من السهل أن تجلس وتلاحظ، أما الصعب فهو أن تنهض وتعمل. تلك هى مقولة الروائي العالمي الفرنسي اونوريه دى بلزاك صاحب الكوميديا الإنسانية أو ألف ليلة وليلة الغربية كما كان يروق له أن يسميها.
ولد في مايو عام 1799، قبل بضعة أشهر من قيام نابليون بونابرت بانقلابه الشهير الذي أدى إلى إغلاق مرحلة الثورة الفرنسية وبداية عهد إمبراطوري جديد بقيادته، في مدينة تور الواقعة على نهر اللوار وسط فرنسا، في واحدة من أجمل المناطق ذات الطبيعة الساحرة. وقد درس بلزاك القانون في باريس من »1816ـ1819م« ولكنه لم يوفق في العمل في مجال دراسته .فقرر بعد ذلك أن يصبح كاتبا، ظهرت موهبته الأدبية مبكرا حيث بدأ في سن العشرين يكتب ـ مع أصدقاء ـ قصصا بأسماء مستعارة، كان من أبرزها تراجيديا لم يتمكن من نشرها هي كرومويل 1820م، وأخرى لم يستكمل مخطوطتها بعنوان ستيني وأتبعهما سنة 1822م بأعمال أكثر نضجا مثل وريثة بيراج وجان لويس ثم المئوية وكاهن الأردين وعلى هذا النحو المتسارع توالت أعماله بقوة وسرعة عجيبتين رغم حداثة سنه، فجاءت الجنية الأخيرة وآنيت والمجرم 1824م ثم شفرة المستقيمين وأعمال أخرى كثيرة.
ورغم أنه توفي في سن مبكرة عن عمر ناهز 51عاما، الا أنه ترك بصمة كبيرة في الأدب الفرنسي برواياته التي تتعدى الـ91 رواية، بالإضافة إلى 137قصة قصيرة وكان روائياً وكاتباً مسرحياً وناقداً أدبياً وناقداً فنياً أيضاً، كما اشتهر بكونه كاتباً صحفياً، وقيل أيضا إنه كان من مدمنى العمل الأدبى مما أثر على وضعه الصحى. ويعتبر بلزاك من رواد الرواية الفرنسية، حيث إنه تناولها أيضا بجميع أنواعها، حيث ألف التحفة المجهولة في الرواية الفلسفية، وفي الرواية الخيالية ألف الجلد المسحور، وأيضاً في الرواية الشعرية ألف الزنبق في الوادى. وقد برع أيضاً في السياق الواقعى حيث ألف الأب جوريو، وأوجيني جراندى.
وتميزت واقعية بلزاك بقدرته على التقاط مشاهد الحياة العادية، وتحويلها الى أيقونات متناسقة لرؤية موحدة للحياة، مع تركيز خاص على القضايا الأخلاقية العاصفة التي كانت تهز المجتمع الفرنسى المفجوع بإخفاقات الثورة التى تحولت من حلم للملايين، إلى وحش هائج يأكل أبناءه، رغم الشعارات البراقة التي حملتها في البدء، فكان بلزاك بذلك شاهدا على عصر التحولات بين أحلام القرن الثامن عشر وكوابيس التاسع عشر، ورومانسيته أيضا، وهى شهادة ثمينة سجلت أكثر من مرة، وجمعها في سلسلة من أعماله.
رابط دائم: