قبل أيام، اختتم وزير الخارجية سامح شكرى جولة إفريقية مهمة شملت جنوب إفريقيا وبوروندى ورواندا وتنزانيا والكونجو الديمقراطية والنيجر، تركزت أيضا حول ملف سد النهضة الإثيوبى، وذلك بعد الجولتين الموسعتين اللتين قام بهما الوزير فى الأسبوع الذى سبقه، وشملت دولا عربية وأوروبية، للغرض نفسه.
فى نيامى مثلا، كان لقاء الوزير مع رئيس النيجر محمد إيسوفو، حيث سلمه رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسى حول ملف سد النهضة، ووفقا لما ذكره المستشار أحمد حافظ المتحدث الرسمى باسم الخارجية، فقد استعرض وزير الخارجية بشكل مُفصّل موقف مصر فى هذا الإطار، والجهود التى بذلتها خلال الأعوام الطويلة الماضية من أجل التوصُل لاتفاق عادل ومتوازن يراعى مصالح الأطراف الثلاثة، فى حين أعرب الرئيس إيسوفو من جانبه عن سعادته باستقبال مسئول مصرى رفيع المستوى حاملا رسالة الرئيس السيسى، مشيدا بالجهد الذى بذلته مصر فى الأعوام السابقة خلال محطات التفاوض المختلفة، حيث أكد إيسوفو فى هذا الصدد أهمية احترام قواعد القانون الدولى، مشيرا إلى ما يمثله نهر النيجر من نموذج فى هذا الصدد، من حيث ضرورة اتفاق كل الأطراف المعنية بشأن أى مشروعات تُقام عليه.
وفى الكونجو الديمقراطية، سلم شكرى رسالة من الرئيس أيضا إلى نظيره الكونجولى فيليكس تشِسيكيدى حول تطورات ملف سد النهضة، وثمن الرئيس الكونجولى الجهود المصرية الساعية للتوصل لاتفاق فى هذا الصدد، كما أكد تفهمه لما يمثله نهر النيل من أهمية قصوى لشعب مصر، باعتباره المصدر الوحيد للمياه، وثمّن أيضا المرونة التى أبدتها مصر خلال كل مراحل التفاوض.
وفى كيجالى، وبعد تسليم رسالة الرئيس إلى نظيره الرواندى بول كاجامى، أعرب الرئيس الرواندى عن الشكر لإيفاد وزير الخارجية خصيصا ليحمل تلك الرسالة المهمة فى إطار ما تبذله مصر من جهد لتأمين اتفاق على صعيد ملف سد النهضة.
وفى دار السلام، التقى شكرى وزير الخارجية التنزانى بالاماجامبا كابودى، وسلمه رسالة الرئيس السيسى إلى الرئيس جون ماجافولى حول آخر تطورات ملف سد النهضة، حيث أكد الوزير التنزانى أنه سيتم على الفور إيصال الرسالة إلى الرئيس التنزانى الذى تعذر استقباله الوزير شكرى نظرا لانشغاله بتفقُد المناطق المتضررة من جرّاء الفيضانات التى شهدتها تنزانيا مؤخرا، ومضيفا أنهم يقدّرون ما أبدته مصر من جهد ومرونة سعياً للتوصُل لاتفاق يحقق مصالح الأطراف الثلاثة فى مفاوضات سد النهضة.
وفى أهم محطات الجولة، التقى شكرى رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، حيث سلمه رسالة من الرئيس أيضا بخصوص تطورات ملف سد النهضة، وكذلك التطرُّق لعدد من الموضوعات الثنائية والإقليمية.
وكانت الجولة قد بدأت بزيارة للعاصمة البوروندية بوجمبورا، حيث التقى شكرى رئيس بوروندى بيير نيكرونزيزا، وسلمه رسالة من الرئيس بشأن آخر تطورات ملف مفاوضات سد النهضة.
ولم يتوقف الجهد الدبلوماسى على وزير الخارجية، فقد شارك فى هذه الجهود مساعدو الوزير، وفى نقاط أخرى، عربية إفريقية.
فقد زار وفد من الخارجية برئاسة السفير ياسر عثمان مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، وبمشاركة السفير ياسر سرور، نائب مساعد وزير الخارجية لشئون مياه النيل، كلا من الجزائر وتونس وموريتانيا، كما زار السفير أبو بكر حفنى مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية كلا من الصومال وجيبوتي
ومن بين سلسلة من البيانات والتصريحات التى صدرت عن وزارة الخارجية حول تفاصيل ومجريات جولة الوزير شكرى الإفريقية، وباقى الجهود الدبلوماسية، يمكن استخلاص بعض الملاحظات والنتائج من بين السطور حول ما دار من محادثات فى تلك الجولة:
أولى تلك الملاحظات أن أغلبية اللقاءات التى أجراها وزير الخارجية فى الدول التى زارها كانت مع قادة الدول، وليس مع نظرائه فى تلك الدول فقط، وهو نفس ما حدث فى جولة الوزير الأخيرة عربيا وأوروبيا، وهو ما يعكس الطابع الحيوى والخاص جدا الذى تمثله هذه الجولة بالنسبة لمصر، وأيضا للدول الأخرى.
والثانية هى أن القضية الأولى والرئيسية التى تم إدراجها على جدول أعمال المحادثات هى قضية مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا والسودان، وهو نفس ما حدث فى جولتى شكرى العربية والأوروبية فى الأسبوع الذى سبقه.
والثالثة هى أن الجولة الإفريقية الأخيرة انتقت الدول المستهدفة بعناية فائقة، فقد كان على رأسها جنوب إفريقيا التى ترأس حاليا الاتحاد الإفريقى خلفا لمصر، وكان بها أيضا أكثر من دولة من دول حوض النيل، ودولة أخرى لها سابقة مماثلة فى حل نزاع مائى.
والرابعة: أن إتمام الجولة وما قبلها فى ظل ظروف صعوبة السفر والتنقل وانشغال المجتمع الدولى بأزمة كورونا يؤكد مدى إلحاح قضية سد النهضة بالنسبة لمصر، وإصرار القاهرة على تحقيق هدف محدد من هذه المساعى قبل توقيت محدد أيضا.
أما الملاحظة الخامسة والأخيرة فهى أن شكرى حمل رسائل من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى قادة هذه الدول حول موضوع سد النهضة، وهو ما تكرر أيضا فى الجولة السابقة، وبخاصة الجزء العربى منها، وأن هذه الرسائل لها صدى كبير لدى قادة الدول الإفريقية، الذين أكدوا بوضوح بعدها تفهمهم الكامل للموقف المصرى.
إذن، الدبلوماسية المصرية تواصل بقوة، وبنجاح، حشد الرأى العام العربى والإفريقى والدولى لمصالحها فى ملف سد النهضة، تمهيدا لمرحلة حاسمة من مراحل حسم هذا الملف.
رابط دائم: