رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المدخــل الجغرافى لفهم تاريخ مصــر

عاصم الدسوقى;

  • أخذنى لحجرة جلوس بها صالون قديم ولوحات فنية وترابيزة عليها نموذج للكرة الأرضية
  • أخبرنى عن ثلاثة كتب يستعد لإصدارها.. لكنها اختفت جميعا بعد وفاته




استنادا إلى الموقع الجغرافى ودوره فى التاريخ، قدم جمال حمدان تاريخ مصر من خلال ثلاثة مستويات وهي: مستوى الحضارة، ومستوى العمران، ومستوى الاقتصاد، كما يتضح من «موسوعة الشخصية المصرية».

بالنسبة للمستوى الحضارى فإن مراحله ما هى إلا النتيجة المتغيرة على مر العصور للشد والجذب بين قوتى العزلة الجغرافية والاحتكاك بالآخرين حيث تحولت مصر من مصنع للحضارة إلى مجرد متحف للحضارة حين بدأت تستورد من بلاد الحضارة الأوروبية. وهنا دخلت مصر فى عصر احتكاك حضارى خرجت منه بعملية امتزاج انتخابى أصبحت الشخصية المصرية بمقتضاه ذات طابع قومى دفين لم تفقد قوامها الأصيل.. تجمع بين الأصيل والدخيل، وبين القديم والجديد، وبين التقاليد والتقليد فى نسب متفاوتة.

أما مستوى العمران فإن دراسته تطلعنا على دورة حضارة أساسية تتوالى فيها على إيقاع النهر وضبطه. فالملاحظ أن مراحل ضبط النهر تنعكس على الوادى بالاتساع وغزو الصحراء وأراضى البور والبرارى والواحات، ويتمدد الغطاء السكانى إلى الأطراف والهوامش، وتزدهر الموانيء البحرية. أما حين يفشل ضبط النهر فهذا إيذان بالانكماش العمرانى، وغزو البحر والصحراء للمعمور. وفى هذا المستوى تم تثوير هندسة النهر للإفادة من مياهه بتقوية الجسور وشق الترع الجانبية وإقامة السدود وأبرزها بناء السد العالى الذى يعيد تشكيل الجغرافية الطبيعية المحلية.

أما فيما يتعلق بالمستوى الاقتصادى فقد لاحظ جمال حمدان ان الموقع الجغرافى لمصر رأسمال طبيعى وسياسى دفين، ومورد أصيل من موارد الثروة القومية. وقد بدأ يحتل مكانه فى الاقتصاد المصرى كرأسمال حقيقى مع اتساع نطاق تجارة المرور بين الشرق والغرب حيث تحولت منطقة العالم العربى إلى «خاصرة العالم القديم» تلقائيا. ومع تعرض المنطقة للأخطار الخارجية فى العصور الوسطى زمن الحروب الصليبية وانغلاق نافذة بلاد الشام على البحر المتوسط، احتكرت مصر كل التجارة من خلال البحر الأحمر احتكارا مطلقا. وأفاد المماليك من هذا الرخاء التجارى فى تراكم الثروة وشيوع الرخاء وازدهار العمارة والفنون. وباكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح أواخر القرن الخامس عشر انتهى هذا الدور القمى حيث تم استلاب موقع مصر الممتاز، وتركت قبوا مصمتا بعد أن كانت الممر التجارى العالمى بامتياز وكان هذا –فى رأيه- من الأسباب المباشرة لسقوط دولة المماليك فى قبضة العثمانيين، وبعدها بدأت فترة عزلة كانت مرادفا للتخلف الحضارى. ومع شق قناة السويس استعادت مصر مكانتها التجارية وإن أدت إلى زيادة المطامع الدولية كثيرا وتعدد أركانها مما كان سببا رئيسيا فى تأخير استقلال البلاد. وهذا هو الدور الأخير من أدوار تأثير الموقع الجغرافى.

ومن ناحية أخرى فإن الموقع الجغرافى يحدد عند جمال حمدان ملامح الشخصية المصرية فى مجمل أخلاقها وسلوكها.. فى الطغيان والاستبداد، وفى الدعة والخضوع، وفى القوة طلبا للنفوذ، وفى النفاق طلبا للبقاء، وفى العزلة طلبا للحماية، وفى السيطرة طلبا للمجد. ونهر النيل الذى بدأت على ضفافه حياة المصرى القديم هو مفتاح الشخصية المصرية ذلك أن ضبط النهر من طغيان فيضانه أنجب خصلة الطغيان فى الشخصية المصرية، إذ بغير ضبط النهر يتحول النيل النبيل إلى شلال جارف، وبغير ضبط الناس يتحول توزيع الماء إلى عملية دموية تسود فيها شريعة الغاب. ومن هذه البيئة النهرية الفيضية تبلور العقد الاجتماعى بين الحاكم الذى يملك الماء والمحكوم الذى يستفيد منه وقوامه «أعطنى أرضك وجهدك أعطك أنا مياهى». ومن هنا كانت الأوتوقراطية العارمة هى نظام الفرعونية الطبيعى، وإن كان هذا لا يعنى بداهة أن الحكم المطلق يقتصر على البيئة الفيضية ومجتمع النهر الهيدرولوجى فقط، ولكن يجعله أكثر يسرا وأقرب تحقيقا.

كما أن هذه الخصوصية الفيضية فى نظر جمال حمدان هى مفتاح التركيب الاجتماعى فى مصر القديمة والإدارة المركزية التى فرضت وجود موظفين لتنظيم التصرف فى المياه للرى، بحيث أصبحت مصر مجتمعا «حكوميا» تملك الحكومة فيه زمام المبادرة وإمكانات العمل.

هذه خلاصة المدخل الجغرافى لفهم تاريخ مصر الطويل وشخصية المصريين كما بلورها لنا جمال حمدان فى موسوعته الرائعة. وقد بلغ من فرط إيمانه بعبقرية المكان وإمكانات مصر الجغرافية أنه كتب قبل عدوان يونية 1967 ببضعة أشهر ثلاث مقالات فى جريدة الأهرام تحدث فيها عن كيفية مواجهة إسرائيل وتصفيتها عن طريق شطرها إلى نصفين عند الجزء الضيق القريب من القدس فيصبح شمالها منفصلا عن جنوبها فتسهل عملية التصفية تماما للشطرين. لكن الهزيمة قلبت حساباته رأسا على عقب وأصابته باكتئاب شديد وزادت من عزلته. فلما وقعت حرب أكتوبر وعبر الجيش المصرى قناة السويس وحطم خط بارليف استعاد ثقته بعبقرية المكان فكتب بعد عام تقريبا (1974) كتابه «6 أكتوبر والاستراتيجية العالمية» ليقول منتشيا بالانتصار إن تاريخ العالم ينقسم إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل أكتوبر 1973 ومرحلة ما بعده، وكان يتوقع أن مصر بعد الحرب والنصر ستصبح قوة رئيسية فى العالم.

على أن إشكالية المدخل الجغرافى لفهم التاريخ وتفسير وقائعه تبدو فى تقديرى فى الاحتكام إلى الثابت وهو الجغرافيا فى الحكم على المتغير وهو التاريخ وإهمال الفعل الإنسانى الذى يستطيع تطويع الجغرافيا وتسخيرها لخدمته حسب مقتضى الحال، وتلك هى قصة المجتمعات البشرية فى تطورها وتغيرها وتحولها من واقع التحدى للطبيعة.

 

 



الجوائز:

جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 1959م- مصر.

جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1986م- مصر

جائزة التقدم العلمي سنة 1992م – الكويت.

وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتاب "شخصية مصر" عام 1988م.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق