-
حملات لتنفيذ إجراءات منع «الشيشة».. والتصدى للتلاعب فى الأسعار
جاءت قرارات منع الشيشة بالمقاهى والكافيهات وحظر التجمعات بمثابة الضربة القاضية فى مواجهة فيروس كورونا وحماية للملايين من أبناء الشعب المصرى، فمن جانبها تنفذ الحكومة قراراتها بمنتهى الحزم والجدية، فى حين امتثل كثيرون لهذه القرارات وخاصة الكافيهات والمقاهى والمناطق السياحية، وربما ما زال يراوغ أصحاب المقاهى الشعبية، ويؤكدون أنهم يتخذون كل الاجراءات الوقائية مثل النظافة والتعقيم وغيرها.
وفى ضوء كل ذلك أكد اللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية، أن الدولة جادة فى فرض قرارها.
تحقيقات «الأهرام» قامت بجولة فى المناطق الشعبية والراقية، ورصدت تفاصيل كثيرة وتحدثت إلى المسئولين ورواد المقاهى وأصحاب الكافيهات.. والتفاصيل فى السطور التالية...
بداية، أكد وزير التنمية المحلية ضرورة تنفيذ المواطنين الإجراءات الاحترازية والوقائية التى أعلنتها الحكومة وعلى رأسها التحذير من مخاطر تداول «الشيشة» فى المقاهى والمطاعم والكافيهات، مشيرا إلى أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن تدخين «الشيشة» لا ينقل فيروس كورونا فقط،بل يؤثر على المناعة وصحة الجسم بشكل عام ما يجعله أكثر ضعفا فى مقاومة الفيروس، لذا تتطلب المصلحة العامة منع «الشيشة» نهائيا فى الوقت الحالى.
وشدد على المحافظات بالبدء فى حملات مكثفة على الأسواق لمنع استغلال التجار للأوضاع وضبط الأسعار، والتصدى بحزم لأى محاولات للتلاعب أواستغلال المواطنين، لافتا إلى ضرورة تشديد الرقابة على أماكن تخزين السلع والمنظفات والمطهرات لمنع التخزين والتلاعب فى أسعارها، خاصة مع تزايد معدلات استهلاكها بسبب تطبيق الاشتراطات الصحية والوقائية فيما يخص فيروس كورونا المستجد.
وأضاف وزير التنمية المحلية أن المحافظات ستقوم أيضا بغلق الصالات والمراكز الرياضية (الجيم)، بهدف منع التجمعات للحد من انتشار فيروس كورونا لحين إشعار آخر، وأكد التواصل المستمر مع غرف العمليات بالمحافظات لمتابعة الأوضاع ومراقبة تنفيذ القرارات، وكذلك متابعة حملات غلق مراكز وسناتر الدروس الخصوصية، واستمرار إلغاء كل الاحتفالات والاجتماعات الكبرى فى نطاق المحافظات التى يترتب عليها تجمعات للمواطنين وذلك لحين إشعار آخر، مطالبا المحافظين بالاستمرار فى عمليات تطهير كل مبانى المحافظة والملحقات التابعة لها والمنشآت الحكومية بالمراكز والمدن ووضع مطهرات فى أماكن ظاهرة، والتنبيه على العاملين بإجراءات التطهير والوقاية والتأكد من وجود الملصقات وإرشادات التوعية بالأماكن العامة وطرق الوقاية منه.
ولرصد ما يحدث على أرض الواقع قامت «تحقيقات الأهرام» بجولة فى عدة مناطق، وكانت البداية من أحد مجمعات المطاعم الكبرى بمنطقة القاهرة الجديدة، والتقينا المهندسة منى والدة فتاتين بالمرحلة الإعدادية، قائلة: لقد شعرنا بالملل بعد أيام المكوث فى المنزل وقت الأمطار، وألحت بناتى على للخروج لتغيير «المود» العام، واشترطت عليهن أخذ كل الاحتياطات من منظفات ومطهرات وقفازات، وبالفعل توجهنا لمكان قريب من المنزل واخترنا أحد المطاعم التى اعتدنا ارتيادها، ولم أكن أتوقع هذا العدد من الشباب الذى ملأ الموائد ووقف طوابير لشراء الوجبات السريعة، ولكن الذى زاد من دهشتى هو أننى الوحيدة التى كنت أحمل المطهرات، والغريب أن ذلك جعلنا محلا لنظرات السخرية خاصة عندما قمنا برش سطح المائدة بالكحول ومسحناها بالمناديل المبللة، وراقبتهم من بعيد ووجدت الشباب لا يعطى للموضوع أى أهمية ولم أر أحدا منهم يقوم بتطهير يديه أو مائدته، بل إننى سمعتهم يتفقون على رحلة لأحد الملاهى، فإذا كان هذا هو حال شباب الطبقة الراقية المتعلمة فما بالنا بحال البسطاء اجتماعيا وثقافيا؟!.
الشيشة
أما الدكتورة شيرين محمد، من قاطنى مصر الجديدة، فتقول خرجت مع زوجى لشراء بعض مستلزمات المنزل وتوجهنا لإحدى السلاسل التجارية داخل أحد المولات الذى تكدس بالمواطنين، سواء فى المول نفسه أو المطاعم بداخله أو الماركت، وإذا التمسنا العذر لمن بالماركت لأنهم يشترون احتياجاتهم اليومية من مأكل ومشرب، فماذا يفعل هؤلاء الآخرون داخل المول التجارى والمطاعم والكافيهات فى ظل هذه الظروف؟!، مما يشير إلى غياب الإدراك والوعى لدى البعض من خطورة الموقف الذى نمر به، وبعد أن خرجنا من المول مررنا على أحد الكافيهات وقمنا بالجلوس فى مكان مفتوح تجنبا للزحام والعدوى، وإذا بنا نجد كثيرا من الشباب والفتيات يجلسون فى الكافيه ويدخنون الشيشة، وأصابنا الذهول من هذه التصرفات غير الواعية، فى مثل هذه الظروف، رغم التحذيرات الشديدة من أن الشيشة تنقل العدوى، وللحفاظ على المواطنين من العدوى لابد أن تكتمل المنظومة، فبعد تعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات والمعاهد وتعليق الرياضة ومنع التوجه للمساجد والكنائس لابد من منع الوجود بالكافيهات والمطاعم والمولات وحتى تأتى هذه القرارات بثمارها، وإلا فلا جدوى منها.
وعن الإجراءات الاحترازية التى حرصت بعض مقاهى الصفوة بالشرقية ـ على اتباعها على حد تعبير المحاسب صلاح فاروق احد مالكى المقاهى بالشرقية فإن أول أسباب جذب الرواد هو الاجراءات الوقائية التى اتخذناها، التى تجعل الزبون يطمئن على نفسه فيقبل على المكان، والثانى هو ضمان عدم وجود العدوى طبعا، ولكنه وجد صعوبة بالغة فى الحصول على المطهرات المطلوبة لدورات المياه والأسطح، وقد تمت إزالة جميع المفارش من على الترابيزات حتى يسهل التنظيف المستمر بعد كل زبون ونقوم بغسل الشيشة بالكلور بعد استخدامها.
بينما أكد علاء محمد ، مالك احدى المقاهى، انه فى لحظة فارقة تحول مزاح الزبائن إلى حالة من الرعب، خاصة بعد توجيهات الرئيس بتعليق الدراسة، فشعر الجميع بان هناك خطرا حقيقيا، مضيفا أننا رأينا الزبائن فى صباح اليوم التالى جميعهم يحملون مطهرات شخصية وأصبح المزاح بكارثة كورونا قد تحول الى حوار قلق فى نهايته ولا ينتهى عند حد المزاح،وقل الإقبال على الشيشة ومن يطلبها يسأل عن الإجراء الاحترازى أولًا من تطهير بعد استخدامها.
وأشار سمير قائد، محاسب بإحدى المقاهى، إلى أن أسعار المنظفات ارتفعت بصورة مبالغ فيها وأصبحت غير متوافرة إطلاقًا خاصة الشخصية، حيث كنا نريد وضع زجاجات الكحول الصغيرة على كل منضدة ولكن لم نجد الكمية الكافية. وأوضح انه حتى الآن لم يأت لنا احد من الصحة للتدقيق على الإجراءات الاحترازية أو توجيهنا اليها، وكل ما نفعله هو اجتهادات شخصية مما سمعناه من وسائل الإعلام المختلفة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعى، كما اننا نتوقع مرور المحليات التى لم تعطنا هى الأخرى أى تحذيرات لمستخدمى الشيشة أو ايقافها، وأنه من المحتمل ان تأتى مرة واحدة وتجمع اجهزة الشيشة وتصادرها، لذلك قام معظمنا بتخزين الشيش ولم نترك الا عددا بسيطا لاحتياجات العمل فى أضيق الحدود.
وعن رواد المقاهى المتميزة، وجدنا الحديث الدائر عن القلق من فيروس كورونا لا ينقطع ولا ينقطع معه تداولهم للشيشة فى صورة عكسية، ويقول فاروق صبرى، محام، إنه فى ظل الإجراءات التى اتخذتها الدولة يتأكد للجميع أن هناك خطرا حقيقيا، فبعد أن كان المزاح يخيم على أحاديثنا أصبح القلق عنوان تلك الأحاديث.
وتضيف سارة طلعت، مهندسة، انها لا تتناول الشيشة ولكنها قلقة من أدوات المائدة والأكواب وطرق تعقيمها، وأن طبيعة عملها تفرض عليها مقابلات الكافيهات اضطراريًا ورغم انها لم تتخذ الأمور بجدية منذ اللحظة الأولى فإن قلقها ازداد بعد قرار تعطيل الدراسة، ورغم أن إمكانات تلك الكافيهات تتيح لها النظافة المستمرة فإنها تبقى بؤرة خصبة لتداول المرض وانتشاره.
على الجانب الآخر، كان المشهد اكثر قلقا فى مقاهى البسطاء فى الأقاليم، حيث يقول السيد عبد النعيم، صاحب مقهى بأحد أحياء محافظة القليوبية المطلة على السكة الحديد انه يستخدم المبسم الطبى ويغسل اجهزة الشيشة يوميا قبل فيروس كورونا والآن يمسح المكان بالكلور، ولم يوجهنا احد لذلك بل نقوم به بأنفسنا لتفادى العدوى خوفا على أماكننا، فمن يثبت انه فى مشكلة صحية أو أصيب بفيروس كورونا وأنه من رواد المكان سيصاب المكان بشلل جزئى وربما يتم غلقه بشكل نهائى.
فيما يؤكد على محمود انه يترقب إلغاء الشيشة، وإذا حدث هذا سيغضب الكثيرون لانها تعد متنفسا لهم من عناء اليوم مع أصدقائهم، أما الإجراءات الوقائية فهى بسيطة، ولكن الخطير أن المحليات أو الصحة لم تدفع برجالها الى هذه التجمعات مع انها الأخطر وما زالت تسمح بفتحها دون أى رقابة.
ويشير فاضل السيد، مدرس، إلى ان الكارثة فى مقاهى البسطاء تزداد مع غياب الوعى، حيث ان العلاقة عكسية مما يثير القلق تجاه الأيام المقبلة، لان معظمهم لا يدرك الخطورة الكبيرة للفيروس القاتل ويستهين بالأمر، ويقولون ان القضاء والقدر لا مفر منه ولا يعترفون بان الوقاية خير من العلاج، فالقلق يتزايد على هذه الفئة التى تتزاحم فى المقاهى، والتى أصبح غلقها ضرورة ملحة لإجبار روادها على التزام منازلهم وعدم تداول الشيشة.
بينما طالب رضا محمود، محاسب ومن رواد المقاهى بأن يتم جمع الشيشة وحظرها فى المقاهى، فإذا كنا سنبقى على المقهى وهذا خطر فلابد ان نلغى الشيشة، لأنها تتصل بالجهاز التنفسى مباشرة، وتعجب من تأخر الرقابة على تطهير المقاهى البلدى تحديدا باعتبارها أكبر أماكن التجمعات، كما أن الإجراءات الوقائية بها تكاد تكون منعدمة، مضيفا ان رواد المقاهى البلدية لا يكترثون بالمطهرات وغيرها لانخفاض مستوى المعيشة، مما يجعلهم أكثر عرضة لانتشار المرض.
عقول فارغة
ولتفسير حالة الاهمال فى أغلب المقاهى وبين روادها، أوضحت الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أننا نعانى انحدار الثقافة مهما وصلنا من درجات التعليم، فعقول الشباب تم تفريغها من أى فكر، وإذا كنا استطعنا أن نقيم نهضة اقتصادية وقضينا على الإرهاب إلا اننا لم نستطع بناء إنسان، ونحن نواجه جيلا مهما تكلمنا معه أو أعطيناه من تعليمات فإنها تذهب هباء، فليس من المعقول أن نجد شبابنا حتى منتصف الليل على المقاهى والكافيهات، خاصة فى ظل ظروف انتشار فيروس الكورونا وفى ظل اتخاذ الدولة إجراءات احترازية للحفاظ على الشباب فيقوم هؤلاء الشباب بتضييع جهود الدولة والمغامرة بصحتهم وحياتهم!.
وأرجعت الدكتورة سامية السبب فى ذلك إلى تراجع دور الإعلام والدراما فى معالجة هذه الظاهرة وما تقدمه من برامج بها الكثير من الإسفاف، حجم خطورة الموقف الذى نمر به لم يصل إلى فكر وعقل شبابنا، فبرامج التليفزيون لم تقم بدورها الكافى بل تعمل على تسطيح الشخصية المصرية، وقد كان من الممكن الاستفادة من الشباب الذين وجدوا فى منتدى شرم الشيخ العالمى، فهم قدوة وعلى قدر كبير من الوعى والثقافة، مما يجعلهم يطرحون أفكارا لتوجيه شبابنا، كما انه إذا كنا منحنا الأم حقوقها، فلابد أن نطالبها بواجباتها تجاه أبنائها لحمايتهم مما يحيط بهم، ومنها أن تمنعهم من الخروج للشارع فى مثل هذه الظروف، ولكن لا يمكن أن يكون عبء التوجيه والتعليم كله على الأم، لابد أن تقوم الدولة بمساعدتها ومساندتها، فنحن فى حاجة إلى ضمير جمعى ينقذ شبابنا من الفوضى والخواء الفكرى ليتفاعل مع أحداث مجتمعه، فلا تقوم الأم بمنع أولادها من الخروج وفى نفس الوقت هناك إغراءات خارجية تجذبهم، مما يحول الأمر إلى مشكلة بينهما، ولابد من استغلال هذه الظروف لتغيير أسلوب حياتنا للأفضل وتغيير بعض المفاهيم المغلوطة التى تعودنا عليها، وممكن مع الدراسة الالكترونية التى تتم من خلال خدمات الانترنت أن يقوم المدرسون ومديرو المدارس والجامعات بإرسال تعليمات وتوجيهات ونصائح يلتزم بها الطلاب، لأنه أحيانا يستجيب الشاب لأساتذته أكثر من والديه.
وأضافت أستاذة علم الاجتماع أنه لابد من منع الوجود بالكافيهات والمولات لمنع التجمع والاختلاط، ففى جميع دول العالم لا يمكث الشباب لساعات متأخرة من الليل فى الشوارع، ففى كندا وهى واحدة من أقوى دول العالم لا يمكن الوجود فى الشارع بعد السابعة والنصف مساء، وفى ألمانيا لا يمكن أن يظل الشباب فى الشارع بعد الساعة التاسعة والنصف مساء، وفى فرنسا إذا وجدوا طفلا يسير مع أمه فى الشارع الساعة 11 ليلا تقوم الشرطة بسحبه من الأم، لأنها تعتبر غير أمينة عليه، ولابد أن يكون لدينا المهارة الفكرية والثقافية لنستغل هذه الأزمة لتغيير العادات السيئة التى أصبحت جزءا من حياتنا.
من جانبه، أكد اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة عدم التهاون فى تطبيق قرارات حظر «الشيشة» بالمقاهى والكافيتريات فى نطاق المحافظة وعدم استخدامها تحت أى مسمى.
وحث المواطنين على البعد عن التجمعات وأماكن الزحام قدر المستطاع، وإيقاف جميع الندوات والتجمعات العامة والخاصة ذات الكثافة العالية، حرصا على صحتهم، مشددا على تفعيل وتكثيف حملات التوعية بالفيروس بجميع القطاعات بالمحافظة وكيفية الوقاية من الفيروس، لافتا إلى أنه تم غلق ما يقرب من 30 مركزا تعليميا حتى الآن بأحياء الدقى والعمرانية والهرم والطالبية وجار تكثيف الحملات لغلق باقى المراكز.
رابط دائم: