أليس من المثير للريبة، اختزال المرأة فى دور الزوجة العفيفة، أو المرأة التى تفتن الرجال فقط، ألا يمكن للمرأة أن يكون لها أدوار أخرى فى السياسة، والفن، ومجالات الإبداع المختلفة، حتى وإن كانت ذات زوج، وأطفال؟!.. هذه هى الرسالة العامة التى يحملها كتاب «نساء رفضن عبادة الرجل»، الصادر عن دار الكتب، للكاتب حمودة إسماعيلي، مستكشفا كيف قاومت بعض النساء سيطرة الرجل والمجتمع الذكوري، كلٍ على طريقتها الخاصة.
يستعرض الكتاب نماذج ملهمة من كتابات العديد من الكاتبات، اللائى حملن قضايا المرأة كثيرا على رأس نضالهن الفكري، أمثال مى غصوب، رجاء بن سلامة، جمانة الحداد، نوال السعداوي، فاطمة المرنيسي، ابتهال الخطيب، راندا قسيس، وفاء البوعيسي، سناء العاجي، سعاد الصباح، سيمون دى بوفوار. ويستهل بمناقشة مفهوم العبودية بصفة عامة، داعما عرضه بمقولة جمال الدين الأفغانى بأن «العبيد هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيد، بحثوا عن سيد آخر». يبرز الكتاب تصنيف سيمون دى بوفوار لجميع النساء شرقا وغربا، بالمرأة التقليدية، ربة المنزل، المتمسكة بتقاليد العائلة والطقوس الدينية، والمرأة الاستعراضية، التى تستخدم مفاتنها لجذب الرجال رافضة حياة البيت، والمرأة الحديدية، المعتمدة على نفسها، المدافعة عن حقوقها، المشاركة كفاعلة سياسية، والمرأة المبدعة، الأكثر توازنا، التى تحاول تغيير المجتمع عبرإبداعها، والمرأة المسترجلة، التى تقلد الرجل فى كل شيء لنفى صفة الضعف التى ألحقت بها كأنثي.تقف كل هذه التصنيفات فى مقابل نوع واحد فقط لا يتغير من الرجال على مر الزمان، وهو الرجل الذى يحاول النجاح، والعناية بأسرته، على اختلاف طبقته الاجتماعية، باعتبار أنه لا ينقصه شيء، ولا يحتاج إثبات أى شيء للمجتمع. وتؤكد الكاتبة رجاء بن سلامة أن النظام الاجتماعى عموما، يرتب الفوارق بين الرجل والمرأة، وبين المرأة الكاتبة، والرجل الكاتب، وفى مسعى قولها إن الإبداع لا جنس له. ويعرض رأى الروائية فاطمة المرنيسى حول دور المرأة المختفى دائما من التاريخ، وأحداثه، إلا من دور المحرض على حرب، مثل حرب طروادة، لكن ليس دور المشارك الفاعل، موضحة أن الصراعات فى الدولة الإسلامية كانت كلها حول الخلافة التى لاينبغى أن يحوزها سوى رجل، لكن الكاتبة تبرهن بحديثها عن أن هناك أسماء نسائية لعبت أدوارا مهمة فى التاريخ، لكن تم تنحيتهن من كتب التاريخ عمدا. أما الكاتبة نوال سعداوي، فخلصت كتاباتها إلى أن الرجل دائما يحتاج ليؤكد رجولته دائما، وقد نتفق مع الكاتبة نسبيا فى هذا الرأى خاصة بالنسبة للرجل الشرقي، الذى يخشى حدوث أى شيء يهدد رجولته وسيطرته الذكورية. ويختتم الكتاب بأشعار الكاتبة الكويتية سعاد الصباح التى يعرضها كنموذج متوازن من النساء اللاتى نجحن فى التفوق بعملهن، دون التخلى عن أنوثتهن فى الطريق، لكن يجب أن نذكر أى نوع من الرجال تزوجت، فقد كانت دائما تصف زوجها فى كل كتاباتها بالفارس النبيل من آل الصباح.
كثيرا ما يضع أى باحث فرضية معينة، يسعى لإثباتها، متجنبا كثيرا من الشواهد التى تثبت عكس فرضيته، ويبدو أن الكاتب قد وقع فى هذا الخطأ حيث قام بتفسير الكثير من المقولات المتداولة للدلالة على حتمية قمع الرجل للمرأة، فى حين أن التاريخ يزخر ببطولات نسائية غير قليلة، فى كل المجالات، وأولهما المجالات التى كانت حكرا على الرجال مثل قيادة الجيوش، ونلمس هذا فى تفسيره، لمقولة: إن «خلف كل رجل عظيم امرأة»، ففى حين أنها تعنى أن المرأة هى راعية الرجل فى طريقه للنجاح، فسرها الكاتب بأن كل رجل أصبح يسعى لوضع امرأة خلفه، ويتصدر هو المقدمة، حتى يؤكد عظمته!.
رابط دائم: