رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اللحظات المرعبة !

أرجو أن ترشدنى إلى طريق للخلاص مما أعانيه ، فأنا شابة عمرى ثمانية وثلاثون عامًا، أنتمى لأسرة متوسطة الحال، ونقيم فى إحدى ضواحى دمياط، ويعمل والدى فى إحدى الوظائف، ولى شقيقتان وشقيق يصغرانى بسنوات، أما والدتى فهى ربة منزل تحرص كل الحرص على تربيتنا وتنشئتنا على الود والاحترام وحب الناس، فضلًا عن حرصها مع والدى على أن نكمل تعليمنا الجامعي، وقد شقت أختاى طريقهما، وتزوجتا وأنجبتا الأولاد والبنات والحمد لله، ويعمل شقيقى فى نفس الجهة التى يعمل بها أبى محاسبًا وهو فى سبيله إلى أن يشق حياته هو الآخر، وتبقى مشكلتى التى تطاردنى منذ ارتباطى بشاب تعرفت عليه عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعى»، فلقد جلسنا معا وتناقشنا من باب التعارف، وذلك بعلم والدتى التى حرصت على أن تكون تربيتنا بقدر كبير من الحرية والاختيار الحر، وتبين لى أنه شاب لا بأس به من حيث وظيفته كمدرس ثانوى ومستوى أسرته الذى لا يختلف كثيرا عن مستوى أسرتى، ولم أجد فيه غضاضة من حيث الشكل العام والثقافة والأدب كما بدا لي، فتزوجته، ومضت حياتنا الزوجية طبيعية بشكل لا غبار عليه، وبعد مرور عام اكتشفت أنه يعانى حالة انطواء نفسى، واعتبرت أن ذلك ربما يرجع لأزمة يمر بها فى العمل، وأن الأمور تحت السيطرة، وعشنا فى بيت قريب من منزل أسرته، ولكن ظهرت مأساة لم تكن فى الحسبان، وهى تتلخص فى سهره خارج البيت حتى الساعات الأولى من الصباح، وحين تحدثت معه فى هذا السهر أجاب أنه أمر عادى، حيث يميل إلى قضاء الوقت مع أصدقائه فى مقهى على أطراف الشارع الذى نقطن فيه، وذات مرة كررت الكلام معه حول سهره الغريب كل ليلة، فغيّر مسار الكلام، وحدثنى عن عرض تلقاه لإعطاء دروس خصوصية لمجموعة من البنات من المدرسة التى يعمل بها، فسكت، وبعدها جاء بأصدقاء له كمدرسين ومعهم حوالى خمس فتيات ادعى أيضًا أنهن طالبات قد أتين لأخذ دروس خصوصية، ولم أبال فى بداية الأمر اعتقادا منى أن هذه المسألة لا شئ غريب فيها، ومع طول الوقت الذى يقضيه زوجى وزملاؤه مع البنات، ذهبت لاستطلاع ومعرفة الحقيقة، فإذا بى أشاهد ما لم يخطر لى على بال، وهو مجالستهم هؤلاء البنات فى وضع لا يليق، فقررت أن أضع حدا لهذه المهزلة التى تتم فى بيتي، ولم أتكلم معه فى تلك الليلة وانتظرت حتى الصباح، ثم واجهته بما رأيته، وسألته: هل يعقل أن يفتح رجل محترم بيته لمثل هذه الأفعال، ولماذا كذب علىّ، وقال إنه يعطيهن دروسا خصوصية؟، فرد ببرود شديد بأن ما شاهدته ما هو إلا «خداع بصر»، فواجهته بكثير من الشواهد التى تثبت صحة ما رأيته لكنه لم يبال، وشكوت إلى والدتى مما فعله زوجى، فحزنت حزنا شديدا، وطلبت منى أن أعطيه فرصة دون أن أفاتحه مرة أخرى، لكنه تمادى فيما يفعله هو وزملاؤه، وأصبح حريصا على إحكام غلق باب الغرفة، وتابع الجيران تصرفاته، وصاروا ينظرون إلىّ نظرة غريبة، وأنا لا أعى شيئا عما يفكرون فيه!

ومرت الأيام على هذا الوضع الغريب إلى أن جاءت اللحظة القاسية التى تمنيت أن أموت قبل أن أعيشها، وكنت وقتها عند أسرتى، وعلمت بالخبر المشئوم من جارتى، إذ اقتحمت قوة من شرطة بوليس الآداب شقتي، وأخرجت المجموعة مقبوضًا عليهم فى حالة مريبة ومخجلة، وتم للآسف الشديد وضع الشمع الأحمر على شقتى التى اعتبرتها الشرطة وكرًا للآداب، وأحسست بفشلى الذريع فى اختيار شريك حياتى الذى ظهر أمامى بشكل مخجل ومعيب إلى أبعد الحدود، وظللت فى بيت أبى حاملة مصيبتى، ومرت الأيام، وتم الافراج عنه بكفالة مالية، وهو فى انتظار المحاكمة بعد صدور قرار بإيقافه عن العمل على ذمة التحقيق.

إننى أعيش حالة من الحزن العميق على ما آلت إليه حياتى مع رجل وثقت فيه، ولم أجد ما يحول دون أن أقبل بالزواج به، ولم أشعر يوما أننى تخليت عنه وكنت حريصة على بيتى وستر حالى، والحفاظ على زوجي.

لقد فتح والدى لى بيته مرحبا بوجودى، وسألت نفسى كثيرا.. هل فى وسائل التواصل ما يعيب اختيار الزوج عن طريقها، أم أن العيب فينا دون أن ندري؟ فالجو العام لا يساهم فى التعارف والزواج، ولم يبق أمام أى فتاة فى ظل ظروف معيشية قاسية وإحجام عن الزواج بالطرق التقليدية سوى هذه الوسائل غبر المضمونة؟.. إنها أسئلة كثيرة وحائرة تدور برأسى حين أذهب إلى فراشى للنوم بشكل لا يكاد ينقطع، فماذا جرى فى الدنيا والعلاقات الاجتماعية والمناخ الذى نعيش فيه؟.. وأراها مأساة أكبر من مجرد رجل لم يقنع بزوجته، وإنما لجأ إلى العبث بالشرف والأخلاق إلى طريق محفوف بالمخاطر، فبيتى أصابه العيب، وانكسر خاطرى، وأحيا الآن تائهة، وخائفة من المصير المؤلم الذى ينتظر حياتى الزوجية، وإنى أسألك: هل أواصل حياتى مع هذا الشخص؟، أم أطلب الطلاق، وأنتظر حياة جديدة، ثمّ ماذا يضمن لى أن تكون خالية من المتاعب، أو يأتينى من هو على شاكلة هذا الرجل أو أسوأ منه؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

سواء كان الزواج عن طريق التعارف المباشر، أو بطريقة الصالونات، أو وسائل التواصل الاجتماعى أو أى أسلوب آخر، فإن التحرى عن العريس أمر لابد منه، وبدونه لا يمكن التأكد من الصفات الضرورية الواجب توافرها فى شريك الحياة، والسبب الرئيسى فى فشل الزيجات هذه الأيام وكثرة الطلاق أن البداية خاطئة، إذ لا يتعرف الطرفان على بعضهما بالأسلوب الصحيح، ولا يتمكن كلاهما من وضع النقاط على الحروف بالنسبة للأخلاق، والأسرة، والتقارب المطلوب فى نواح كثيرة.

ويجوز للمرأة أن تبحث عن الزوج الصالح، وتعرض نفسها عليه، ويجوز لوليها أن يفعل ذلك نيابة عنها، وقد يكون فى ذلك خير كثير إن صاحبه صدق وإخلاص، ولكن لابد أن يكون ذلك بالطرق الشرعية، ولا شك أن طريق الإنترنت محفوف بالمخاطر، والمحاذير الشرعية التى تجعله وسيلة لا يجوز اللجوء إليها، فمن هذه المخاطر أن هذه المواقع المعهودة للبحث الأزواج، والمعروفة بمواقع «هواة التعارف»، أو البحث عن شريك الحياة أو شريكتها.. هذه المواقع أوكار للمفسدين والمفسدات الذين كل همهم هو الاصطياد فى الماء العكر، وتضليل الناس، واللعب على عقولهم، ولا يليق بمن لديه حرص على دينه وعرضه أن يدخلها، ولا أن يجعل لهؤلاء عليه سبيلاً، بل كيف يرضى أن يطلعهم على حاله، ويعرفهم على حقيقة أمره، حتى يتمكنوا من استغلاله، وأحيانا التشهير به، وكشف حاله من غير طائل.

ومن المحاذير أيضا أن هذه المواقع من الصعب على المرء أن يتأكد من حقيقة ما يتلقاه عبرها من معلومات، وهناك من يدخلها بقصد صحيح ونية بريئة، ولكن سرعان ما ينجر إلى ما فيها من فجور، فيكتفى بالعلاقات الغرامية، والمحادثات العاطفية، وينصرف عن طلب الحلال إلى طلب الحرام.

وعلى كل حالٍ، فإن الوسيلة النافعة المضمونة هى تقوى الله تعالى واللجوء إليه وحده سبحانه وتعالى، وتفويض الأمر إليه، فإنه الجواد الكريم الذى لا يرد سائلاً، ولا يخيب آملاً، وبيده خزائن السماء والأرض، فعليك بطاعته وتقواه وحسن التوكل عليه. حيث يقول تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» (الطلاق:2-3)، ويقول أيضاً: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» (الطلاق4)،

فعلى من يريد الزواج - رجلاً أو امرأة - أن يتقى الله، ويفوض أمره إليه، ويلح على ربه الكريم فى الدعاء، ويرضى بما يقدره له ويقضيه، ويبحث عن الزواج بالطرق المشروعة المعهودة، فيوصى من يثق بدينه وورعه وحفظه السر بالبحث له فى محيطه وفيمن حوله، فعسى أن يكون لديه من يصلح لما يريد.

ولعل كل الناس يستوعبون الدرس، وعلى أهلك مراجعة زوجك، فإن صلحت حاله، فعليك أن تتجاوزى عما كان من أمره، وإن عاود الكرة من جديد، فلا مفر من الطلاق، وسوف يرزقك الله بمن هو أهل لك، وهو على كل شئ قدير.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق