عقب الحرب العالمية الأولى عام 1918 اجتاحت العالم جائحة كبرى عرفت بـ «الإنفلونزا الإسبانية» أو الوافدة الإسبانيولية، وهي جائحة قاتلة خلفت ملايين القتلى، وتسببت فى نوع خبيث ومدمر من فيروس الإنفلونزا (من نوع فيروس الإنفلونزا H1N1)، واتصف الفيروس بسرعة العدوى، وقدرت الإحصائيات بـ 500 مليون شخص أصيبوا بالعدوى، وما بين 50 و 100 مليون شخص ماتوا جراء الإصابة بالمرض، أي ما يعادل ضعف المتوفين في الحرب العالمية الأولى والغالبية العظمى من البالغين واليافعين الأصحاء بعكس ما يحصل عادة من استهداف كبار السن والأطفال والأشخاص المرضى أو ضعيفي المناعة.وفى مايو 1919 نشرت ورقة مهمة في مجلة ساينسScience بعنوان «دروس الجائحة» كتبها المايجور جورج صوبر A. SOPER GEORGE MAJOR وقدم لها قائلا: «إن الوباء الذي اجتاح الأرض للتو لم يسبق له مثيل، فقد انتشرت الأوبئة على نطاق واسع، بينما كتبت الفيضانات والمجاعات والزلازل والانفجارات البركانية قصصها كلها عن التدمير البشري بشكل فظيع الفهم، لكن لم يحدث من قبل كارثة مفاجئة في آن واحد، ومدمرة للغاية وخطيرة كتلك الجائحة»! وانتقد جورج صوبر استراتيجيات الصحة العامة المعتمدة عام 1918، باعتقاد السلطات أنه يمكن إيقاف الوباء من خلال استخدام علاجات توقف أمراض الجهاز التنفسي، وهنا وجدت السلطات أنها مضطرة لشرح سبب عدم نجاح «طرق العلاج» القياسية لاحتواء الإنفلونزا الإسبانية، وبسبب وجود شبكة وسائل إعلام موسعة فى ذلك الوقت، وصلت قراءة الصحف في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، وتعلم المحررون بالفعل من الجوائح السابقة ، مثل داء الكلب عام 1885، ووباء الكوليرا في 1892-1893، أن قصص المرض باعت أوراقا كثيرة، مما جعل الإنفلونزا الإسبانية وباءً جماعيًا بحق، وزاد على ذلك ارتباطها بالحرب العالمية، وهنا تم تزويد القراء بتعليق مفصل حول الوباء وطبيعة المرض، وطرق احتوائه، وقد اختتم المايجور جورج صوبر مقالته بالتذكير بإثنتي عشرة توصية قدمها الجراح العام للجيش ونشرت بأمر من وزير الحرب، وجاءت كما يلى: «تجنب الازدحام فهو مرض جماعي، تخفيف السعال، التنفس من الأنف وليس من الفم، المحافظة على ثلاثة: فم نظيف، جلد نظيف، وملابس نظيفة، الحفاظ على البرودة والدفء عند الركوب والنوم، فتح النوافذ في المنزل ليلاً، مضغ الطعام جيدًا، استخدام أدوات لم يتم استخدامها من شخص آخر ولم يتم غسلها، تجنب الملابس الضيقة والأحذية الضيقة، وأخيرا الحفاظ على الوجود فى هواء نقيً يساعد على التنفس بعمق».
وما أشبه الليلة بالبارحة.. إن هذا ما حدث في 1918، فماذا نقول اليوم 2020 ونحن نواجه الفيروس الأشرس «كورونا» وهو من عائلة فيروس الانفلونزا الاسبانية، ولكنه تطور بشكل فظيع، وأصبح عنيفا وسريع الانتشار، قد تظل نصائح القرن العشرين هي هي! ولكن نزيد عليها بأنه فى ظل التقدم الرهيب الذى حدث فى العلم والتكنولوجيا خلال القرن 21 يجعلنا مطالبين أكثر بالاهتمام بأنفسنا وأوطاننا، فلا دلع ولا هزار، فانتشار الفيروس اسرع من تفكيرنا وقراراتنا وخوفنا.. اجلسوا في البيت ولا تغادروه حتى يغادرنا هذا اللعين، الحمد لله مصر بخير حيث قدمت حكومتنا كل شيء للناس، ويتبقى ما يقدمه الشعب لنفسه!
د. حامد عبدالرحيم عيد
أستاذ بعلوم القاهرة
رابط دائم: