رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«آفة البطاطس» أو المجاعة الكبرى فى أيرلندا

نصب تذكاري لضحايا المجاعة وسط العاصمة الأيرلندية دبلن

مجاعة البطاطس، أو «آفة البطاطس»، أو المجاعة الكبرى بين 1845-1852 التي اجتاحت ايرلندا في منتصف القرن الـ 19 كانت الحدث الأكثر تأثيرا في تاريخ ايرلندا، فقد غيرت المجاعة تكوين ايرلندا الاقتصادي والسياسي والديموجرافي والثقافي على نحو جذري ،وفتحت الباب لواحدة من أكبر الهجرات الجماعية في التاريخ الحديث. فقبل المجاعة كان عدد السكان نحو 8 ملايين نسمة، لكن خلال سنوات قليلة بات عدد السكان نحو 4 ملايين نسمة. وحتى اليوم فإن ايرلندا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي لديها عدد سكان أقل من عدد سكانها خلال منتصف القرن التاسع عشر. حدثت المجاعة نتيجة فطر أصاب محصول البطاطس، الغذاء الرئيسي لسكان ايرلندا، ما أدى لتعفنه والمحصول مازال في التربة.

وفي الحكايات الفلكلورية الايرلندية سميت تلك السنوات «الجوع العظيم» و»الأوقات الصعبة». وكانت المناطق الأكثر تضررا هى غرب وجنوب أيرلندا. أما أسوأ سنة فكانت 1847، والمعروفة باسم «عام 47 الأسود». وخلال المجاعة، مات نحو مليون شخص وهاجر مليونان آخران من أيرلندا إلى أمريكا.

لم تكن المجاعة أمراً حتمياً أو لا مفر منه، فجانب كبير منها سببته قرارات البرلمان البريطاني. فلم تكن ايرلندا آنذاك دولة مستقلة ببرلمان وحكومة بل كانت تدار من قبل التاج البريطاني وحُكمت من قبل البرلمان البريطاني في ويستمنستر من عام 1801 إلى 1922، وهو عام استقلال جمهورية ايرلندا عن بريطانيا العظمى. فبسبب شهية الانجليز المفتوحة دائماً للحوم من المراعي الخصبة في سهول ايرلندا، تم ترك السكان الأصليين يعتمدون فعلياً على البطاطس للبقاء على قيد الحياة. فقد قام المزارعون الإيرلنديون بتحويل جزء كبير من الريف الإيرلندي إلى أراضي رعي ممتدة لتربية الماشية من أجل المستهلك الإنجليزي، بينما زرعت البطاطس في مناطق نائية، وفي مساحات أصغر، وأقل خصوبة. وخلال سنوات المجاعة لم تقدم بريطانيا ما يكفي من المساعدات والدعم لسكان إيرلندا الذين كانوا يعتمدون بشكل حصري تقريبا على البطاطس كطعام أساسي بسبب رخص ثمنها، بينما كانت أراضي ايرلندا تنتج محاصيل أخرى مثل الذرة التي انتج منها في العام الأول للمجاعة ما يكفي لإطعام 2 مليون شخص لمدة عام كامل، لكن الذرة كانت مخصصة للتصدير لإنجلترا.

فما هو إرث آفة البطاطس في أيرلندا؟

هناك أولاً الشرخ السياسي العميق الذي أدى إلى استقلال ايرلندا عن المملكة المتحدة. فقد اعتبر المؤرخ الأمريكي-الايرلندي دينيس كلارك أن المجاعة كانت « تتويجا لأجيال من الإهمال وسوء الحكم والقمع... لقد كانت ملحمة من القسوة الاستعمارية الإنجليزية». أما المؤرخ جيمس انتوني فرويد فقد أشار إلى أن «إنجلترا حكمت إيرلندا من منظور الدفاتر التجارية...وتركت الالتزامات الأخلاقية جانباً». وبحسب بيتر جراي في كتابه «المجاعة الايرلندية» فقد أنفقت الحكومة البريطانية 7 ملايين جنيه إسترليني للإغاثة في أيرلندا بين عامي 1845 و 1850 «وهو يمثل أقل من نصف في المائة من إجمالي الناتج القومي البريطاني على مدى خمس سنوات». ويؤكد منتقدون آخرون أنه حتى بعد إدراك الحكومة البريطانية لنطاق المجاعة، فإنها فشلت في اتخاذ خطوات كافية للتصدي لها. وكتب جون ميتشل، أحد قادة حركة «ايرلندا الفتاة»، في عام 1860 «كانت مجاعة مصطنعة.... دمرت جزيرة غنية وخصبة أنتجت كل عام ما يكفي من المحصولات الزراعية والماشية لإطعام شعبها وشعوب أخرى»، لكن كثيرا من المحصولات وجميع الماشية التي ولدت في ايرلندا خلال سنوات المجاعة شحنت إلي إنجلترا. وبعدما قدمت إنجلترا مساعدات غذائية لسكان ايرلندا لعدة أشهر توقفت لاحقا لأن البعض في انجلترا اعتبر المجاعة «عقابا من الله على كسل الايرلنديين» و»طريقة تصحيح إلهية لزيادة النسل». واعتبرت المؤرخة الايرلندية كريستين كينيلي أن الحكومة البريطانية استغلت «آفة البطاطس» لتنفيذ سياسات تريدها في ايرلندا تشمل السيطرة على السكان ووقف تزايد أعدادهم والاستحواذ على الممتلكات من خلال وسائل مختلفة بما في ذلك الهجرة. وكما أدت المجاعة إلى تعزيز القومية الايرلندية والتيار الإنفصالي عن بريطانيا العظمي حتى استقلت كدولة 1922، قادت المجاعة لتأسيس واحد من أقوى اللوبيات في أمريكا وهو اللوبي الايرلندي. فاليوم 15% من الأمريكيين من أصول ايرلندية وهم بمثابة شوكة دائمة في عنق بريطانيا. فخلال مفاوضات «البريكست»، ضغط اللوبي الايرلندي على الكونجرس الأمريكي لضمان عدم وجود أي حدود على جزيرة ايرلندا، بين شطريها الشمالي، الذي مازال تابعا لبريطانيا، والشطر الجنوبي الذي أستقل مطلع القرن العشرين. وهو ما أضطر جونسون لقبوله.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق