رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إستراتيجيات متطورة لمواجهة الحرب الإلكترونية

فاطمة محمود مهدى
الحرب السيبرانية تهدد الأمن القومى واقتصاد دول العالم

الحرب الإلكترونية (الحرب السيبرانية ) ، تخوضها دول العالم بشكل غير معلن منذ سنوات ،وفى إطارسباق التسلح الذى تسعى الدول الكبرى لكى تتصدر المراكز الأولى فيه ،تتدافع الحكومات لوضع إستراتيجيات لمكافحة التجسس ،وامتلاك أدوات دفاعية لحماية بنيتها المعلوماتية فى جميع المجالات ،وهو ما يستلزم وجود تكامل بين متطلبات الأمن والتنمية والتقدم العلمى. ولقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية مكافحة التجسس 2020-2022، وأولتها أهمية قصوى، وركزت فيها على عدة محاور رئيسية لحماية البنية التحتية الحيوية ،ومواجهة التجسس الذى يهدد أمنها القومى واقتصادها .

وهناك دول بعينها تتصدر المشهد فى الحرب الإلكترونية،إلى جانب الولايات المتحدة، منها الصين وروسيا اللتان تعتبرهما أمريكا الخطر الأكبر على مصالحها ،على أساس أن روسيا تقوم بأعمال عدوانية تحرض علي اشعال التوترات ،والصين تحاول سرقة التكنولوجيا لتتفوق عسكريا واقتصاديا .هذا بخلاف المنظمات الإرهابية وأعمالها التخريبية . و أوضحت وثائق ويكيليكس ان أمريكا لديها ترسانة قوية ومتطورة من أدوات التجسس ،تعمل بسرية كاملة  طبقا لنظام مؤسسي يضمن ادارتها وتطويرها ،ويعتمد على التنصت والهجمات المضللة والاختراق دون اتصال، والتحكم فى نظم التشغيل وبرمجيات التحكم بالتوجيه، وزراعة الفيروسات.وبالرغم من كونها تمتلك أكبر منظومة عمليات تجسس بمختلف أنواعها وأشكالها مما يمثل جيوشا للتجسس الإلكترونى، إلا انها تتعرض لهجمات إلكترونية من خلال متسللين، وهم مجموعات القرصنة السيبرانية المدعومة من الدول وتقوم بحروب الكترونية لمصلحة الدول التى تعانى حصاريا اقتصاديا وسياسيا مثل كوريا الشمالية وإيران وغيرها من الدول.

وتقوم هذه المجموعات بعملها وفق استراتيجيات طويلة الأمد حيت تتسلل إلى الشبكات الرئيسية الحيوية مثل الطاقة والصحة ،وتجمع المعلومات والبيانات وتتعرف على امكانات الدول المستهدفة ،وتدعم بها الدول الممولة.

وفى إطار كون الدفاع الإلكترونى محورا رئيسيا من محاور الدفاع الوطنى لكل دول العالم ، وقع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة التجسس الجديدة ،التى تمثل تحولا فى تحديد التهديدات الاستخباراتية الخارجية ،وتعتمد على عدة اتجاهات تصنيف مصادر التهديدات ،سواء كانت دولا  مثل الصين وروسيا وكوبا وكوريا الشمالية وإيران ،أو جهات مثل حزب الله اللبناني والقاعدة وداعش ،وكذلك تصنيف مدى تطور قدرات وتقنيات هذه الجهات من حيث امتلاكها برمجيات متطورة ،ومعدات مراقبة عالية الدقة ،ومعدات متقدمة فى مجال التشفير أو تحليل البيانات .وكذلك تحديد قدرة هذه الجهات على استخدام تقنياتها ضد مجموعة موسعة من الأهداف ، على اعتبار أن الوكالات الفيدرالية الأمريكية تعد هدفا رئيسيا للجهات الاستخباراتية الأجنبية،إلي جانب بعض المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص التى تؤثر فى الرأي العام الأمريكي.

وترى الولايات المتحدة أن تطبيق هذه الإستراتيجية يحتاج تكاتفا مجتمعيا كاملا ،لأنه مع ازدياد معدل التهديدات والضربات لم تعد الحكومة قادرة علي هذه المشكلة لوحدها،حيث ركزت الإستراتيجية على ان هناك خمسة قطاعات رئيسية تستهدفها ضربات الحرب الإلكترونية ،البنية التحتية الحيوية، وسلاسل التموين الأمريكية، والاقتصاد الأمريكى ،والمؤسسات الديمقراطية ،والعمليات التقنية والإلكترونية.

وأعدت خططا للمواجهة تختلف عن الإستراتيجية السابقة التى كانت تعتمد على تصنيف التهديدات طبقا للدول التى تمثل خطورة أكبر على المصالح الأمريكية ،ولكن الإستراتيجية الجديدة سوف تعتمد على الشراكة بين الحكومة والوكالات الفيدرالية وإدارات الولايات والقطاع الخاص ، لمواجهة محاولات الاختراق والهجمات الإلكترونية ،ووضع خطط لأفضل الوسائل الأمنية لمكافحتها،والتصدى لأى محاولات أجنبية يمكن أن تضر بالمصالح الأمريكية فى الداخل أو الخارج من خلال هجمات الهاكرز ،ومكافحة تجسس الشركات وسرقة الأسرار التجارية لحماية الميزة التنافسية للاقتصاد ،والتركيز على التصدى للهجمات التي تتعلق بسلامة المنتجات والخدمات التى تهدد عمل القطاعين العام والخاص،وكذلك الدفاع عن أمريكا ضد التأثيرالأجنبى الذى يضر بثقافة الديمقراطية ويؤثر على الرأي العام للشعب الأمريكي.

وما قامت به أمريكا يأتى فى إطار سعى حكومات الدول لتطوير منهجها فى سياسة الدفاع الإلكترونى،وفرض سيطرتها فى الفضاء الإلكترونى ،للحد من الهجمات الخارجية وتدفق المعلومات والبيانات التى يهدد أمنها ومصالحها.فالوحدات الإلكترونية داخل أجهزة الإستخبارات ،واستغلالها فى اغراض التجسس،أصبح أمرا حتميا .وتعد الصين وروسيا وايران وكوريا الشمالية من أقوي وأنشط القوى الإلكترونية التى لها صلة بالتجسس إلى جانب أمريكا.

ونشرت وكالة بلومبرج ،أن الجيش الأمريكى يخطط لنشر قوة عمل متخصصة فى المحيط الهادى للقيام بعمليات إلكترونية وصاروخية ،وأن خطة نشر المهمة ستعزز باتفاقية مع مكتب الاستطلاع الوطنى الذى يطور ويدير أقمار التجسس الأمريكية ، وهو ما يعتبره الخبراء تهديدا للصين وروسيا.وشكل الجيش الروسي قوة مكلفة بحرب المعلومات ،كما صرح وزير الدفاع الروسي سيرجى شويجو، وذلك لمواجهة الأخبار الكاذبة التى تتهم روسيا بشن هجمات إلكترونية لتهديد استقرار الدول والتأثير على الحملات الانتخابية التى تجرى فى الدول الأخرى.كما أنشأت الصين الوحدات الإلكترونية المتخصصة فى تكنولوجيا المعلومات، لمواجهة التهديدات الإلكترونية ،ولقد تضاعف عدد الشركات الصينية المهتمة بهذا المجال مما عزز وجودها فى شبكات الاتصال من الجيل الخامس .

أما إيران المشتبه دائما بقيامها بهجمات إلكترونية من خلال قراصنة مدربين ،فتؤكد وزارة الداخلية الأمريكية انها تمتلك برامج رقمية متقدمة تمكنها من تنفيذ اختراقات فى الفضاء الإلكترونى ،كما تعد الوحدة 8200 فى الجيش الإسرائيلى من أكثر الوحدات الإلكترونية تطورا من الناحية التقنية فى مجال عمليات الدفاع أو الهجوم غى الفضاء الإلكترونى.وعلى نفس الصعيد، اتفق وزراء دفاع 25 دولة فى الاتحاد الأوروبي على إنشاء مدرسة استخبارات مشتركة كجزء من التحالف العسكري ،بهدف إنشاء قوة حربية إلكترونية أوروبية مشتركة قادرة على شن حرب إلكترونية.

وهناك بعض الأمثلة لحوادث التجسس الإلكترونى ،حيث كشف تقريرلشركة الأمن الإلكترونى (FireEye) ان هناك مجموعة تسمي APT41استهدفت 14دولة على مدار 7سنوات،وهي مجموعة صينية تعمل لمصلحة الدول والأشخاص ،وتستخدم برامح خبيثةغير متوافرة على شبكات القرصنة.. وفى فضيحة من العيار الثقيل لوكالة الأمن الوطني الأمريكى تم نشر عن طريق الخطأ بيانات شخصية وآراء سياسية نحو 200مليون مواطن أمريكى على يد شركة تسويق متعاقدة مع اللجنة الوطنية.وهناك ايضا مجموعة تدعى سترونتيوم قامت بالعديد من الهجمات الالكترونية ،واستهدفت حسابات104 موظفين فى عدة دول أوروبية. وهناك قضية المترجم الألمانى من أصل أفغانى المتهم بالتجسس الإلكتروني لمصلحة ايران ومقبوض عليه فى المانيا ،وكذلك  اتهام شركة برمجيات إسرائيلية فى عمليات تجسس على كيانات أمريكية .كما يؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكي أن هناك نحو 1000تقرير حول محاولات سرقة الصين للتكنولوجيا الأمريكية ،وانه تم القبض على نحو43 شخصا منذ العام الماضى وحتى الآن بسبب تلك الجريمة .

وجدير بالذكر أن تنافس الدول على وضع استراتيجيات للدفاع الإلكترونى ،يوضح مدى حدة المواجهات بينهم فى الفضاء الإلكترونى،ومدى خطورته على الأمن القومي للدول ،وحرصها على توفير سبل ردع للهجمات المعلوماتية .والواضح أن الدول الأكثر امتلاكا للقدرات التقنية فى مجال شن الهجمات هى الدول الأكثر حرصا على إنشاء منظومة دفاع يصعب اختراقها،وان مجال الاستخبارات أصبح يعتمد على الوحدات الرقمية فى تنمية قدراته وتوسيع نشاطه ،وتعزيز سرية المعلومات والبيانات سواء شخصية أو حكومية،من أجل الفوزفى حروب الفضاء الإلكترونى المستقبلية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق