-
فى حواراتنا أكد حرصه على إحداث «الدهشة» دائما فى أعماله المتفردة
تحل بعد غد (الجمعة) ذكرى مرور 15 عاما على رحيل عبقرى السينما النجم والإنسان والصديق أحمد زكى توفى فى 27 مارس 2005، الذى جعل من اسمه عنوانا كبيرا فى عالم التشخيص، (التمثيل) كما سماه فأصبحت له مكانته العالية فى قلوب ووجدان الجماهير، بفضل أدائه الفنى الاستثنائى واختياراته المتميزة.
15 عاما ومازال يعيش داخلى بحبه وحكاياته وشخوصه ووطنيته ومواقفه الراسخة، ونقاء قلبه وسأظل دائما أشعر باعتزاز بأننى كنت قريبا منه، بل كنت محظوظا بهذا القرب الذى امتد حتى أنفاسه الأخيرة.
فى خلال سنوات عمره استمتع المقربون منه بالعديد من الحكايات والمواقف التى تؤكد مكانته الفنية والفكرية، وجعلت منه فنانا وطنيا يتمتع بقدرة خاصة على اختيار موضوعات لامست قضايا إنسانية ورومانسية وقدم خلال مشواره أفلاما تناولت جميع الفئات والمهن، وزيرا وبوابا، وضابطا، وعاملا وجنديا ورئيسا.
ألقاب كثيرة أطلقها الجمهور عليه ولكن يظل وصفه بالمتفرد واحدا من الحقائق فتفرد أحمد زكى كممثل بأنه كان صاحب مشروع سينمائى وطني، ويتأكد ذلك من خلال فيلمى (ناصر 56 وأيام السادات). وعنهما قال: تشرفت وقدمت هذين العملين وأعتبرهما خطوة كبيرة، لأننا فتحنا من خلالهما للمرة الأولى الحديث عن الزعماء والرؤساء بالأسماء الحقيقية، ونجحنا فى إظهار الحقائق للأجيال.
أشياء كثيرة لا تجد طريقها إلى صفحات الصحف لأنها خاصة ولا يعرفها إلا المقربون منه، فحياته كانت مليئة بالأشياء الجميلة، بل إنه من أولئك النادرين الذين يعطون دائما، فيداه دائما كانت تدخل جيوبه وتخرج أموالا للبسطاء ممن يرى أنهم فى حاجة إلى مساعدة. ويقول: لا أعطى من عندي.. إنما يأمرنى الله أن أعطى فأعطي، فهذه أموال الله، الله سبحانه وتعالى أعطانى موهبة وفلوسها.
وكل أصدقائه يعرفون الحقيبة الصغيرة التى كانت تلازمه، وأتذكر أثناء أيام مرضه الأولى فى يناير 2004، وكان عيد الأضحى على الأبواب، قال لى بسعادة متجاوزا الأزمة وأيامه: «تعرف أنا أرسلت العيدية للبلد، عشان الناس تعرف تفرح بالعيد، وعلى فكرة محدش يعرف إنى هنا فى المستشفي»، وليس ذلك سوى درس وقدوة ومثل فى التراحم، فكان وسط آلامه يسعى دائما لإسعاد الآخرين.
واليوم أستعيد بعضا مما دار بيننا من حوارات تظهر قيمة أحمد زكى الفنان والإنسان.
سألته متى يتوقف الابداع؟
ـ إذا فقد الفنان أو المبدع عموما سواء كان كاتبا أو مخرجا أو ممثلا أو موسيقيا القدرة على الدهشة وإحداث شيء فى النفس البشرية يتوقف ولكن لايوجد فنان يبعد.. الفنان لايبعد الا بالمرض أو الموت. الفنان تحكمه اختياراته فهى التى تحكم وجوده ولهذا لابد ان يسبب الدهشة فى كل عمل يقدمه من أجل ضمان الاستمرار.
هل الزمن يمثل أزمة للفنان؟
ـ طبعا.. لأنى لما كنت فى سن صغيرة فى سن الشباب الموجودين حاليا كنت أعمل أدوارا تليق بعمري، فعملت «الحب فوق هضبة الهرم».. شاب يبحث عن فرصة عمل.. وعملت «البريء».. عسكرى فى الأمن المركزي... و«النمر الأسود»... ولد سافر بره علشان يشوف حظه فى الحياة... وبعدين أعمل أنا لا أكذب ولكنى أتجمل يعنى كنت أعمل أفلاما تليق للعمر ده وتناقش هموم الشباب فى هذه الفترة.
وواصل الحديث وكان المنتجون لايطلبوننى فى أدوار أكبر سنا لأن سنى صغيرة.. فأنا فى تلك الفترة كنت اعبر عن شريحة كبيرة تطابق السن، وبعد ذلك انتقلت إلى مرحلة عمرية أخري، وكنت محروما وأنا صغير من مثل هذه الأدوار وهى أدوار الرجل وقدمتها فى «زوجة رجل مهم والإمبراطور والهروب وضد الحكومة والراعى والنساء» وبعد ذلك قدمت «الرجل الناضج»، ومع كل مرحلة أصبح فيها وجها جديدا أيضا أقدم ما يليق لسنى وعمرى ومشاكل عصري.. وقدمت «أرض الخوف وأضحك ومعالى الوزير وعبدالناصر والسادات»..
وأضاف: أنا فى كل مرحلة عمرية أكون وجها جديدا فيها وعملت «بانوراما» من الأدوار الشعبية مثلا فى أحلام هند وكاميليا وكابوريا وكمان أدوار فيها سياسة زى زوجة رجل مهم وأدوار اجتماعية مثل نزوة والراعى والنساء... والبيه البواب وشادر السمك.. وقدمت فى كل مرحلة عمرية ما بها من أفلام شعبية وسياسية واجتماعية.. ولهذا عندما يأتى لى موضوع لايتناسب مع المرحلة العمرية لازم أنصرف عنه.. لاننى مع كل مرحلة احتاج فيها لعمل يغطى جموع الناس التى تكون على شاكلة هذا العمر... وممكن يكون معايا مجموعة من الشباب لكى يحدث هارمونى وانسجام لاننا نعبر عن الشارع والبيت وده فيه الرجل والشاب والشيخ... فأنا عملت أفلاما كثيرة وزملائى أيضا عملوا أفلاما وأثروا السينما بأعمال عظيمة ولهم تاريخهم... وأتمنى من الشباب أن يعملوا تاريخا فنيا.
لماذا أنت متواضع.. وهناك من هم أقل منك يشعرون بأنهم أهم النجوم؟
ـ لو وضعت فى دماغك حكاية نجم النجوم.. مش هتفن ثم يعنى أيه نجم.. أنا فى النهاية فنان.. ومهنتى أن أقدم شخصيات.. فلماذا أتغر... ثم أتغر على ايه وليه.. دا الحياة فيها من الرصد الإنسانى فى الشارع المصرى من شخوص وشخصيات وكل يوم تصرفات الناس وأسلوبهم.. وكل ده محتاج رصد، والفنان يترك الدنيا وناقصة أدوار كثيرة.. يبقى ايه لازمة الغرور هنا.. الفنان عايز يمسك الشمس ومستحيل يمسكها... والفنان ممكن يترك الدنيا وسايب أدوار كثيرة جدا... فإذن الغرور هنا على ايه... لماذا الغرور؟
واضاف: «الفنان يقعد طول حياته يلهث ويجرى وراء الشخصيات ووراء الحياة لغاية لما يموت.. ويموت وهو بيحلم بشخصيات جديدة يضحك.. لماذا الغرور؟.. ومن يصيبهم الغرور عليهم أن يقعدوا فى بيوتهم.. لأن الغرور نوع من أنواع القتل والموت للفنان.. فالغرور يجعل الإنسان ذاتى قوي، وغرقان فى نفسه.. طيب كيف سيقدم الفن.. الفنان لازم يكون بره نفسه قوى علشان يلتقط الاشياء من الحياة ويقدر يبثها طول الوقت».
هذه بعض حكاياتى مع أحمد زكى التى لا تنتهي، والتى تؤكد أنه فنان وإنسان يحمل من القيم الإنسانية ما جعل منه فنانا كبيرا بأفلامه ومواقفه.
رابط دائم: