أكتب إليك راجية أن ترشدنى إلى حل يريحنا من التردد والقلق والخوف على مستقبل ابننا، فهو فى العشرين من عمره، وقد ارتبط بفتاة غير مناسبة له من الناحية الاجتماعية والتعليمية، حيث إنه خريج مدارس أجنبية، ويدرس فى كلية علاج طبيعى، ووالده طبيب جراح، وجميع أفراد عائلاتنا أنا وزوجى على مستوى تعليم عال، ولسنا أغنياء، وننتمى إلى الطبقة المتوسطة، وقد كافحت أنا وزوجى حتى وصلنا إلى ما نحن فيه.. أما الفتاة التى ارتبط بها ابنى فهى لا تناسبه فى المستوى التعليمى، حيث إنها أكملت تعليما ثانويا تجاريا، وشجعها ابنى لدخول كلية التجارة بعد أن اعترضت على مستوى تعليمها، ومن خبرتى الصغيرة أعلم أن الزيجات التى تتم من مستوى تعليم مختلف تفشل، فماذا أفعل مع ابنى، وهو كل يوم يمر يرتبط بفتاته أكثر؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
يعد التوافق الفكرى والنفسى بين الزوجين من الأساسيات لتوفير بيئةٍ صحية يش عر فيها كلا الطرفين بالراحة والاستقرار، وقد تنشأ عن الفرق التعليمى أو الثقافى بين الزوجين مشكلات كثيرة بسبب اختلاف طريقة تفكيرهما، ونظرتهما إلى الأمور، وطريقة تعاملهما مع التحديات التى قد تواجه علاقتهما، بالإضافة إلى الاختلاف فى ترتيب الأولويات والأهداف الشخصية، وفى بعض الأحيان صعوبة الحوار بينهما؛ لأنّ لكل منهما منطقا مختلفا فى تقييمه للأمور، وعلى الرغم من الآثار السلبية للاختلاف فى المستوى التعليمى بين الزوجين إلا أنّ هذا الاختلاف لا يمنع فى بعض الأحيان من نجاح العلاقة، بل قد يكون دافعاً لهما لمواجهة التحديات التى قد يتعرضان لها فى علاقتهما.
ومن النصائح التى قد تساعد فى التعامل مع المشاكل الناجمة عن هذا الاختلاف، المحافظة على الحب والاحترام بينهما وتجنب التركيز على هذا الفرق، فالحوارات الصادقة بين الزوجين تدور حول الأمور الأساسية، ومنها المادية والأهداف الشخصية، والبحث عن الاهتمامات والقواسم المشتركة بينهما، ومحاولة التركيز عليها، وتفهم الأهداف الخاصة بشريك الحياة، ومناقشة توقعاته عن الحياة الزوجية، وعدم محاولة تغييرها أو التأثير عليه، كأن يقوم الشريك الأكثر تعليماً بالضغط على شريكه لإكمال تعليمه وهو لا يرغب بذلك، وعدم محاولة إجبار الشريك على تغيير نفسه لكى يصبح إنساناً جديداً، بل يجب احترام خياراته فى الحياة وتقبلها، ولا ضرر من اللجوء للمساعدة الخارجية، كحضور الدورات التدريبية، أو طلب الاستشارة النفسية من المختصين؛ فهذه الأمور تساعد على تقليل الفجوة بين الزوجين.
أيضا يُعد التكافؤ الإجتماعى من أهم العوامل لنجاح العلاقة الزوجية، وهو لا يعنى التطابق فى كل الأمور، ولكن معناه أن يكون هنالك تقارب فى المستويات الإجتماعية والفكرية والمادية، إذ قد تسبب الفوارق بين الطرفين مشكلات كثيرة؛ لاختلاف البيئة التى ترعرعا فيها، وفى العادة يكون الشريك صاحب المستوى الإجتماعى الأدنى هو الأكثر تأثراً وحساسيةً؛ حيث تولّد هذه الفروق شعوراً بالنقص لديه، مما ينتج عنه حدوث شرخ فى العلاقة الزوجية، وحالة من عدم الاستقرار النفسى فى الأسرة مما ينعكس سلباً على الأطفال، كما أنّ وجود فروق اجتماعية كبيرة بين الزوجين لها تأثير على صورتهما الاجتماعية، ونظرة الناس إليهما، خاصة إذا كانت البيئة التى يعيشان فيها تولى أهميةً شديدة للمظاهر الخارجية.
ولا شك أن التوافق من المقومات الأساسية لإنجاح العلاقة الزوجية؛ حيث يخلق جواً من التفاهم والانسجام فى العائلة، ويجب عدم التغاضى عن حقيقة وجود اختلافات بين كل زوجين وهذا أمر طبيعي، ويتم التغلب عليها بالحب والتفاهم والاحترام وتقبل الطرف الآخر كما هو دون محاولة تغييره، بالإضافة إلى استخدام لغة الحوار للتوصل إلى حل وسط يرضى الطرفين فيما يخص حياتهما معاً.
هذه هى القواعد العامة التى تحكم الفروق بين الزوجين، وبصراحة شديدة لا أرى فروقا تذكر بين ابنك والفتاة التى ارتبط بها، ويرغب فى استكمال زواجه بها، فهى تواصل دراستها، وسوف تحصل على مؤهل عال مثله، وحتى لو اكتفت بمؤهلها المتوسط، فإن ذلك لا يعنى أنها أقل منه مستوى فى الثقافة والتفكير، فلا تزعجى ابنك برأيك المناهض لمن ارتضاها زوجة له، وسوف تسير الأمور على ما يرام بإذن الله.
رابط دائم: