«مصر تحتفل اليوم بعيد الأم لأول مرة .. احتفالات شعبية فى المؤسسات والمدارس والأندية والساحات».. كان ذلك عنوان صحيفة الأهرام بعددها الصادر يوم 21 مارس عام 1956، فى إشارة إلى بدء احتفال مصر بالأمهات فى التاريخ ذاته من كل عام. وتحت هذا العنوان، ورد الموضوع بفقرة افتتاحية: «تحتفل البلاد اليوم، لأول مرة فى تاريخها الحديث بعيد الأم تحت رعاية الرئيس جمال عبد الناصر، ويعد هذا الاحتفال نقطة تحول فى محيط حياتنا الاجتماعية، فمن الأم ينبعث الإشعاع على الأسرة، ومنه ينعكس على المجتمع، فالاعتراف بجهودها الشاقة، إنما هو مظهر من مظاهر الوعى الثوري». وكشفت عدة عناوين فرعية خلال العدد ذاته، ما كان من مظاهر الاحتفال الأول بعيد الأم، مثل: «عبدالحكيم عامر يحيى أمهات الشهداء: الوطن لم ينس أم الشهيد وسيظل حافظاً لها الجميل»، ونقلت «الأهرام» ما كان من كلمة وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة اللواء أركان حرب عبدالحكيم عامر، والتى ورد فيها: «يا أم الشهيد، فى هذا اليوم الذى تُكرم فيه الأم، وليس أكرم وأحق بالتكريم من أم قدمت وليدها قربانا على مذبح الفداء لهذا الوطن العريق، أيتها الأم الكريمة إن الفداء الذى قدمه وليدك هو فداؤك أنت، والتضحية العظمى التى بذلها ولدك هى تضحيتك انت».
وفى عدد الأهرام بتاريخ 22 مارس 1956، تصدر المانشيت «مصر تحتفل أمس بعيد الأم». لتضمن أحداث وطرائف هذا اليوم التاريخى. فأشارت الأهرام في صفحتها الأولى لهذا العدد، وتحت عنوان «كمال الدين حسين يقدم هدية إلى والدته»، ويوضح الخبر: «سافر الصاغ كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم مساء أمس بعد انتهاء اجتماع مجلس الوزارة إلى بنها ليقدم إلى السيدة والدته هدية تذكارية بمناسبة عيد الأم. ويلبي رغبة طالب مصري يدرس في أمريكا للتوسط في إرسال خطابه إلى أمه التي تقيم في طنطا بمناسبة عيد الأم وأمر الوزير بإرسال هذا الخطاب إلى والدة الطالب، فتلقته ظهرأمس».
ولكن أما مصرية محددة كان نصيبها مضاعف من الاحتفال. فقد أوردت «الأهرام» ما كان من فوز مواطنة مصرية تدعى أم سعيد بالجائزة التى خصصتها إحدى شركات الطيران لأول مولود يولد فى أول عيد أم. ووردت القصة تحت عنوان : «سعيد.. أول مولود فى عيد الأم، أمه زوجة حوذى فقير تفوز ب 25 جنيها».
وفى احتفال آخر ولاحق بعيد الأم، وتحديدا فى 21 مارس عام 1964، نقلت «الأهرام» نص الحوار الفريد الذى أجراه الصحفى الكبير كمال الملاخ فى بابه الشهير «من غير عنوان»، مع الكاتب البارز وصاحب فكرة عيد الأم، على أمين. جاء الحوار بعنوان «مع الابن الذى أوجد عيد الأم»، والذي بدأه الملاخ بتقديم الكاتب على أمين: «والابن: عمره الآن 50 سنة، دخن فيها أكثر من نصف مليون سيجارة، أو على وجه التقريب 600 ألف سيجارة، صناعته: الكاتب العربى الوحيد الذى لم يمله أحد من القراء، طوله:190 سم، وزنه:120كجم، وظُهر أمس قابلت الابن الذى أدخل فكرة عيد الأم فى بلدنا».
وينتقل الملاخ إلى قلب الحوار : «واضحك لعلى أمين وأقول له: انت صحفي، ولكنى جئت اليك ومعى فكرة حديث أجريه مع صاحب الأفكار التى يكتبها فكرة وراء فكرة، ولكن انسى انك صحفى فى حديثى معك إلا فى أول سؤال، وبعدها ستتحول الى رجل بعيد عن الصحافة، ثم إلى ..«ابن»، لقد اخترت لحديثى عنوانا سوف لا أغيره وهو الابن الذى أوجد عيد الأم.. إيه وحى الفكرة؟، ويتراجع على أمين وهو جالس فى كرسيه إلى الوراء، وتختفى ضحكته فجأة، وتبدأ شفتاه تروي: فى يوم 5 ديسمبر 1955 قالت لى السكرتيرة ان فيه واحدة ست لابسة أسود بتبكى وتلح فى مقابلتي، ولما دخلت روت لى أنها فقدت زوجها بعد ولادة ابنها بشهور، وكان لها من العمر حينئذ 19 سنة، فضلت أن تعيش له ولمستقبله ولا تتزوج، اشتغلت خياطة حتى شب ابنها وتعلم وتخرج وخطب، جالها يوم وقالها: حاسيب البيت علشان العروسة تحب تعيش لوحدها، وخرج الابن دون ان تسمع منه حتى شكراً ياأمي، وتسألنى الأم:هل ابنى عاق؟.. قلت لها وانا أهديها:لا ان الأولاد بيتلعثموا، مش عارفين يشكروا ازاي، ومع ذلك تأكدى انه فى يوم مش هاينسى اللى عملتيه وحييجى يقولك الجملة اللى أنت انتظرتيها، وبعد أن خرجت من مكتبى فكرت أنى أنا أيضا نسيت ان أقول لأمى شكرا يا أمي، وفكرت انه من المؤكد فيه ملايين غيرى بيعتبروا المسألة مفروغ منها، فكرت انى أدعو إلى عمل عيد أم، وكتبت يومها فكرة: اننا ننسى أمهاتنا ننسى التضحيات الضخمة التى تقدمها الأم لنا، ولا نذكرها الا بعد ان يفرق الموت بيننا، فلماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه لقب «يوم الأم»، ولكن أى يوم فى السنة نجعله عيد الأم؟، اختاروا انتم اليوم وانا اجعله لكم عيدا للشرق وعيدا للقلوب، وأخيرا اخترت ان يكون 21 مارس، ويومها كتبت فكرة: مارأيكم فى يوم 21 مارس؟ انه اليوم الذى يبدأ فيه الربيع وتتفتح فيه الزهور، ما رأيكم فى جعل الأم فى هذا اليوم ملكة بيتها، فلا تغسل ولا تطبخ ولا تمسح، وانما تصبح ضيفة الشرف، ويتولى أولادها كل اعمالها المنزلية ويقدمون لها الهدايا وباقات الزهور، ويضعون تحت عقب باب حجرتها خطابات رقيقة».
ويوضح علي أمين أنه تلقى ردودا متنوعة بشأن اقتراحه: «ولقد تلقيت مئات من الخطابات والتليفونات.. أحداها يقترح أن نختار يوم ميلاد الأم التي شكت لي أن أبنها نسيها بعد أن ضحت من أجله بشبابها وأثاث بيتها وملابسها.. وجاءني خطاب واحد يعترض على فكرة الاحتفال بعيد الأم. أنه خطاب من يتيم فقد أمه..إنه يقول أن احتفال الأولاد بأمهاتهم سيزيد عذابه وعذاب اليتامى، ولكني لا أوافق على هذا الرأي .. فإذا نحن أحتفلنا بالأحياء، فأننا لن ننسى الأموات.. أنني شخصيا سأذهب في هذا اليوم إلى قبر أمي وأضع عليه باقة من الورود.. فالذين يتذكرون أمهاتهم لا يتعذبون، وإنما يحلقون في السحب مع الملائكة».
وحول « الناحية الاقتصادية للبيع والشراء في عيد الأم»، يوضح علي أمين: «عندي إسعاد الأمهات في بلادي يساوي أكثر من ملايين الجنيهات. وأن الرخاء الذي يدور ويعيش في هذه المناسبة في المحلات التجارية والأسواق.. ده ظاهرة جانبية لنجاح الفكرة. ولكن أساسها هو تكريم وإسعاد كل أم».
ويسأله الملاخ عن ذكرياته مع والدته ، ليرد: «أنا أحب أمى تماما كحبى للصحافة، أمى كانت تكره الصحافة وترى كل عيوبها، ومقدرش اختار بين أمى والصحافة، كل اللى عملته انى حاولت أمسح اللى أمى كانت شايفاه فى الصحافة، اعتقد ان كل النجاح الصحفى اللى حصلت عليه، كان لإقناع أمى بأنها مهنة كريمة، وفعلا استطعت قبل ان تموت ان اقنعها بان الصحافة مهنة شريفة ولا يسيئها ان اعمل فيها ولها، الملاخ: ومتى شعرت بتضحيتها؟، أمين: لما كنا نستعد لإصدار أخبار اليوم، كانت تحس بآلام حادة وهى تبتسم لنا وتقول ان عندها برد، قال لنا دكتور مورو فيما بعد انه قال لها عندك سرطان، ولكنها اكتفت بأن رجته أن لا يخبرنا، وقالت له: فى الواقع ولادى بيعملوا دلوقتى مشروع، وأنا خايفة لو عرفوا يضطربوا ويضطرب عملهم الجديد. الملاخ: ومع الساعات الأولى لعيد الأم ماذا تفعل؟، أمين: اذهب إلى قبرها أنا ومصطفى ونضع باقة ورد ونشكرها ونعود إلى العمل».
رابط دائم: