فى 18 مارس من كل عام، تحتفل مصر بيوم الطبيب، الذى يوافق ذكرى افتتاح أول مدرسة للطب فى مصر والشرق الأوسط بأبى زعبل فى عام 1827، والتى تم نقلها فيما بعد لتصبح مدرسة الطب بقصر العينى عام 1837م. ويحل يوم الطبيب هذا العام فى ظل ظروف بالغة الصعوبة حيث تواجه مصر وباقى دول العالم فيروس «كورونا»، بينما يقف الأطباء فى خطوط المواجهة جنودا بواسل لتقديم كل مساعدة ممكنة.
وتحت عنوان العيادة؛خصصت مجلة «فنون»، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتى يرأس تحريرها د.حاتم حافظ، عددها الجديد لهذا الشهر للاحتفاء بالطبيب المصرى وبمهنة الطب عامة، مقدمة قراءة جديدة تعيد فحص الطب تحت المجهر لتكشف تقاطعاته مع الأدب ومختلف الفنون عبر التاريخ. واختارت المجلة د.مجدى يعقوب ليكون شخصية العدد.
فى البداية تستكشف «فنون» كيف تغيرت صورة الطبيب فى الدراما من الصورة الساذجة إلى الاستغلال الأمثل، راصدة هذا التغير وملامحه فى الدراما الأمريكية، لتنتقل بعد ذلك إلى الدراما المصرية لترصد صورته فى أفلام خيرى بشارة. وتحاول فك شفرة لغة الجسد وكيف أصبحت مهارة ضرورية يجب أن يمتلكها الطبيب للتواصل الجيد مع مرضاه ، خاصة أنها تحدد فى كثير من الأحيان مسار العلاج. وفى بحث متميز؛ تغوص المجلة عبر التاريخ لتتبع جذور العلاقة التاريخية بين الطب والفن على مدى 500عام من الإبداع بصحبة الريشة، لتؤكد رسوخ تلك العلاقة وتطورها منذ تأثر الفن بتطور علم الطب والتشريح ليصبح ذلك موضوعا للوحات الفنية عام 144 فيما يمكن وصفه بـ «الفنون الطبية البيولوجية المبكرة»، حيث مزج فنانون كبار الدراسات التشريحية مع رسومهم، وفى عصر النهضة كرس ليوناردو دافنشى الكثير من فنه للرسوم التشريحية، التى ساعدت فى دراسة الهيكل العظمى والعضلات، وكذلك مزج الفنانون الرسوم وألوانها وتشكيلاتهاالإبداعية، بالتعبير عن المركبات الكيميائية والدوائية،مما سهل دراسة العلوم الدوائية، بل إن الفنون ألهمت الأطباء ابتكار مركبات طبية ودوائيةجديدة، ورصدت اللوحات تطور مهنة الطب لتصبح شاهدة وموثقة لأهم معالم الثورة العلمية فى القرن الثامن عشر.
وتستكشف «العيادة» الحالة البصرية بين الطب والفنون والعلاقة بين الألوان وتأثيراتها القوية ودلالاتها على تشخيص الأمراض، وكيفية توظيفها فى العلاج، وسر ارتداء الأطباء للمعطف الأبيض، ورمزيته وتاريخه، لتتبع بعدها تاريخ وتطور أزياء الأطباء عبر العصور المختلفة. وعن فنون التصميم وعبوات الأدوية، تتوقف المجلة لتعرض تطور شكل حبة الدواء وتطور تصميم عبوات الأدوية لتبرز كيف اختلفت الدعاية والتصميمات للأدويةكثيرا عن الماضي. وإلى تصميم المستشفيات والعيادات؛ ترصد «فنون» كيف يتم توظيف فن الهندسة المعمارية لتصميم المستشفيات وتأثير ذلك على نسب الشفاء وسلوك العاملين والزوار فى المكان، وكيف يتم التخطيط للمساحات العلاجية باستخدام عناصرالتصوير والألوان.
تتجول بنا المجلة فى متحف نجيب باشا محفوظ ، الذى يقع بقسم النساء والتوليد بكلية طب قصر العينى بجامعة القاهرة، لنستكشف ماهية المتحف الباثولوجى الذى يحمل اسم الطبيب المصرى الفذ، الذى تخرج فى مدرسةالطب عام 1902 ، ليؤسس أول قسم لأمراض النساء والتوليد فى مصر، ويكتسب شهرة كبيرة بسبب نجاحه فى إجراء العديد من عمليات الولادة المتعسرة، ولعل أشهرها عملية ولادة الأديب نجيب محفوظ عام 1911 والذى أسماه والده على اسم الطبيب عرفانًا وتقديرًا لدوره فى إنقاذ حياته. تتجول المجلة بالصور فى المتحف الذى تم تطويره أخيرا بعد سنوات عانى فيها الإهمال، لتلقى الضوء على مقتنياته من العينات الطبية النادرة المحفوظة منذ بداية القرن العشرين، التى تجعله المتحف الأقدم والأول من نوعه فى مصر وإفريقيا والشرق الأوسط والوحيد المتخصص فى أمراض النساء.
وتحاول بناء خارطة لفهم ذاكرة الجسد ومسارات التعافى النفسى له، وعلاقة ذلك بالتأمل والرقص . وتتوقف عند تجربة أوروبية فى استخدام العزف الحيّ للموسيقى بدور الرعاية لتكشف كيف أصبح للموسيقى دور أساسى فى علاج بعض الأمراض مثل التوحد والاكتئاب. وعن العلاقة بين فيروس «كورونا» وسلسلة سافارى التى كتبها الراحل أحمد خالد توفيق، تستكشف كيف ألهم الطب الأدب ليصبح مادته الرئيسية. وتتبع أيضا تاريخ ظهور العيادة فى المجتمع المصرى مع صعود الرأسمالية التى تزايدت معها المستشفيات الخاصة ليتحول الطب من مهنة وخدمة إلى سلعة ووسيلة للكسب المادى قبل العلاج فى أوقات كثيرة. وتبحث المجلة أيضا فى أسباب ترك بعض الأطباء لمهنتهم وتحولهم لأدباء، كما تحاول الإجابة عن سؤل ماذا يقرأ الأطباء؟ وهل كل قراءاتهم عن مهنة الطب، أم يمكن أن تكون لهم اهتمامات أخرى وماهى؟. تحفل المجلة بالعديد من الزوايا الأخرى التى تعيد من خلالها استكشاف مهنة الطب ودور الطبيب وتطوره.
رابط دائم: