حصدت الأمراض المعدية عبر القرن الماضى أرواح ٥٠٠ مليون إنسان، وتميل الكثير من النظريات إلى أنها بسبب الإطلاق المتعمد لهذه الأمراض. ومن هنا ظهر مصطلح «الحرب البيولوجية» الذى يعد ضمن أسلحة الدمار الشاملة. وخطورتها ناتجة عن سهولة الحصول عليها ونقلها، وضآلة حجمها ونتائجها الكارثية. وعادت نظريات المؤامرة تطفو بقوة مجددا هذه المرة مع الشهر الأول من عام ٢٠٢٠، وتفجر الجدل بعد انتشار فيروس كورونا. فعلى الرغم من التأكيدات الرسمية بأن الفيروس انتشر لأسباب تتعلق بالعادات الغذائية الصينية الغريبة، إلا أن هناك قرائن تجعل الكثيرين يشككون فى هذه الرواية.
والحرب البيولوجية هى الحرب التى تستخدم فيها الفيروسات والجراثيم والاوبئة المصنعة كسلاح ضمن حرب كبرى. وهى تختلف عن الأسلحة الكيميائية أو النووية، وتعتبر جزءا من الأسلحة التى تلجأ إليها الدول لتحقيق مصالحها عبر الحروب. ومن الطبيعى فى هذا السياق أن نعلم أن الولايات المتحدة بدأت برنامجها للأسلحة البيولوجية منذ الحرب العالمية الثانية. ومع التقدم فى هذه الأسلحة وتكرار استخدامها، ظهر مصطلح الإرهاب البيولوجي. وبحسب موسوعة «بريتانيكا» فإن الاستخدام المباشر للأمراض المعدية والسموم ضد العدو هو ممارسة قديمة فى الحروب. ففى العديد من النزاعات، كانت الأمراض مسئولة عن الوفيات أكثر من جميع الأسلحة القتالية المستخدمة مجتمعة.
ومع تركز فيروس كورونا فى بعض الدول أكثر من غيرها، ظهرت أيضا عدة قرائن تدعو إلى التفكير مليا فى صحة نظريات المؤامرة المختلفة التى يردد بعضها بأن الفيروس يهدد بشكل خاص الدول التى تنافس الولايات المتحدة بشكل واضح أو تثير قلقها البالغ على رأسها الصين وإيران. وتقول تقارير إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الحروب العسكرية والميدانية. وبالتالى، فإن الحرب البيولوجية تكاليفها أقل ويمكن أن تحقق أهدافها بالنسبة لأمريكا. وهو ما يعزز الحرب الاقتصادية بين واشنطن والصين التى تأتى فى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة كأقوى اقتصاد فى العالم، الأمر الذى أرهق إدارة دونالد ترامب وألقى بثقله على الانتخابات المقبلة. وفى المقابل ورغم الإعلان عن الإصابات فى دول مجاورة للصين لكنها ليست بنفس الحجم مثل الهند وباكستان وغيرها من دول شرق آسيا وجنوبها المكتظة بالسكان. وكشف خبراء آخرون عن أن الأمريكيين اختاروا مدينة ووهان الصينية لنشر الفيروس الجديد لأن فيها معهدا متخصصا وهو الأكبر من نوعه لعلم الفيروسات، مما يؤمن لهم الغطاء الكافى لاستكمال خططهم. وبالنسبة لإيران فيتضح أن التوجه الإعلامى يركز على عدم قدرتها على مواجهة أزمة مثل هذه، إضافة إلى توجيه الاتهامات لطهران بأنها تنشر الفيروس فى المنطقة. ومن القرائن الأخرى هى ما كشفه خبراء من أن الولايات المتحدة لديها بالفعل ١٢ مختبرا تصنع وتطور وتعزل الفيروسات تحت رعاية إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والقيادة الطبية فى الجيش الأمريكي. ومن الغريب أيضا انتشار الفيروس بشكل خاص بين المسئولين فى إيران أكثر من المواطنين العاديين. أضف إلى ذلك، الشكوك الروسية حول وجود مختبرات الأبحاث البيولوجية الأمريكية فى عدد من الدول، مثل جورجيا وأوكرانيا وأوزبكستان، على الرغم من توقيع أمريكا اتفاقية جنيف بشأن الأسلحة البيولوجية فى ١٩٧٥. ولا ننسى النظرية التى غالبا ما تتردد فى هذا الشأن وهى التحكم فى تصنيع الأدوية المضادة واللقاحات والأمصال مما يجعل الأمر يتحول إلى مافيا تتصارع فيها شركات الأدوية.
لكن هذه النظريات تواجهها نظريات مضادة، تزعم أن الصين هى من صنع هذا الفيروس فى مختبراتها السرية ليكون سلاحا بيولوجيا، وأطلقته عن طريق الخطأ، كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» فى إحدى مقالاتها. ويدعم هذه النظرية وجود المعهد المتخصص فى الفيروسات فى مدينة ووهان لكن لا يوجد دليل على هذا الادعاء.
ومع ذلك،أليس ثمة خطر حقيقى بأن ينتشر فيروس مشابه فى كل بقاع العالم؟ ألم تؤثر الإنفلونزا بشدة على الأرض عام ١٩١٨، حيث تعدى عدد الوفيات عتبة الـ٥٠ مليونا خلال ١٨ شهرا، وفاق عدد من ماتوا فى الحربين العالميتين، الأولى والثانية؟ وهذا يجعلنا أمام كارثة من نوع جديد وليست سلاحا بيولوجيا، بل هو تحول كبير فى النشاط الفيروسى على كوكب الأرض الأمر الذى يهدد بإشعال غضب الطبيعة، ليدفع الإنسان الثمن.
رابط دائم: