فى وسط البلد فى معظم العواصم الإفريقية يقف الزائر مبهورا أمام دقة الحفر على المعروضات العاجية، الشيء المهم والمثير لأى مشتر هو معرفته كيف يميز بين المنحوتات العاجية وغيرها من المنحوتات العظمية أو تلك المصنوعة من القرون أو حتى من البلاستيك، كل صنف له ما يميزه، وما يميز العاج ثقل وزنه، بريق ونعومة سطحه الأملس الخالى من الخدوش ومن أى بقع لونية، ولونه الطبيعى يميل قليلا إلى الاصفرار
العاج هذه المادة الطبيعية الصلبة التى تكون أسنان بعض الحيوانات، تستغل منذ مئات السنين فى الاحتفالات الطقوسية والدينية، و كحلى ومجوهرات، ومنحوتات للزينة، والديكور، وفى الغرب كانوا يصنعون منه كور البلياردو ومفاتيح البيانو. من ناحية ارتبط العاج بالأفيال وهو ليس إلا زوج من الأسنان تحورت واستمرت فى النمو خارج الفم لتستخدم فى الثقب والحفر، وهو أيضا يشكل أسنان أفراس النهر، وتشتهر به حيوانات أخرى مثل أفيال البحر Walrus والماموث Mammoth الذى عرفت تجارته فى بعض الدول الاوروبية والآسيوية، وقد بدأت صناعة عاج الماموث فى الرواج منذ منتصف القرن الثامن عشر، ويقدر عدد الماموث الذى تم اكتشافه فى سيبيريا بـ 46750 والعلماء يقدرون عدد الماموث الذى مازال مطمورا تحت الجليد بالملايين. عملية بيع وشراء العاج أثارت العديد من الجدل والتأرجح بين الحظر التام، والخضوع لبعض المعايير الملزمة. فمثلا دول مثل جنوب افريقيا وزيمبابوى وناميبيا يعارضون التوصيات والقوانين التى تحظر بيع وشراء العاج، وهم يتباهون بحفاظهم على أفيالهم ورعايتها بشكل كامل وتدافع هذه الدول عن تجارة العاج لما لها من أهمية اقتصادية، وتحبذ التجارة بصورة مقننة لا مجال فيها للحرج أو للتلاعب بشكل قانونى لما تمتلكه من مخزون ليس كنتيجة للصيد الجائر، ولكن من نواتج الأفيال النافقة بشكل طبيعى. وهناك من طالب بمنعها منعا تاما مثل كينيا التى أحرقت حوالى مائة طن من عاج الأفيال وحوالى طن ونصف من قرون حيوانات وحيد القرن فى أكبر محرقة عاج من نوعها فى العالم، فى أول مايو 2016، جرت وقائعها فى الحديقة الوطنية بنيروبى أمام جمع كبير شاركت فيه وسائل الإعلام العالمية، وذلك بغرض إيقاف نزيف إبادة الأفيال، وحظر تجارة العاج.
ومن المعروف أن تجارة العاج من أكثر أنواع التجارة ربحا فى العالم، ويرجح أن تكون بداية هذه التجارة فى القرن الرابع عشر من خلال المستعمرات الافريقية، وكان التجار يستغلون من استعبدوهم فى نقل العاج، وظلت هذه التجارة تتنامى، حتى أنه بحلول القرن العشرين كان قد تم شحن حوالى ألف طن من العاج إلى أوروبا وحدها. استخدم اليابانيون العاج على نطاق واسع لحفر الأسماء كأختام، كما صنعوا منه الحلى والتماثيل، وتعد الصين من أشهر الدول استخداما للعاج وتغطى سبعين فى المائة من الطلب العالمى عليه. وكان من الطبيعى أن تؤدى زيادة الطلب على العاج خاصة فى الحقب الاستعمارية إلى التناقص المطرد فى أعداد الفيلة.
هناك من العاج ما يباع ويشترى بشكل مقنن خاصة مخزون العاج القديم الذى تم تسجيله قبل الحظر. ورغم كل الحظر ما زالت التجارة رائجة ولم يعد الناس يفرقون بين العاج الذى جاء بشكل قانونى وبين هذا الذى هربته شبكة من المجرمين الذين لا يعدمون وسيلة لتطوير أساليب تهريبهم، والتجارة غير المشروعة فى العاج تستغل فى بعض المناطق الساخنة فى افريقيا فى تمويل المناوشات المسلحة وفى صناعة العنف. وفى مقالة سابقة أشرت إلى الأعداد الضخمة من الفيلة التى تقتل كل عام من أجل التجارة فى العاج.
أكبر الأفيال حجما فى أنيابها العاجية والتى تستوطن كينيا. من هذه الأفيال الفيل المشهور بعاجه الفريد Satao والفيل المشهور الآخر ثور الجبال Mountain bull لقيمة العاج التى تضاهى قيمة الذهب، وهو من أكثر الأفيال شهرة فى كينيا، ويعد واحدا من ملوك العاج، لأنيابه العاجية شديدة الطول التى تصل إلى مترين فى الطول وتكاد تلامس الأرض ويسمونه «ذو الأنياب الطويلة» Tusker وقد قام المسئولون عن الحديقة الوطنية تسافو Tsavoفى كينيا وهى من أعظم الحدائق الوطنية إيواء للأفيال فى العالم بإعلان وفاته بشكل رسمى بأنه قد تم قتله بسهم مسمم فى 13يونيو 2014 بعد عمر ناهز45 عاما، وجاء نعيه من المسئولين بحديقة تسافو الوطنية «بالمزيد من الحزن والأسى نودع ساتو الذى تأكد قتله بسهم مسموم، جاء قتله بسبب التكالب على طلب العاج. فقدت حياة عظيمة ليس من أجل أى شيء إلا من أجل أن يقوم شخص ما فى مكان ما بعيدا جدا عنا، بوضع ناب ساتو العاجى كديكور فوق مدفئته...لتنعم بالسلام يا صديقنا. بالتأكيد سوف نفتقدك».
ومن الجدير بالذكر أن كينيا ما زالت تمتلك حوالى عشرة من الأفيال المشهورة بأنيابها الكبيرة Tuskers وهى لغرابة وندرة أنيابها يطلقون عليها الأسماء، ويولونها رعاية خاصة وهى فى بيئتها الطبيعية، ولا يزيد عدد هذا النوع من ذوى الأنياب الطويلة على 25 فيلا فى كل إفريقيا. بعد ثلاث سنوات من قتل ساتو الأول قتل مؤخرا ساتو الثانى عن عمر ناهز الخمسين عاما رغم تشديد الحراسة عليه، استطاع المجرمون الوصول إليه والنيل منه، غير أنه تم القبض عليهم قبل أن يفلتوا بنابى ساتو الثانى العاجيين، كل واحد منهما يزن 112رطلا، كما وجد فى حوزة المتهمين الذين قبض عليهم 12سهما مسموما وثلاثة أقواس، وبندقية. هذه الكائنات النادرة بأنيابها العاجية الهائلة تحظى منذ فترة بشعبية كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعى، وغالبا ما يكون القتل بالرماح السامة لرخصها ولعدم صدور صوت عنها، والكثير من العاج يهرب عن طريق دار السلام ومومباسا وغالبا ما يبحر إلى فيتنام والصين.
ولقد عقد العديد من المؤتمرات فى دول إفريقية وأوروبية. وصدرت توصيات وقوانين بحظر التجارة الدولية فى العاج. ومن أهمها اتفاقية سايتس CITES التى تحظر التجارة الدولية فى كل ما يختص بالأنواع البرية الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض.
رابط دائم: