رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حمـدان فى عيون مفكرى عصره..
البطل الوحــيد فى القـرن العشـرين

صلاح البيلى;

  • بهاء الدين كتب عن ظروف حياته الصعبة فقاطعه ورفض كل محاولات الصلح
  • كامل زهيرى فتح له صفحات (الهلال) ووصفه بأنه (يزرع الكتب)



رغم العزلة التى فرضها جمال حمدان على نفسه، والأسوار والأسرار التى أحاط بها حياته الخاصة إلا أن ذلك لم يمنعه من التواصل الفكرى والثقافى مع أبناء عصره، حيث ارتبط صاحب (شخصية مصر) بعلاقة مباشرة مع ثلاثة من أهم صحفيى ومفكرى الستينيات والسبعينيات، بداية من كامل زهيرى الذى كان رئيسا لتحرير مجلة (الهلال) التى بدأ حمدان نشر مقالاته من خلالها، ثم أحمد بهاء الدين وتلميذه مصطفى نبيل، وأخيرا هيكل الذى استشهد بحمدان كثيرا فى كتابه (خريف الغضب) وسعى لمقابلته ولم يتمكن أول مرة، وإلى التفاصيل...

.........




شهادة بهاء الدين

كان الكاتب أحمد بهاء الدين صديقا لجمال حمدان، وكذلك كان تلميذه الكاتب مصطفى نبيل الذى رأس تحرير مجلة ( الهلال) الشهرية سنوات، ولأن حمدان كان زاهدا فى امتلاك كل وسائل الرفاهية وبعض الضرورات حيث عاش بشقة صغيرة بالدور الأرضى بشارع أمين الرافعى بالدقى، ولم يمتلك سيارة ولا تليفزيونا ولا ثلاجة، وبشهادة أخيه اللواء عبدالعظيم حماد فإنه أخذ التورتة وأشكال الطعام المختلفة وذهب لشقة جمال ليحتفل بعيد ميلاده مع أفراد أسرته، وكان ذلك فى 4 فبراير إذ ولد بذلك اليوم سنة 1938 بقرية ( ناى ) قرب قليوب لأب مدرس لغة عربية، المهم رفض حمدان تناول شيء من الطعام وطلب الخادم وأمره بأن يأخذ الطعام والحلوى ويوزعه على البوابين للعمارات المجاورة، وقال لأقاربه بحزم: ( ستأكلون ما عندى ولا أريد كلاما كثيرا)!.. ولما شكا شقيقه لبهاء الدين تصرف جمال حمدان قال له: ( جمال أرسله الله برسالة من أجل مصر والمصريين فلا تخرجه عما يقوم به ولا تضغط عليه ).

يتابع شقيقه أنهم كانوا يزورونه كل يوم جمعة وكان كريما معهم، ويقول: كانت كل النقود التى تأتيه ينفقها ويوزعها على إخوته ولما حصل على جائزة التقدم العلمى من الكويت وقدرها 12 ألفا و500 دولار قال لى بالحرف الواحد: وزعها على إخوتك، ورفض أن يأخذ منها شيئا رغم أنه لم يكن لديه بعض الضرورات مثل الثلاجة أو جهاز التسجيل!

وفى مرة نادرة كتب بهاء الدين مقالة عن ظروف حمدان وحياته فى غرفة وصالة بالدور الأرضى وحاجته لمعاش استثنائى من الدولة لأنه سوى معاشه بالجامعة فى ظل ظروف استثنائية فى عصر عبدالناصر، وقد مضت تلك الظروف، كان هدف بهاء الدين نبيلا وشهما وكريما ولكن جمال حمدان لم يغفرها لبهاء ورفض أن يخاطبه من يومها وفشلت كل محاولات الصلح بينهما، واعتبر حمدان ما كتبه بهاء مس كرامته وعصاميته وأدق خصوصياته، ورفض كل التبريرات والحجج التى ساقها الأصدقاء للتقريب بينهما لدرجة التصلب ومات غاضبا من بهاء ورحل بعده بهاء، كان حمدان يرفض التجول فى حياته الشخصية وظل لآخر أيام حياته متوترا عند هذه الجزئية تحديدا ولا يغفر لأحد التدخل فى خصوصياته!

شهادة هيكل

كان هيكل يصف حمدان دائما ( بالبطل الوحيد فى القرن العشرين وأنه مثل النمر على الكتابة، وأنه لن يموت موتة طبيعية )، ومقدمة كتاب هيكل ( خريف الغضب ) الذى عده كثيرون من أقل كتبه شأنا لتحويله لفصول فى الثأر من السادات وعصره، جاءت معظم المقدمة عن جمال حمدان وأفكاره عن مصر وأكثر هيكل من استشهاده من ( شخصية مصر ). وكان هيكل قد سعى للقاء حمدان بمنزله بشارع أمين الرافعى بالدقى، وذهب صباحا بصحبة الكاتب مصطفى نبيل رئيس تحرير ( الهلال ) آنذاك وتلميذ بهاء الدين، ودق نبيل جرس الباب ولم يفتح حمدان الباب حيث كان لا يفتح بابه لأحد دون موعد مسبق ومتفق عليه، ولما عجزوا عن الدخول لدقائق كتب هيكل ورقة كرسالة ووضعها له أسفل باب شقته وقد وجدت ضمن أوراق حمدان لاحقا!

ومما قاله هيكل عن أزمة جمال حمدان مع ثورة يوليو 1952: جمال حمدان من الذين فهموا الثورة أكثر من غيرهم ألف مرة، ولم يكن له صراع مع السلطة ولكن مع طرف آخر ضمن رسالته الجامعية ولذلك أحيل للمعاش المبكر وبصورة استثنائية فى ظل عصر عبدالناصر، كانت مشكلة حمدان مع زميل له، اتهمه حمدان بسرقة رسالته العلمية، واحتكما لسلطة أعلى فانحازت إلى خصمه! ويستشهد هيكل بعلاقة المثقف بالسياسى كما فى علاقة ( شارل ديجول مالرو ) منذ أيام محنة ديجول لأيام مجده، ويقول: إن لم يعرف المثقف السياسى قبل أن يصبح أسطورة وحاكما من الصعب أن تقوم بينهما علاقة إنسانية أبدا لأن المعرفة بعد ذلك لن تكون على قاعدة من المواقع المتساوية.

بينما يرجع صلاح عيسى فى كتابه ( شخصيات لها العجب ) سبب عزلة حمدان إلى قيام الجامعة بتخطيته فى الترقية لحساب زميل آخر أقل وأصغر منه فغضب وشعر أن الفساد قد طال الجامعة فاعتزلها. ويوضح د. غالى شكرى فى كتابه ( المثقفون والسلطة فى مصر ) ذلك بقوله: (فى عام 1954 كانت سلطة يوليو قد قررت تحويل الإبداع الجامعى للمثقف المستقل الشامل صاحب المشروع إلى ترويض من شأنه إخضاع الثقافى للسياسى وإخضاع السياسى لسلطة الدولة وذلك بالإقتصار على تخريج المثقف التقنى أو المثقف الداعية).

وعن علاقة حمدان بثورة يوليو 1952 يقول د. محمد عفيفى أستاذ التاريخ بآداب القاهرة: نجح حمدان ابن الطبقة المتوسطة بتفوق بالمدرسة التوفيقية بشبرا وكانت بالأصل قصرا ملكيا تم التبرع به كمدرسة، والتحق بآداب القاهرة وتخرج سنة 1948 وعمل معيدا بقسم الجغرافيا بها ثم ذهب فى بعثة علمية وعاد بالدكتوراه سنة 1953 وعمل مدرسا بقسم الجغرافيا وكان زملاؤه يشيرون لنبوغه الفذ وكبريائه واعتداده الشديد بنفسه ولكن.. الجامعة المصرية بعد ثورة يوليو لم تعد الجامعة التى نشأت فى الفترة الليبرالية السابقة فقد بدأت علاقة الثورة بالتوتر مع أساتذة الجامعة المشبعين بالأفكار الليبرالية التى لا تتفق مع الشرعية الثورية وحدث الصدام المبكر عام 1954 فيما عرف ( بالمذبحة الأولى ) وتم طرد كثيرين منهم ( لويس عوض ومحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس )، وقد وقعت المذبحة الثانية عام 1968، وأحكمت الثورة سيطرتها على الجامعة والتعليم وعهدت بمنصب وزير التعليم لضابط من أعضاء مجلس قيادة الثورة ليبدأ تسلل مبدأ ( أهل الثقة ) بديلا عن ( أهل الخبرة )، ولتبدأ أيضا مأساة جمال حمدان الجامعية.

شهادة كامل زهيرى

يقول الكاتب كامل زهيرى فى شهادته التى كتبها فى مجلة ( الهلال ) بعدد يوليو سنة 1993 أى بعد رحيل حمدان بثلاثة أشهر فقط: ( أول مرة بدا لى جمال حمدان يشبه عودا من أعواد البردى، ممتدا فى استقامته، وطموح إلى أعلى، رشيقا بلطف، فوق رأسه تاج من الزهر المتوهج من شدة الذكاء، واستوقفتنى جبهته العريضة المفرطة كأنها جبهة عبدالوهاب، أو جبهة الموسيقار الألمانى النمساوى جوستاف ماهلر صاحب أغنية ( الأرض )، ولم أكن قد اكتشفت بعد أن جمال حمدان من عشاق الموسيقى والطرب، وكان يدندن بينه وبين نفسه أو مع خلصائه المقربين ألحان عبدالوهاب القديمة منذ الثلاثينيات وعبدالحليم الجديدة فى الستينيات، ولكننى أحسست موهبة جمال حمدان الموسيقية فى موسيقى أسلوبه، وليس غريبا بعد ذلك أن تجد فى كتاباته الجغرافية العلمية الرصينة تعبيرات موسيقية مثل ( ضبط إيقاع النهر ). ولست أظن أن عالما أو أديبا أو فنانا اجتمعت له مثل هذه المواهب السمعية والبصرية كما اجتمعت عند هذا العالم الأديب الفنان جمال حمدان).

وعن أول معرفة به يقول: فوجئت عام 1964 وأنا فى مجلة ( الهلال ) بخطاب ما زلت أذكر لونه كان فيه مقال مكتوب على ورق أزرق مثل خطابات الغرام أيام الصبا والشباب، وكان الموضوع سياسيا عن مشكلة قبرص، ولكنى وجدت أديبا، واكتشفت أن صاحب المقال له أسلوب مسبوك محبوك ينسجم فيه المعنى مع المبنى، وخطر لى أول الأمر أن صاحبه أديبنا الكبير يحيى حقى أستاذ البلاغة البحتة ومنقذ الأسلوب الأدبى من المبالغة والفضفضة والطرطشة، ولكن كان التوقيع: جمال حمدان.. رصانة فكرية، نفس هادئ عميق، جمال واضح أخاذ، استوقفنى كل ذلك، ولكن استهوانى أيضا الخط الجميل الذى كتب به جمال حمدان مقاله، واكتشفت أنه من سلالة نادرة من المثقفين ممن تخلصوا من ( أمية العين ) وتعشق أيضا الرسم والفنون التشكيلية، واكتشفت بعدها أنه يعلق فى بيته الصغير بعض لوحات الرسام ( ماتيس )، ولم أكن قد اكتشفت بعد أنه يرسم أغلفة كتبه ويرسم خرائطه ويكتب عناوين فصوله بخط يده. وعندى أن مصر عرفت بين المثقفين والفنانين عائلات بصرية وعائلات سمعية.. وجمال حمدان لم يكن أستاذا فى الجغرافيا ولكن كان من أصحاب الموهبة البصرية والذاكرة البصرية إلى جوار موهبته السمعية، وكانت عيونه هى عيون الرسام الذكية ( تحدق وتحلق ).

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق