكد من رؤيتهما للهلال يتم إعلان بداية شهر رمضان.

وحديثاً أصبح هناك نحو 9 لجان شرعية وعلمية متخصصة فى دار الإفتاء لرؤية الهلال، فى عدة مناطق منها أسوان والسلوم والفيوم والقاهرة، وجميعها ترصد الهلال من زوايا وخطوط عرض وطول مختلفة، ومن أماكن مرتفعة حتى يمكن أن رؤية الهلال منها بشكل واضح مثل القطامية والقلعة والهرم، ويتسم الشخص الذى يختار للرؤية بالثقة والعدل والأمانة والنزاهة وقوة البصر، وترسل تقاريرها إلى اللجنة الدائمة فى دار الإفتاء، التى تستقبل أيضاً تقارير من الدول التى تقع شرق مصر مثل السعودية والكويت وسوريا، ثم تفحص هذه اللجنة مدى مطابقة هذه التقارير بالدراسات الحسابية والفلكية، وبناء على النتيجة يقرر مفتى الجمهورية إعلان أول أيام شهر رمضان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق