رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

شيخ المترجمين د.محمد عنانى لـ«الأهرام»: ويل لمن لا يعرف العربية!

أجرى الحوار ــ محمود القيعى
د. محمد عِنانى

  • طلابى ردوا اعتبارى بتقديرهم كتابى الأخير رغم وصف البعض له بالصعوبة
  • سمير سرحان بكى بعد سماعه هذه الآية!
  • أسأنا للتراث العربى بترجمة الشعر نثرا .. وشكسبير مادة غنية ممتعة ولكن

 

لا يزال المترجم الكبير د. محمد عِنانى قادرا على إثارة الدهشة فى نفوسنا، والفكر فى عقولنا، بما يقدمه من دراسات علمية متتابعة بوأته مكانا عليا فى عالم الترجمة، وبات عالما فيها لا يُباري.

د. عِنانى الذى يقف على مشارف الثمانين، فاجأ الوسط الثقافى والأكاديمى بكتاب جديد غير مسبوق فى بابه عن «ترجمة الأسلوب».. وهو الكتاب الذى أثار جدلا هائلا فى عالم الترجمة بين قوم تقبلوه بقبول حسن، وآخرين وصفوه بالصعوبة.

عنانى تحدث فى حواره للمرة الأولى عن أثر القرآن عليه، وكيف سحره منذ أن كان صبيا، الى أن بلغ من الكبر عتيا.

عن شئون الترجمة، وشجونها ، وعن كتابه الأخير «ترجمة الأسلوب» نسأل به خبيرا!

 

ما الذى أوحى إليك بفكرة كتابك الأخير « عن ترجمة الأسلوب» وهى فكرة تكاد تكون غير مسبوقة فى عالم الترجمة ؟

هو اتجاه دارسى علم اللغة منذ الثورة والتمرد على النحو التقليدي، يقوم على فكرة أن جميع اللغات تفترق فى بناء فكرى واحد، وأدى هذا الى اعتبار أى كلام «مكتوب» أو «منطوق» نصا، وقد أعجب النقاد العرب أيما إعجاب ــ للأسف ــ بفكرة النص .

علام الأسف ؟

لأن هذا أدى إلى مساواة النص الأدبى بالنص العلمى وبالنص التعبيرى وبالنص الإنشائي، هم لا يهتمون باللغة إلا من حيث إنها لغة فقط، وهذا أدى بالمترجمين الى اتباع أسلوب واحد فى ترجمتهم لجميع النصوص.

أحيانا بعضهم انتبه الى إدراك الفرق بين الشعر والنثر، لكن كل هذه المحاولات كانت مستبعدة من جانب علماء اللغة المحدثين.

علماء اللغة المحدثون أرادوا أن يطبقوا القواعد على أى نص دون مراعاة خصائص كل نوع.

وماذا حدث بعد ذلك؟

جاء أستاذان ألمانيان فى القرن العشرين فى أواخر الثمانينيات وتحديدا 1987، وأكدا أن علم اللغة لا يكفى وأن الأساليب أنواع، منها النص الإخبارى والنص التعبيرى والنص الإنشائي، ونص إقامة العلاقة «كلام لا يُقصد منه إنشاء فكرة بل محاولة إقامة جسور مع السامع حتى لا يفقده».

تطور هذا المبدأ فى نهاية القرن العشرين وخرج منه ما يعرف بالترجمة الوظيفية، وتم طرح السؤال: ما الغرض من الترجمة؟ وهل الغرض منها هو إيصال المعنى فقط؟ وهى بذلك ترجمة توصيلية ولا أهمية فيها للأسلوب، أما إن كانت ترجمة كاملة دلالية، فلابد من إظهار خصائص الاسلوب الأصلى للترجمة.

وهذا ما كان واقعا بالفعل فى اللغات الأوروبية، لم يحاول أحد فى أوروبا ترجمة الشعر نثرا، حتى قبل تكوين النظرية الحديثة فى القرن الحادى والعشرين، حافظوا على نوع الأسلوب المستخدم.

كيف كان موقفنا نحن العرب؟

بكل أسف يندر من بيننا من يترجم الشعر شعرا، بعد الجيل الأول: المازنى والعقاد، وشكرى وخليل مطران وعلى محمود طه، وجماعة أبولو يترجمون الشعر شعرا، وبعد الحرب العالمية الثانية استسهل العرب النثر، وترجموا الشعر نثرا، وأدى شيوع الترجمات المنثورة للشعر الى محاكاتها بالعربية بكتابة شعر منثور، وتوهم البعض أن الشعر نثر.

نحن بترجمة الشعر نثرا أسأنا للتراث العربي، وقد كان د. يوسف خليف رحمة الله عليه، ينعى اقتصار بعض الشعراء المحدثين على بحر أو بحرين من البحور الصافية على حد تعبير نازك الملائكة .

حز فى قلبى أن الجيل الأول من شعراء الإحياء: البارودى وحافظ وشوقى ومطران، ومن حاكاهم أنهم كانوا جنودا «شاكية السلاح» يدافعون عن موسيقى العربية البديعة، ولم يأت بعدهم من يحمل الراية، وكأننا حكمنا على تراثنا بالإعدام ، بتجاهلنا له و بكل ما فيه من قيم فنية وخلقية رفيعة، بل إن بعضنا لا يذكر التراث إلا من باب التندر!

حز فى نفسى ذلك الأمر، وعزمت على أن أبين أن النثر الفنى له أساليب وله طرائق فى الترجمة تختلف عن طرائق الحوار فى المسرح الشعرى اختلافا كبيرا.

وأتيت بنماذج لشوقى فى محاكاته لشكسبير وقد حافظ على إطار اللغة العربية الرصينة .

الآن يندر أن تجد من يترجم الشعر نظما، وأنا عندما أرى الدواوين التى تصدرها الهيئة العامة للكتاب وهى الهيئة الرسمية للدولة، أجد أنه من بين 18 إصدارا، لا يوجد إلا ديوانان بالفصحى المعاصرة، والباقى إما بالعامية أو بالنثر !

وأنا أقاوم هذا الاتجاه الغريب بالإنتاج، لكى يجد الناس بديلا.

أهديتَ كتابك لكل من د. شكرى عياد ود. مجدى وهبة.. ما الدلالة؟

د. شكرى عياد كان يقول لنا التحدى الأكبر للمترجم أن ينقل أسلوب الكاتب، عادة المترجم لا يكترث بأسلوب الكاتب ولا يلقى له بالا، المهم عندهم هو المعني.

وهذا ما يسمى فى علم دراسات الترجمة الجديد بـ«المنهج التوصيلي»، وهو توصيل الفكرة بغض النظر عن نوع الأسلوب.

أما فى الأدب فيأتى ما يسمى بالأسلوب التعبيرى أو الأسلوب الأدبي، فالمترجم مطالب بأن يعطى القارئ إحساسا بنوع العمل الأدبى الذى يتصدى له، سواء كان شعرا أو دراما أو حوارا أو مسرحا شعريا، خاطرة .. إلخ .

وكان شكرى عياد يقول لنا فى مرحلة الليسانس عن ترجمة الأسلوب: لاحقا ستدركون أهمية ترجمة الأسلوب، أنتم ما زلتم صغارا !

ظلت هذه الفكرة تمثل تحديا لى على مر السنين، إلى أن أنجزتها أخيرا.

هل يمكننا القول إن كتابك الأخير بمثابة إعادة اعتبار للأساليب العربية ؟

طبعا، وفى الوقت نفسه هو دعوة للمترجمين ألا يستسهلوا إن كانوا يريدون الترجمة نثرا، فلديهم جبال من الكتب المنثورة يمكنهم أن يصولوا فيها ويجولوا.

أرى أن الشاعر لا يترجمه إلا شاعر، ولا يهم أن يكون شاعرا من الطبقة الأولي.

بعض الأشعار يرجع جمالها الى جرسها الموسيقي، فإذا ألغيناه أصبحت الفكرة عادية ولا جمال فيها.

هناك من يصف الكتاب بالصعوبة؟

كتبته للمترجم المحترف أو الطامح فى أن يكون مترجما محترفا، والذى أفترض فيه معرفة باللغة الأجنبية أعلى من معرفة القارئ العادي، هم يجدون صعوبة فى المصطلحات، وأنا فعلت هذا فى كتابى «المصطلحات الأدبية» وشرحتها بلسان عربى مبين، لكنه كان معجما، أنا الآن لا أقدم معجما، أنا أقدم ما هى الأنواع الأساليب وما طرائق ترجمة كل منها، من العربية ومن الإنجليزية.

والحمد لله، طلابى فى جامعة القاهرة تقبلوا كتابى بقبول حسن، وقد أقبلوا عليه، وأدركوا نفعه وفائدته العلمية، وهذا رد لى بعض ما عانيته مما قيل من صعوبة عن كتابي.

ما الجديد الذى قدمته فى كتاب «ترجمة الأساليب» وهل هو باب جديد فتحته؟

نعم، هو باب جديد فتحته فى دراسات الترجمة غير مسبوق، وإن كان بعض الدارسين فى الغرب يتناولونه ولكن لا يولونه ما يستحقه من أهمية، لأن لغاتهم متشابهة.

البناء الفكرى للغة فى أوروبا يكاد يكون واحدا، أما البناء الفكرى للعربية، فمختلف تماما بسبب اختلاف ثقافتنا وتنوعها.

لهذا السبب أعتبر هذا الكتاب الذى يتناول المضاهاة بين الأساليب العربية والإنجليزية جديدا فى بابه ولم يسبقه ـ حسب علمى أحد .

ألم تقع فى أسر الولع بالأساليب العربية وأنت المفتون بها، وابتعدت عن الموضوعية؟

على الإطلاق، أنا أيضا أحب الأساليب الإنجليزية، وأحفظ من الشعر الإنجليزى ما يوازى تقريبا ما أحفظه من الشعر العربي، ولكن يمكن أن أقول أيضا: القلب وما يهوي!

ما سر ولعك بالعربية أكثر من الإنجليزية ؟

ما أريد أن أؤكده أن لغتنا العربية نعمة من عند الله، ويا ويله لمن لا يعرف العربية!

وهناك كتابان أقع دائما فى أسرهما : القرآن والمتنبي.

وأذكر أننى قرأت على سمير سرحان ذات مرة قوله تعالى «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.. نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء».

فما كان من سمير سرحان إلا أن بكي، وأردف:

«إيه الكلام الحلو ده»!

وأريد أن أذكر أن القرآن هو الملجأ الأول والأخير بالنسبة لى ولغيرى من دارسى اللغات الأجنبية الطامحين إلى إجادة العربية.

وقد فتنت بالقرآن منذ أن كنت صبيا، حفظت أكثره فى الكتاب .

وهناك كتابان إذا فتحت أحدهما للنظر فى مسألة، لا أستطيع أن أغلقهما حتى بعد حصولى على المعلومة، وأواصل القراءة فيهما، وهما: القرآن الكريم، وديوان المتنبى .

وماذا عن شكسبير؟

شكسبير بلا شك مادة غزيرة ممتعة تضارع المتنبي، ولكنه يمثل لى عالما غريبا عن عالمي، أما المتنبى فتجده فى كل خطوة تخطوها حتى تكاد تحس أنه يعيش بين ظهرانينا، وانظر واستمتع مثلا إلى قوله:

نعد المشرفية والعوالي

وتقتلنا المنون بلا قتالِ

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق