رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الفن القبطى فى مصر».. تأريخ للمسيحية بالفن

هبة عبدالستار

يعد الفن القبطى رافدا مهما من روافد التنوع الثقافي والحضارى فى مصر وهو وريث شرعى للحضارة الفرعونية التى تأثر بها بشدة ، ولا يقتصر ذلك التأثير على الفن فقط بل على العادات والتقاليد أيضا فشم النسيم احتفال مصرى فرعونى بحلول الربيع واختلط لاحقا مع عيد الفصح القبطى واعتاد المصريون جميعا الاحتفال بشم النسيم بمظاهر متنوعة تعتمد على عادات مصرية قديمة . وهو أيضا فن صادر عن الشعب يهتم بالجانب الروحى عبر الأيقونات المصرية والرسومات الجدارية القبطية.

فى الكتاب التذكارى للمعرض الذى سبق وأقيم بمعهد العالم العربي فى باريس»الفن القبطى فى مصر: 2000 عام من المسيحية» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب الذى شارك فيه مجموعة من الكتاب والفنانين المصريين والأجانب - نتجول بالصور فى رحلة تاريخية ممتعة بين الفنون والآثار القبطية وحكايات اكتشافها . يؤرخ الكتاب لعشرين قرنا من التاريخ المسيحى فى مصر بالفن ، مبرزا تأثير الكتابة واللغة القبطية والحياة الدينية بما تضمنته من طقوس الرهبنة والتقاليد الجنائزية وحتى طقوس السحر عند الأقباط، ورحلة العائلة المقدسة إلي مصر، والسنوات الأولى للمسيحية، والممارسات والطقوس اليومية القبطية ومخطوطات نادرة من مكتبة نجع حمّادي ومن مجموعات متحفية أخرى. ويبرز أيضا سر استمرارية الحضارة القبطية القديمة فى مصر حتى اليوم. فهو فن يخص المصريون جميعا، ولا يخص المسيحيون فقط حيث استمر وجوده فى مصر حتى القرن السابع الميلادى.

اهتم الأقباط بزخرفة الجدران والمحاريب الموجودة في الكنائس برسوم مستوحاة من قصص الأنبياء والأحداث الدينية، من بينها رسوم للسيدة العذراء والسيد المسيح،  والملائكة، والرسل، والقديسين. ويشاع أن لوقا هو أول من رسم أيقونة فنية يرجع إليها بداية ظهور الفن القبطي ، جسد فيها المسيح طفلا في حضن أمه العذراء، وكثيرا ما تأخذ الرموز والأشكال معاني فلسفية تُقرأ بحسب ورودها في الكتب المقدسة المسيحية، كالحمل  والحمام والطاووس، فمثلاً يرمز الحمل إلى المسيح لذا يرسم دائما بهيئة توحي بالرقة والجمال. ويوضح إدوارد الخراط في الكتاب أن رؤى الفن القبطى تتماهى وتتماثل مع الرؤى الفرعونية وتجمع بين القدسي والأرضي، متجاوزة ماهو دنيوى إلى ما هو مطلق. فتقديس القبطى للكتابة يتم كما فعل المصرى القديم مع الهروغليفية، ومار جرجس قاتل التنين يشبه أوزيريس وحوريس الذى مازال يصيب برمحه الطويل التنين «ست» إله الشر المطروح أرضا. وهى رؤية تتناقل معتقدات وتصورات لا تنتمى إلى ديانة بعينها فقط بل إلى وطن بالأساس وأنها ليست «قبطية» لأنها «مصرية» بالمعنى الأصلى للكلمة التى توحد بين القبطى والمصرى. يلفت الكتاب إلى أن تأسيس جمعية أصدقاء الفن القبطى على يد ميريت بطرس غالى عام 1953 (تدعى جمعية الآثار القبطية منذ عام 1938) كان بمثابة الخطوة التى قلدت الفن القبطى المكانة المشرفة التى يستحقها بعد تاريخ من الإهمال فى السعى لاكتشاف الآثار القبطية والتنقيب عنها على الرغم من كونها تمثل حلقة وصل تتيح التغلغل فى جذور مصر القديمة، مشيرا إلى التناقض بين الأقباط المصريين المعاصرين الذين يفتخرون بانتسابهم إلى أجدادهم الفراعنة ويتيمنون بتسمية أبنائهم بأسماء مثل «رمسيس» و«مينا» بينما كان الأقباط القدامى ينظرون إلى مصر الفرعونية باعتبارها أرض الجهل الغارقة فى ضلال الشيطان .

يكشف كيف تركت المعطيات التاريخية والجغرافية والدينية بصماتها على التعبير الفنى لدى الأقباط فظهر هذا التعبير فى عمارة الكنائس والأديرة وفى النحت والرسم اللذين كانا يزينان هذه المعالم وكذلك فى الطقوس الجنائزية التى تستخدم فيها هذه الفنون الثلاثة، وفى الطريقة التى يحتل فيها النسيج مكانة مرموقة فى الفن القبطى .

ويستعرض تاريخ المتحف القبطى والدور المهم لمرقص باشا سميكة (1863-1944) مؤسس المتحف القبطى بحى مصر القديمة عام 1910. عكف سميكة طوال حياته على إنقاذ الآثار والفنون القبطية من الاندثار، وبفضل جهوده المخلصة فى هذا الاتجاه تضاعفت مقتنيات المتحف القبطى لتصل إلى نحو 16,000 قطعة نادرة لا تقدر بثمن، وتشكل تلك المقتنيات عصب المجموعة المعروضة اليوم والتي ظلت محفوظة لعقود في مخازن المتحف القبطى. 

وقد امتد تأثير الفن القبطى إلى الفن المصرى المعاصر حيث نجد بعض الفنانين المصريين وغير المصريين قد تأثروا بالفن القبطي فى كثير من أعمالهم مثل الفنان جورج بهجوري و محمود سعيد و ايزاك فانوس و حلمي التوني، ومن غير المصريين هناك الفنان الصربي نيقولا ساريك الذي رسم صورة للشهداء الأقباط في ليبيا، والذين قتلوا على يد تنظيم داعش في فبراير 2015.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق