رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«حريم النار».. عودة لفن التمصير

محمد بهجت
مشهد من عرض «حريم النار» [تصوير ــ السيد عبدالقادر]

نهض المسرح المصرى فى عشرينيات القرن الماضى لأسباب عديدة من أهمها نشاط حركة الترجمة والتمصير من المسرح العالمى.. فقام بديع خيرى وأمين صدقى وغيرهما بتحويل كثير من المسرحيات الأجنبية وخاصة الفرنسية إلى الفرق الكوميدية المنتشرة ومن أهمها بالطبع فرقة الريحانى والماجيستيك لعلى الكسار كما قدم جورج أبيض وعزيز عيد ويوسف وهبى الكثير من الأعمال التراجيدية سواء مترجمة مع الاحتفاظ بالأسماء والروح الأصلية للعمل أو ممصرة بعناية بحيث تبدو شديدة التماس مع البيئة المصرية

فعلى سبيل المثال مسرحية «السكرتير الفنيى التى أدى فيها الريحانى ومن بعده فؤاد المهندس شخصية ياقوت أفندى هى فى الأصل توباز لمارسيل بانيول وحتى اسم البطل ترجم ليحمل معنى الحجر النادر من توباز إلى ياقوت.. وأيضا سيدتى الجميلة اقتبسها ومصرها المبدعان سمير خفاجى وبهجت قمر عن نص بجماليون لبرنارد شو والذى تحول إلى فيلم سينمائى شهير يحمل عنوان ماى فير ليدى أى سيدتى الجميلة.. والعبرة هنا فى جودة وروعة التمصير وإكساب النص الأجنبى الروح والطبيعة المصرية بحيث يبدو للمشاهد وكأنه نص مؤلف.. ولعلنا نتوقف بالدهشة والإعجاب أمام ترجمة اسم الرجل الغجرى ليتل مان ويعنى الشىء القليل إلى بعضشى.. وهو اسم منحوت من الحارة المصرية ودال بدرجة كبيرة على طبيعة الشخصية.

لعل هذه المقدمة الطويلة يستحقها الكاتب المبدع شاذلى فرح الذى حول مسرحية بيت برنارد ألبا إلى عرض شديد المصرية منتم بكل تفاصيله إلى مجتمع الجنوب أو الصعيد الجوانى فى مسرحية حريم النار.. وهو أمر لا يستطيعه إلا مؤلف خارج من هذه البيئة ملم بتفاصيلها وعادات أهلها وقيمهم.. واختيار النص نفسه فيه ذكاء شديد لانتمائه إلى جنوب إسبانيا حيث رصد الشاعر العبقرى «لوركا» تزمت الأسرة الجنوبية التى يرحل عائلها وتعانى الفتيات فيها من التضييق وكبت الحرية والصراع مابين التقاليد المتوارثة ومابين تطلع الأجيال الشابة إلى التغيير والانطلاق وهو ما ينطبق على الصعيد الجوانى المصرى ربما أكثر من المجتمع الأصلى للمسرحية فى جنوب إسبانيا.. وأجاد شاذلى فرح فى رسم الشخصيات المتنوعة لبنات عائلة فتحية شلجم أو عايدة فهمى الأم المتسلطة التى تمثل القسوة والقهر وتتحكم فى مصائر أفراد البيت جميعهم بإشارة من يدها.. وكعادتها تألقت عايدة فى تجسيد الشخصيات الصعبة والمركبة وأكدت أنها واحدة من غيلان المسرح المصرى المعاصر بحضورها وقدرتها على التلوين الصوتى وخطف الأنظار بكاريزما فنية خاصة.. كما أجادت منال زكى أداء دور الخادمة المقيمة فى بيت شلجم والتى تحل تناقضا بين انكسار المرأة الفقيرة وحاجتها إلى العمل وبين حقد دفين فى أعماقها يظهر فى رغبتها الانتقامية من صاحبة البيت خلال أزمتها مع بناتها

وقدمت أميرة كامل دور الابنة الثرية التى ورثت من أبيها ومن وصية زوج أمها وصارت مطمعا للعرسان.. بينما أدت نسرين يوسف دور الابنة المتمردة الراغبة فى الحصول على حقها فى الحب والسعادة دون اعتبار لأحد وقامت نشوى إسماعيل بدور الأخت الناقصة الكيادة التى تعاير كل واحدة من أخواتها بما تفتقر إليه وظهرت كريستين عشم فى دور الفتاة الصغرى الساذجة المهتمة بالمزاح والضحك والأكل وغير مكترثة بما يدور حولها من صراعات وأطماع.. وأخيرا قدمت عبير لطفى نموذجا للفتاة المحبطة المستسلمة والباحثة عن لحظة فرح ولو عن طريق تفصيل ثوب العرس لغيرها.. والحقيقة أن الندية والتكافؤ بين مجموعة الفنانات المبدعات والخليط الذى مزج بين الخبرة الفنية والرغبة فى تأكيد الذات قد أدى إلى مباراة تمثيلية رائعة ربحها بالطبع جمهور العرض وأدارها بذكاء المخرج الشاب محمد مكى والذى لجأ إلى ديكور موحى وبسيط من الدكتور محمد سعد وملابس تحمل بساطة وجمال أزياء فتيات الجنوب مع الحفاظ على حالة الحدود التى يفرضها العمل وصممت الملابس شيماء محمود كما استطاع المخرج أن يخفف من حدة ومأساوية العرض باستعراضات صممها محمد ميزو ولحنها محمد حسنى وقدم فى النهاية تجربة فنية راقية جديرة بالمشاهدة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق