رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معضلة التعامل مع «كورونا»

هناء دكرورى

  • الصين وإعادة تشكيل النظام العالمى

 

لا يمكن لأحد حتى الآن أن يحدد ما هو الأسلوب الأمثل فى التعامل مع وباء كورونا، حيث إن الكثير من الغموض مازال يكتنف ذلك الفيروس المستجد، ولكن ما يتم تقييمه فى الوقت الراهن من قبل بعض الخبراء والمحللين هو طريقة وسرعة استجابة مختلف الدول، والتنبؤ بما ستكون نتيجتها على المستقبل السياسى والاقتصادى للدولة، ليس فقط على المستوى الداخلى بل على المستوى العالمي. وفى هذا الإطار نشرت مجلة «فورين آفيرز» الأمريكية، مقالين تناول البروفيسور مارك بليث، أستاذ الاقتصاد السياسى البريطاني، فى

أحدهما التعقيدات الكبيرة التى يواجهها الاقتصاد الأمريكى فى ظل تفشى الوباء وفرضه ضغوطا كبيرة على النظام الصحى ، مما يجعل الخيارات محدودة أمام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومستشاريه الاقتصاديين. أما فى المقال الثاني، فيوضح كل من «رش دوشي» خبير السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز، و«كيرت كامبل» الدبلوماسى الأمريكى السابق والخبير فى الشئون الآسيوية، كيف نجحت الصين فى تحويل الجائحة إلى فرصة، رغم اخطائها فى استجابتها الأولية، للترويج لتفوقها والسعى للفوز بقيادة العالم فى المرحلة المقبلة.

 

فى حين أن العواقب الجيوسياسية لفيروس كورونا المستجد تأتى فى المرتبة الثانية بعد التأثيرات على الصحة و السلامة،إلا أن تلك العواقب قد يكون لها مردود على المدى البعيد خاصة فيما يتعلق بوضع الولايات المتحدة الأمريكية على المسرح العالمي.

فلدى النظام العالمى نزعة للتغيير التدريجى فى البداية ثم التغيير الكلى فجأة.ففى عام 1956،على سبيل المثال، كشف «التدخل الفاشل» خلال العدوان الثلاثى على السويس عن اضمحلال النفوذ البريطانى وكان بمثابة «نهاية سيطرة المملكة المتحدة كقوة عالمية».

واليوم،يجب أن يدرك صانعو القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية أنه إذا لم تستطع الولايات المتحدة أن تكون على قدر المسئولية فى تلك اللحظة الحاسمة التى يواجهها العالم،سيكون وباء كورونا بمثابة «لحظة سويس أخري». لقد اتضح للجميع،حتى من كانوا يضعون على أعينهم غمامة،أن واشنطن فشلت فى رد فعلها المبدئى إزاء تفشى الفيروس.فقد تسببت الأخطاء التى ارتكبتها المؤسسات الرئيسية الأمريكية،من البيت الأبيض إلى إدارة الأمن الداخلى ومراكز السيطرة والوقاية من الأمراض،فى تقويض الثقة فى قدرة وكفاءة الإدارة الأمريكية. كما أدت تصريحات الرئيس دونالد ترامب إلى زرع الارتباك والشك.وثبت أن القطاعين العام والخاص غير مؤهلين لإنتاج وتوزيع الأدوات اللازمة لإجراء الاختبارات والتصدى للفيروس.وعلى المستوى الدولي،ضخم الوباء من ميل ترامب الغريزى للتصرف بمفرده وكشف عن حجم عدم استعداد واشنطن لقيادة استجابة العالم للتصدى للفيروس. فمكانة الولايات المتحدة كـ «زعيم عالمي» خلال العقود السبعة الماضية لم تبن على الثروة والنفوذ فقط ولكن،وبنفس الأهمية،على الشرعية التى تتدفق من الحوكمة المحلية الأمريكية،وتوفير المنافع العامة العالمية،والقدرة والاستعداد لحشد وتنسيق الاستجابة العالمية للأزمات.والآن يضع الوباء «الزعامة الأمريكية» قيد الاختبار وقد فشلت فيه حتى الآن.

وفى الوقت الذى تتعثر فيه الولايات المتحدة،تتحرك بكين بسرعة وببراعة للاستفادة من الفرصة التى أتاحتها أخطاء الولايات المتحدة،وتحاول ملء الفراغ لتصبح «قائدة الاستجابة العالمية» للوباء.تعمل الصين على الترويج لنظامها وتقديم المساعدات المادية للدول الأخري.

ورغم كل ذلك،من الصعب المبالغة فى الخطى الهائلة لتحرك الصين.

فقد كانت أخطاء بكين ،خاصة فيما يتعلق بمحاولاتها فى البداية للتستر على حجم انتشار وشدة الفيروس،السبب فى إيجاد الأزمة التى أصابت معظم العالم الآن.ومع ذلك تفهم بكين انه إذا تم النظر إليها بوصفها قائدة،ولواشنطن بوصفها غير قادرة وغير مستعدة للقيام بذلك الدور، فإن ذلك التصور قد يغير بشكل أساسى وضع الولايات المتحدة فى السياسة العالمية و فى المنافسة على الزعامة فى القرن الحادى والعشرين.

تشيرنوبل الصين!

فور تفشى فيروس كورونا المستجد،ألقت الأخطاء التى ارتكبها المسئولون الصينيون بظلالها على مكانة الصين على المسرح العالمي. اكتشف الفيروس لأول مرة فى مدينة ووهان فى نوفمبر 2019 ولكن المسئولين أحجموا عن الكشف عن وجوده لشهور، بل و عاقبوا الأطباء الذين أبلغوا عنه مما أهدر وقتا ثمينا وأدى إلى التأخر،لمدة خمسة أسابيع، فى اتخاذ إجراءات كان من شأنها تحذير المواطنين وتوجيههم،ووقف الطيران،وتوسيع نطاق الاختبارات للكشف عن الفيروس.وحتى بعد ظهور الحجم الكامل للأزمة سيطرت بكين بصورة مشددة على المعلومات،ونبذت المساعدة من مراكز الوقاية من الأمراض،وفرضت قيودا على توجه مسئولى منظمة الصحة العالمية إلى ووهان، وربما قللت من نسبة الإصابات والوفيات،وغيرت مرارا وتكرارا معايير تسجيل حالات، كوفيد 19،ربما فى محاولة مقصودة للتلاعب بالأعداد الرسمية للحالات.

ومع تدهور الأزمة خلال شهرى يناير وفبراير، تنبأ بعض المراقبين بأن أزمة كورونا قد تؤدى إلى تقويض قيادة الحزب الشيوعى الصيني.ووصفت الأزمة بأنها قد تكون «تشيرنوبل الصين».

ومع ذلك ومع حلول شهر مارس، أعلنت الصين انتصارها.وأرجع المراقبون أسباب ذلك الانتصار إلى العزل الصحى الجماعى ووقف الطيران والإغلاق الكامل.وسجلت الإحصائيات الرسمية انخفاض الأعداد اليومية لحالات الإصابة بحلول منتصف شهر مارس. وفى مفاجأة لمعظم المراقبين،بدأ الرئيس الصينى الذى ظل هادئا على غير العادة خلال الأسابيع الأولى يضع نفسه فى مركز الاستجابة،بل وزار مدينة ووهان.

ورغم أن الحياة لم تعد إلى طبيعتها فى الصين بعد،ورغم استمرار التساؤلات حول مدى دقة الإحصائيات الصينية،تعمل الصين حاليا على تحويل تلك العلامات المبكرة على النجاح إلى «قصة كبري» تروجها فى باقى العالم..قصة تجعل من الصين لاعبا أساسيا فى عملية التعافى العالمية المقبلة،مع محاولة تجاوز وإغفال سوء إدارتها فى التعامل مع الأزمة فى البداية..

ويكمن الجزء المهم من تلك القصة فى النجاح المفترض لبكين فى محاربة الفيروس.ويشهد تدفق سيل من المقالات الدعائية والتغريدات والرسائل العامة بمختلف اللغات بإنجازات الصين ويسلط الضوء على مدى فعالية نموذجها فى الحكم المحلي.

وصرح المتحدث باسم الخارجية الصينية بأن « قوة الصين الخاصة، وفعاليتها وسرعتها فى هذه المعركة،حظيت بتقدير واسع «وأضاف» وضعت الصين معيارا جديدا للجهود العالمية فى مكافحة الوباء» .

وللتخلص من أى روايات قد تناقض تلك القصة، فرضت السلطات المركزية فى الصين رقابة وضوابط صارمة على أجهزة الدولة.

ومما يساعد على نشر تلك الرسائل الإيجابية أكثر هو ذلك التناقض الواضح بين جهود الصين وجهود الغرب فى محاربة الفيروس ، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أدى فشل واشنطن فى توفير الكميات المناسبة من أنظمة الاختبار(ما يعنى أن الولايات المتحدة لم تجر اختبارات كافية على المواطنين)، واستمرار إدارة ترامب فى تفكيك البنية التحتية لاستجابة الحكومة الأمريكية للوباء،استغلت بكين الفرصة التى أتاحها التشتت الأمريكى للترويج لقصة نجاحها.ودأبت وسائل الإعلام الحكومية الصينية والدبلوماسيون الصينيون على تذكير العالم بتفوق الجهود الصينية مع انتقاد «عدم مسئولية وعدم كفاءة» ما يطلق عليها النخبة السياسية فى واشنطن.

الصين تصنع والعالم يأخذ

يدرك الرئيس الصينى أن توفير السلع العالمية يمكن أن يصقل أوراق اعتماد الصين كـ «زعيم عالمي»، وأمضى السنوات الماضية فى دفع مسئولى العلاقات الخارجية الصينية للتفكير بجدية أكبر فى قيادة الإصلاح لنظام الحوكمة العالمي. ويقدم وباء كورونا فرصة لتطبيق تلك النظرية.فلنأخذ على سبيل المثال ما تقدمه الصين من مساعدات مادية (مصحوبة بدعاية جيدة) من كمامات وأجهزة تنفس وأدوية.ففى بداية الأزمة كانت الصين تشترى وتنتج وتتلقى كمساعدات كميات هائلة من هذه السلع.والآن هى فى وضع يسمح لها بتقديمها للآخرين.

وفى حين لم تستجب أى دولة أوروبية لحاجة إيطاليا الضرورية للمعدات الطبية وأدوات الحماية،اعلنت الصين التزامها بإرسال ألف جهاز تنفسى ومليونى كمامة و20 ألف سترة طبية و50 ألف اختبار. كما أرسلت فرقا طبية و250 ألف كمامة لإيران،وإمدادات لصربيا.

وتتعزز ميزة الصين فى المساعدات المادية من خلال حقيقة بسيطة وهى أن «كل ما تعتمد عليه دول العالم فى محاربة وباء كورونا قد صنع فى الصين»!فالصين بالفعل كانت أكبر منتج للكمامات الطبية،والآن ومن خلال التعبئة الصناعية (كما فى أوقات الحرب) زاد إنتاج الصين من الكمامات عشرة أضعاف مما منحها القدرة على توفيرها للعالم.كما أنه بفضل أن الصين تنتج ما يقرب من نصف أجهزة التنفس،المهمة لحماية العاملين فى المجال الصحي(حيث أجبرت المصانع الأجنبية العاملة فى الصين على إنتاج تلك الأجهزة ثم بيعها للحكومة الصينية)،أصبح لدى بكين أداة سياسة خارجية فى صورة معدات طبية.فى الوقت نفسه،اكتسبت المضادات الحيوية أهمية قصوى لمعالجة الالتهابات الثانوية الناجمة عن الإصابة بـ «كوفيد ـ 19» والصين تنتج الغالبية العظمى من المكونات الصيدلانية النشيطة الضرورية لصناعة تلك المضادات. وفى المقابل،تفتقر الولايات المتحدة للامدادات وللقدرة على تلبية مطالبها،ناهيك عن تقديم المساعدة لمناطق الأزمات فى أماكن أخرى من العالم.

وتبدو الصورة قاتمة،فالمخزون الاستراتيجى الوطنى الأمريكي،أى احتياطى البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة،يعتقد أن به واحدا فى المائة فقط من الكمامات وأجهزة التنفس وربما عشرة فى المائة من أجهزة التهوية اللازمة للتعامل مع الوباء.ويتعين توفير الباقى من خلال الواردات من الصين أو زيادة التصنيع المحلى بسرعة.وبالمثل،تبلغ حصة الصين فى سوق المضادات الحيوية الأمريكية أكثر من 95%،وأغلب المكونات لا يمكن تصنيعها محليا. ورغم أن واشنطن عرضت تقديم المساعدة للصين ودول أخرى فى بداية الأزمة إلا انها غير قادرة على فعل ذلك الآن، بسبب تزايد احتياجاتها،أما بكين فتعرض تقديم المساعدات فى وقت يكون فيه العالم فى أمس الحاجة لتلك المساعدات. ولكن لا تتعلق الاستجابة للأزمات بالسلع المادية فقط.ففى خلال أزمة الإيبولا 2014-2015 قادت الولايات المتحدة تحالفا من عشرات الدول لوقف انتشار المرض.ولكن فى الوقت الراهن، تجنبت إدارة الرئيس ترامب القيام بدور قيادى مماثل للتصدى لفيروس كورونا،ولا يوجد حتى تنسيق مع الحلفاء.فعلى سبيل المثال لم تعط واشنطن حلفاءها الأوروبيين إشعارا مسبقا قبل فرض الحظر على السفر من أوروبا. وعلى النقيض،حرصت الصين على القيام بحملة دبلوماسية قوية لعقد مؤتمرات عبر الفيديو بمشاركة عشرات الدول ومئات المسئولين لتبادل المعلومات حول الوباء والدروس المستفادة من تجربة الصين فى مكافحة الفيروس.

كيف تقود؟

تعد الميزة الرئيسية للصين فى مسعاها للفوز بالزعامة العالمية،سواء خلال التصدى لكورونا أو بشكل عام،هو قصور السياسة الأمريكية وانكفاؤها للداخل.وبالتالى نجاح مسعى الصين للفوز بالزعامة يعتمد بقدر كبير على ما يحدث فى واشنطن كما على ما يحدث فى بكين.

فى الأزمة الراهنة،مازالت واشنطن تستطيع تغيير المد لصالحها إذا اثبتت أنها قادرة على القيام بما هو متوقع من الزعيم:إدارة المشكلة فى الداخل وتقديم الإمدادات من السلع العالمية وتنسيق الاستجابة الدولية. وتعد أولى تلك المهام ـ وقف انتشار الفيروس وحماية المواطنين الضعفاء فى الولايات المتحدة الأكثر إلحاحا وهى إلى حد كبير مسألة إدارة محلية أكثر من كونها جيوسياسية.ولكن كيفية قيام واشنطن بذلك سيكون له تأثير جيوسياسي، فما ستفعله أو لا تفعله سيعيد الثقة فى الاستجابة الأمريكية.على سبيل المثال،إذا قامت الحكومة الفيدرالية على الفور بمساندة وتقديم الدعم فى التوسع فى الإنتاج المحلى للكمامات وأجهزة التنفس وأجهزة التهوية فان ذلك من شأنه إنقاذ حياة الأمريكيين ومساعدة دول أخرى حول العالم. عن طريق الحد من ندرة توافرالإمدادات العالمية.

حيث تستطيع الحكومة الأمريكية تقديم المعونة عن طريق تقديم حوافز للمعامل والشركات الأمريكية لإجراء «مشروع مانهاتن الطبي»من أجل التوصل للقاح وسرعة اختباره سريريا وإنتاجه على نطاق واسع.

كما ستتطلب الزعامة أيضا التعاون الفعال مع الصين بدلا من الانغماس فى الحرب الكلأمية حول من كانت استجابته أفضل.

وهناك الكثير الذى تستطيع كل من واشنطن وبكين القيام به معا من أجل الفائدة العامة للعالم:تنسيق الأبحاث الخاصة بإيجاد لقاح والاختبارات السريرية.

فى نهاية المطاف قد يكون وباء كورونا نداء تنبيه يحفز على التقدم فى تحديات عالمية أخري،مثل تغييرات المناخ، تتطلب تعاونا أمريكيا صينيا. ومثل هذه الخطوة يجب ألا ينظر إليها على انها بمثابة تنازل أمام النفوذ الصيني، ولكنها ستؤدى إلى استعادة الثقة فى مستقبل زعامة الولايات المتحدة.ففى الأزمة الحالية، كما فى القضايا الجيوسياسية بوجه عام.تستطيع الولايات المتحدة أن تحسن صنعا عن طريق فعل الخير.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق