رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العلماء يطالبون بالتكاتف الشعبى والاستعداد بالوعى..
اتباع إجراءات التصدى لكورونا «واجب شرعى»

تحقيق ــ حسنى كمال

  • على القادرين والمجتمع المدنى معاونة مؤسسات الدولة فى مساعدة المضارين

 

 

 

دعا علماء الدين أطياف الشعب إلي التكاتف والتوحد والصمود، لمجابهة الوباء الذي يتهدد العالم حاليا متمثلا في فيروس (كورونا) الفتاك، ووصفوا هذا الفيروس بأنه بمثابة العدو الخفي الذي يفرض علينا الاستعداد الدائم والوعي الكامل للانتصار عليه، لأن أي تهاون أو استخفاف ستكون نتيجته الهلاك والفناء.

وجدد العلماء تأكيدهم بأن اتباع التعليمات الصحية، وما يترتب عليها من إجراءات من أصحاب القرار (واجب شرعي) لا يجوز الخروج عنه أو التقصير فيه، حفاظا علي الأرواح ومنعا لانتشار هذا الوباء الخطير.

ودعوا جميع القادرين من الأغنياء ورجال الأعمال والمجتمع المدني، وغيرهم إلي التعاون مع أجهزة الدولة، لمقاومة هذا الخطر والحد من آثاره، لاسيما علي الفقراء ومحدودي الدخل والعمالة غير المنتظمة الذين توقفت أعمالهم بسبب إجراءات التصدي لهذا الفيروس المعدي.

في البداية يصف الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ، الذين يستغلون هذه المحنة للتربح ويتاجرون بها، بأنهم (أعداء للإنسانية) والوطن، بل أعداء لأنفسهم، مشدداً علي أننا في موقف يتطلب منا جميعا التكاتف والتضافر، وأن نكون مع ولاة الأمور، ومن يمثلونهم، حيث نحتاج للتعاون، سواء في توفير الدواء أو العلاج، أو المطهرات، أو الكمامات، أو المأكولات والمشروبات، فإن ما يجري الآن أقوي من الحروب علي الإنسانية، لأن الحروب معلنة، والكورونا مخفية، والله أعلم بمن سيصيبه هذا الميكروب. ويؤكد مهنا أن الحد من الاختلاط والالتزام بسبل الوقاية، أصبح خيارا إجباريا لا بديل عنه، ذلك أن التهاون والسماح بانتشار العدوي ينذر بكارثة صحية تفوق أكبر الإمكانات، خاصة إذا علمنا أن التعامل مع مصابي هذا الوباء يقتضي إجراءات طبية خاصة ومكلفة مثل غرف عزل مستقلة، وغرف رعاية مركزة، ونحوها. ولا يخفي علي أحد محدودية غرف الرعاية المركزة في مستشفياتنا.

ويدعو الأغنياء القادرين والموسرين ورجال الأعمال إلي أن يقوم كل منهم بدوره في هذه الأزمة انطلاقا من واجبهم التكافلي بالمجتمع، فمعلوم أن هذا الوباء  زاد الأعباء والنفقات علي الدولة وعلي الأفراد، كما حدت الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة بتقليص ساعات العمل وتعليق بعض الأنشطة، من دخول كثير من الناس كأصحاب المطاعم والمحال وعمال اليومية ومن علي شاكلتهم من العمالة غير المنتظمة، فمن لهؤلاء ـ بعد الله عز وجل ـ إن لم يمد الأغنياء أيديهم لإخوانهم الفقراء لكفالتهم؟ فهذا ليس ترفا أو تفضلا منهم، ولكنه واجب ديني ووطني، فهذه الجائحة تحتاج التكاتف والتكافل والتراحم، انطلاقا من قوله تعالي: «وتعاونوا علي البر والتقوي» وليس الاستغلال والاحتكار والجشع، فالكوارث مناسبة للتراحم وليس للثراء والتربح الرخيص! كما يظن الانتهازيون من ذوي الضمائر الخربة، وما أعظم الأجر للصدقات في مثل هذه الظروف.

ويضيف: وهنا نناشد المستشفيات الخاصة والصيدليات والتجار وأصحاب محال المنظفات والمطهرات، بالإضافة إلي محال البقالة ومن أوقفهم الله علي أرزاق الناس واحتياجاتهم الضرورية.. أن يساندوا وطنهم ويقفوا بجوار بنيه، وأن يكونوا معهم ، وليس عليهم.

ويتابع: ليتنا نتأسي بما نشاهده في شعيرة الحج وشهر رمضان من تكافل وتراحم، وكثرة أعمال البر والصدقات من أهل البر والإحسان فيتسابق الجميع في إخراج الصدقات والتبرعات من مأكل ومشرب وملبس ونحوها، حتي ينال منها البر والفاجر، حتي تفسد المطعومات من كثرتها، ولا تجد من يأكلها.

ويقول: ما أحرانا لأن نشاهد هذا المشهد العظيم اليوم في هذه المحنة الشديدة، لأن الاحتياج هنا أشد، فالحج شعيرة يأتيها المسلم اختيارا متي ملك نفقاته، أما هذه الجائحة المفاجئة فتكاد تطيح بالأخضر واليابس، لذا فإننا نحتاج إلي أن يكفل الجميع الجميع، كل علي قدره، بالنصيحة والمال والمأكل والمشرب، والدواء والكمامة والمنظفات، وتوفير سرير بمستشفي، وغيره.

ويواصل حديثه: إنها دعوة للأغنياء للتوسع في الصدقات وزكوات أموالهم، وكذلك من كانوا ينوون الحج والعمرة نافلة هذا العام.. علي هؤلاء أن يوجهوا نفقات هذه العبادة لكفالة الفقراء، لاسيما أنه لا أحد يعلم موقف الحج والعمرة في ظل هذه الظروف الآن. كما أن المساعدة في القضاء علي المرض أهم من الإنفاق علي (حج النافلة).

ويشدد د. مهنا، علي أهمية دور الإعلام في نشر الوعي، ببيان خطر هذا الفيروس وطرق الوقاية منه، والوقوف علي المعلومات الصحيحة المتعلقة به، حتي لا نترك مجالات لنشر الشائعات وترويج الأكاذيب.

سنن كونية

في سياق متصل يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الأزمات من كوارث تتعلق بالمناخ، والبيئة والأمراض، والأموال وغيرها، كلها من سنن الله الكونية، قال الله عز وجل: »وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، ويشير إلي أنه ما خلا زمان، ولا مكان، من صور ومظهر من مظاهر الابتلاء، قال تعالي: «ونبلوكم بالشر والخير فتنة»، فهذه الفتن والمحن، ليميز الله بها الخبيث من الطيب، قال تعالي: »ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ». ويؤكد أن طاعة ولي الأمر، ومؤسساته، وأجهزته المعنية، واجبة شرعا، لما فيه المصلحة، لأن تصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة، وحيثما كانت المصلحة، فثم شرع الله، وهنا يجب الالتزام بالتوعية الصحية، ومن لم يلتزم فهو آثم لأنه تعدي حدود الله تعالي، فقد قال تعالي: »ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة«، وقال: »ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما«. ويوضحا انه في زمن الفتن والمحن، إذا حرص الإنسان علي أن يلزم الدار، فله الأجر، قال النبي، صلي الله عليه وسلم: (ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، ومن يستشرف الفتن، تستشرفه)، كما يجب أن نحذر اليأس والإحباط وتثبيط الهمم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: »من قال هلك الناس فهو أهلكهم«، (أشدهم هلاكا)، وفي المأثور، (تفاءلوا بالخير تجدوه).

 فعلي الناس أن يتضرعوا إلي الله، ويستغفروه، لأن الاستغفار يزيل المحن. قال تعالي: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)، فالدعاء سبب لرفع الداء، وصرف الوباء.

مواجهات جماعية

ويشدد د. كريمة، علي أنه يجب علي المجتمع أن يتضافر بأكمله مع مؤسسات الدولة، لأن الأمر يحتاج إلي مواجهات جماعية وليست فردية فقط، فيد الله مع الجماعة، مشيرا إلي أن الأشعرية، قوم من اليمن، مدحهم النبي، صلي الله عليه وسلم، لأنهم إذا أرملوا، (أي مروا بأزمة اقتصادية)، كانوا يخرجون أطعمتهم، ويوزعونها فيما بينهم، بالتساوي، فهذا الصنيع أعجب به النبي، صلي الله عليه وسلم، وزكاه.

ويختتم حديثه بالقول: يا ليت الاقتداء بأهل المعروف، والمروءة، والشهامة، في نجدة الناس، بالأطعمة، والأكفية، والأدوية، يحدث في مثل هذه الظروف، لأن ذلك من أعلي القربات، فنجدة الملهوف، وإغاثة المحتاج، وإعانة ذوي الحاجات، من صنائع المعروف، وقد قال النبي، صلي الله عليه وسلم: (الله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه). وعند الشدائد تظهر معادن الصالحين. ولا ننسي قول أبو حنيفة: (الإنفاق في وجوه البر، أفضل من الحجة الثانية).

ترشيد الاستهلاك

من جهته، يحذر الدكتور السعيد محمد علي ـ من علماء الأزهر والأوقاف ـ من التعامل السيئ مع الأزمة والمتاجرة بها، سواء بالاستهلاك الفج للسلع والمنتجات الغذائية، فضلا عن الأدوية ونحوها، محذراً من الشائعات والتكهن بين الناس بالغيبيات باعتبار الشائعات أخطر من الحروب، ومما أشاعه البعض مع ظهور هذا الوباء: (هذا عقاب من الله، يريد الله أن يستبدلنا، وأن يطردنا من المساجد)، رغم أنه من الطبيعي أن تكون هناك محطات للإنسان أو حتي الدول، بحيث تجعل الإنسان يراجع نفسه، ويجدد عهده مع ربه، وليس غريبا أن يكون من بين هذا ما يروع العالم حاليا مثل (فيروس كورونا).

ويواصل: إن الإسلام له فلسفته في مثل هذه الأحداث، وفي الكوارث الطبيعية بشكل عام،  فحينما كسفت الشمس علي عهد النبي، صلي الله عليه وسلم، قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا الله)، فعلينا أن نتحلي بالصبر، ونقاوم هذا الداء بالأسباب، وندعو الله أن يرفع عنا هذا الوباء.  ويضيف: كذلك من فلسفة الإسلام، في هذه المواقف أيضا: الرحمة، ومعاونة الآخرين، والاعتدال في الانفاق، دون هلع أو جشع، فإذا هجم الأغنياء علي الأسواق، وسحبوا ما فيها من السلع (لوفرة الأموال في أيديهم)، فإنهم بذلك يظلمون غيرهم من الفقراء، ويكونون سببا في غلاء الأسعار، وكان الأولي أن يعينوا الفقراء وذوي الحاجات، وهذا ما دعا إليه الإسلام، في قوله تعالي: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

ويتابع: كذلك من فلسفة الإسلام لاحتواء هذه الأزمات، ترشيد الاستهلاك، وعدم الجشع أو الاحتكار، فالاحتكار من أعظم الخطايا، و«المحتكر ملعون« كما أخبر النبي، صلي الله عليه وسلم، ورب ربح قليل تتحقق فيه البركة، خير من ربح كثير لا بركة فيه.

يختتم حديثه قائلا: إذا ما أخذنا بالأسباب المتاحة ما علينا إلا رد الأمر إلي صاحب الأمر، ونحن علي يقين، بأن الله، لا يقدر لعباده إلا الخير، فهو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وحاشاه أن ينتقم منا ونحن نوحده، ونصلي له ونعبده، ونعترف بذنوبنا ونستغفره، قال تعالي: »وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون«.  

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق