تناقض، الجميع يخشى على نفسه وعلى أهل بيته من ويلات الفيروس المستحدث، يسعى إلى تحصينهم بالبقاء فى المنزل. ولكن فور صدور توجيهات لإدارة العمل عن بعد واستخدام «نعمة» الانترنت فى تنفيذ مهام المكتب اليومية من داخل «غرفة الجلوس» المنزلية، الجميع يشتكي.
والشكوى هذه المرة إما من صعوبة تنظيم الوقت، والفصل بين المهام المنزلية وفروض العمل، أو من ثقل الاكتئاب المصاحب لفكرة البقاء إجبارا فى المنزل، ومخافة الهجوم المحتمل من العدو الخارجي. ولكن حتى من قبل عهد الكورونا، كانت أشهر وظائف العالم تدار من البيت وطوال أكثر من 200 عام. ويقصد بذلك وظيفة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. ففى حين يبدأ العالم على استيعاب فكرة تنظيم الوقت لأداء كل المهام المطلوبة، ودفع «شبح» الرتابة، اعتاد رؤساء أمريكا على العمل من داخل البيت الأبيض، حيث مقر إقامتهم، طوال عقود.

> كارولين وجون الابن يلعبان أمام كيندى الرئيس
فوفقا لتقرير نشره موقع «سي.إن.إن» الإخبارى بعنوان «الهدية العظمى غير المتوقعة»، أن مسألة العمل من المنزل لم تكن دوما هينة بالنسبة لقيادات البيت الأبيض. ويعدد التقرير ما كان من وقائع قد يصعب على البعض توقع أنها جرت داخل أروقة البيت الأبيض وتكشف أيضا عن صعوبات واجهها رؤساء أمريكا فى العمل من المنزل. فوفقا إلى «سي.إن.إن»، تعرض فريق العمل بالبيت الأبيض فى عهد الرئيس الأمريكى الـ 16، إبراهام لينكولين، إلى ارتباك كبير، عندما نجح نجل الرئيس المعروف بشقاوته تاد فى تشغيل أجراس الخدمة بالبيت الأبيض دفعة واحدة ليقلب أحوال مقر العمل والإقامة الأشهر فى العالم.
وبخلاف تاد لينكولين، يبدو أن إدارة العمل من البيت فى وجود أطفال، لم تكن أبدا هينة، فقد أعتاد أطفال الرئيس الأمريكى جون كنيدى الذى تولى الرئاسة من 1961 وحتى 1963، على اللعب فى محيط غرفة الرئاسة البيضاوية. وبخلاف صوره المتكررة مع اخته كارولين داخل أروقة البيت الأبيض،أصبحت صورة جون الصغير، وهو يلعب تحت مكتب أبيه، فيما يدير الأخير شئون أمريكا، ذات طبيعة رمزية بعد أن واجه الرئيس ونجله الموت فى سن مبكرة.
أما الرئيس هارى ترومان، فقد اعتاد اقتناص بعض الوقت لقراءة كتابه المفضل بالشرفة التى باتت تعرف الآن باسمه فى البيت الأبيض. ومن طرائف العمل من المنزل، ما كان من عادة الرئيس الـ36 لأمريكا، ليندون جونسون، إملاء بعض الملاحظات لمساعديه فيما يقضى وقته بالمرحاض، وذلك مخافة أن ينسى الرئيس ما جال بخاطره.

> جيرالد فورد ومفاوضات يابانية بملابس البيت
ويحكى تقرير «سي.إن.إن» عن أن آبيجال، قرينة الرئيس جون أدامز، وهو أول من حكم من داخل البيت الأبيض خلال فترة ولايته من 1797 وحتى 1801، اعتادت نشر الغسيل اليومى بالغرفة الشرقية للبيت الأبيض. وفكرة إدارة العمل فى مناخ بيتى صاحبت الرئيس الـ38 لأمريكا، جيرالد فورد خلال رحلته إلى اليابان عام 1974، حيث تم التقاط صورة شهيرة له فيما يعقد اجتماعا داخل جناحه الفندقى بـ «أكساكا بالاس» مع فريق عمله، وهو يرتدى «البيجامة».
ومن أجمل نعم العمل من البيت، اختصار المسافة قبل اللقاء مع الأسرة والأحباء من أجل تناول الغداء أو العشاء، كما كان يفعل الرئيس رونالد ريجان، الذى تولى حكم أمريكا من 1981 وحتى 1989، إذا يستغرق 45 ثانية على الأكثر من أجل الانتقال من المكتب البيضاوى إلى مقر الإقامة الرئاسية فى البيت الأبيض لتناول وجبته الرئيسية مع نانسى ريجان.
وفى عام 2016، كتب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما «لعل أعظم هدية غير متوقعة تأتى بها هذه الوظيفة، هى الإقامة فوق المتجر». فقد كان باراك، الرئيس رقم 44 لأمريكا، يقدس ميعاد تناول الوجبات مع أسرته ويترك من أجلها كل ما فى يديه. وطبعا من إيجابيات العمل والإقامة فى البيت الأبيض، إمكانية إلقاء الرؤساء نظرة من وقت إلى آخر على حيوانتهم الأليفة وقضاء وقت معها. ولكن مع كل هذه المرونة والإيجابيات، لا ينفى الرؤساء فى كثير من تصريحاتهم، أنهم كانوا دائما ما يقدرون الوجود فى أماكن جديدة بعيدا عن البيت الأبيض. الكل عدو ما يفرض عليه.
رابط دائم: