أخطر ما تتعرض له القضية الفلسطينية نتيجة لتداعيات فيروس«كورونا »هو تغييبها عن دائرة الاهتمام، على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، فليس ثمة حديث عن المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى - رغم إغلاقه وتعليق الصلاة به مؤقتا - من قبل عتاة المستوطنين تحت قوات الاحتلال، وانتهاكات سلطاته التى لم تتوقف يوما، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.ومن ثم بات الفلسطينيون بعد غزوة »كورونا« فى مواجهة مع هذا الوباء،الذى فاجأ البشرية فى أنحاء المعمورة، ومع الاحتلال الذى أخذ يستغل انشغالهم، لفرض معادلته التى تخصم من رصيد حقوقهم الوطنية، إن لم تهدرها تماما، مستقويا فى ذلك بخطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسلام، التى أعلنها فى 28 يناير المنصرم .
وتجلى ذلك بوضوح فى إقدام رئيس كتلة الليكود البرلمانية عضو الكنسيت »ميكى زوهر« على التقدم بمشروع قانون لضم غور الأردن وشمال البحر البحر الميت إلى قبضة سلطة الاحتلال رسميا، فضلا عن مشروع قانون آخر بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين ،والذى يمنح الاحتلال تصريحا رسميا بقتل الأسرى القابعين فى سجونه .
ومع إدراكهم كل هذه المخاطر، فإن الفلسطينيين تكاتفوا للتعاطى بفعالية مع «كورونا » من خلال خطة طوارئ محكمة، مما أدى إلى حصره فى أضيق نطاق على الرغم من محدودية الإمكانات - وفق تأكيدات الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى امتدت جهوده إلى المستوى العالمى من خلال مقترحه الذى بعث به إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش اقترح فيها تطوير آلية دولية منسقة من خبراء من مختلف التخصصات لبحث أزمة هذا الفيروس المتصاعدة وتداعياتها، وحسب منظوره فإن البدء بجهد دولى على نحومؤسسى وتشكيل لجنة تدرس آلية توزيع عبء المواجهة بأبعادها الصحية والاقتصادية أمر مهم جدا لمستقبل الانسانية والبشرية ولتجنيب المجتمعات الأخطار والتداعيات المستقبلية لهذه اللحظة غير المسبوقة.
إن ما أقدمت عليه السلطة الوطنية لم يختلف كثيرا عن الإجراءات، التى اتخذتها حكومات المنطقة أو العالم، بيد أن مكامن الخطر فى الحالة الفلسطينية يتمثل فى جملة من المعطيات، أولها أن ثمة تواصلا يوميا مع الدولة القائمة بالاحتلال، التى تشهد ارتفاعا فى منسوب الإصابة ب«كورونا« على نحو مخيف، الأمر الذى من شأنه أن يمتد إلى الفلسطينيين بأراضيهم المحتلة، لاسيما مع الشاحنات المحملة بما يستوردونه من هذه الدولة، وكذلك مع وجود أعداد من العمالة الفلسطينية التى تعمل بأراضى ما قبل العام 1948، وإن كانت قد تعرضت للتقليص، إضافة إلى الضغوط والاشتراطات، مع اندفاع الفيروس فاردا عضلاته على الجميع .
ثانى هذه المعطيات يتصل بالأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال، والتى تعانى من إكتظاظ وافتقار لأدنى الشروط الصحية، وأوضاع قاسية تنعدم فيها وسائل الوقاية والسلامة، الأمر الذى دعا الدكتور سعيد أبو على الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والأراضى المحتلة، للتأكيد أن الضرورة الإنسانية فى ظل الأوبئة، باتت تستوجب بإلحاح أكثر من أى وقت مضى تحركا دوليا عاجلا وضاغطا على سلطات الاحتلال لإنقاذ حياة هؤلاء الأسري، الذين يزيد عددهم عن 5000 أسير، بينهم أكثرمن 700 أسيروأسيرة من كبار السن و180 طفلا و43 أما .
ثالث هذه المعطيات يتعلق بقطاع غزة، والذى أضاف الفيروس اللعين إليه المزيد من المكابدات لسكانه، وطبقا للمركز الفلسطينى لحقوق الانسان، فإن ثمة خشية من تدهور كارثى قد يصيب القطاع فى حال تفشى فيروس «كوورنا» فيه، لاسيما مع عدم قدرة الجهاز الصحى به التعامل مع المصابين به، لو انتشر الوباء على نطاق واسع فالمرافق الصحية فى القطاع تعانى أصلاً من تدهور خطير ناجم عن سياسة الحصار الذى تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 13 عاماً، وناتج أيضاً عن تداعيات الانقسام الفلسطينى الداخلى والمناكفات السياسية، مما أدى إلى هشاشة النظام الصحي.
أن المسئولية الأولى فى توفير الإمدادات الطبية لسكان قطاع غزة تقع على إسرائيل، التى يتعين عليها اتخاذ جميع التدابير الوقائية الضرورية المتاحة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة، وذلك وفقاً للمادتين 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، داعيا فى الوقت نفسه المجتمع الدولى ومنظمة الصحة العالمية إلى الضغط على إسرائيل من أجل إجبارها على الالتزام بواجباتها، والسماح بإدخال كافة الاحتياجات الطبية إلى قطاع غزة، وخاصة الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة للفحص الطبى لفيروس «كورونا».
رابط دائم: