ما بين وصم حواء بأنها «خلقت من ضلع أعوج» وما بين وصمها بأنها «سبب طرد آدم من الجنة»، والزعم بأن المرأة سبب كل بلاء يحل بالرجل، وأن الشيطان أحيانا يتجسد بصورة امرأة بسبب قدرتها على الإغواء، ظلت الأساطير والخرافات تنسج حول المرأة فى جميع الثقافات والأديان لتتحول إلى موروث اجتماعى شكل بدوره جزءا كبيرا من الوعى الاجتماعى تجاه المرأة والنظرة لها فى كثير من الثقافات.
فمنذ الأزل كانت الخلافات واسعة حول سيرة أم البشر «حواء» وكيفية خلقها، سواء فى النصوص المقدسة بالديانات الثلاث وتفسير هذه النصوص، التى تختلف باختلاف المذاهب وداخل المذاهب الرئيسية نفسها وعن كيفية خروجها من آدم عليه السلام، هذه الموضوعات كلها ظلت موضع حيرة بين العلماء والمفسرين والروايات ما بين الحقيقة أو جزء من الحقيقة أو الاساطير والقصص الخرافية التى لا تستند على أى مصادر موثقة.
هذا الجدل تطرق إلى بعض منه الكاتب محمد أنور نويلاتى فى كتابه «أمنا حواء بين الاساطير والأديان والعلم»، الصادر عن دار رؤية، داعيا للتريث عند الحديث عن سيرة (أمنا حواء) وتفهم موقف العلماء وحيرتهم حول مكان حياتها ومماتها الذى لم تذكره النصوص المقدسة ، منتقدا التزمت لفكرة ما عند الحديث عن حواء تعمل على الإيمان المطلق بفكرة دون حجة ودون إعمال العقل فى صحة ما يعتنقه الفرد، ولفت إلى أن القبول بقوالب فكرية معتمدة على حرفية النص غير المقدس والثبات عليها يوصل الفرد لحالة انفصال عن الواقع.
ويشير إلى بعض القناعات ببعض الكتب المقدسة حول خلق حواء من ضلع آدم وهو نائم ، كما ورد فى سفر التكوين، لافتا إلى أن الوضع يختلف فى الإسلام رغم أنه لا يوجد نص صريح بذلك الخلق من الضلع، حيث اختلف المفسرون حول كيف خُلقت حواء من نفس واحدة كما ذكر الله تعالى فى كتابه العزيز «هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها» ـ (سورة الأعراف الآية 189). واللافت أن الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية أجمعت على أن «حواء» تمثل قمة الجمال الروحانى والطهارة والنقاء الربانى ، لأنها خُلقت بأطهر بقعة وكانت فى العشرين من عمرها هى وآدم عند خلقهما ، وتتفق هذه الكتب على أن جمال حواء لم تصله أنثى من البشر ولن تصله أبدا. ويرى الكاتب أن سيرة «أمنا حواء» عانت التشويه والتوجيه المتعمد فى مختلف الشرائع والثقافات وبعض الديانات، والكثيرون يجنحون لتبسيط هذه السيرة وروايتها على شكل حكاية طريفة.
على جانب آخر، كان هناك تصور دينى واجتماعى ببعض الثقافات ارتبط بعبادة الأنثى التى كانت موضع حب ورغبة وخوف ورهبة، وظل مفهوم الأم كحجر الزاوية فى المجتمع الأمومى، حيث بداية التجمعات الإنسانية منذ بدء التاريخ، وبرز توافق على أن عبادة الأنثى امتدت لأرجاء الأرض بمختلف الثقافات، فكانت عبادة أممية عالمية، ولعل أبرز دليل على ذلك هو تقسيم الآلهة الأنثوية عبر العصور، منها آلهة الخصوبة مثل «هيرا» والآلهة المقدسة المسئولة عن هبة الحياة، وآلهة التدمير المسئولة عن الدمار الهائل.
الكتاب فى مجمله يقوم بسياحة ثقافية حول حواء وتاريخ الأنثى على الأرض عبر العصور، وهو تاريخ شكل فى جوهره جزءا كبيرا من نظرة المجتمعات والثقافات المختلفة للمرأة ومكانتها، وأبرز كيف كان تكريم الإسلام للمرأة ووضعها فى المكانة اللائقة بها فى المجتمع الإنساني.
رابط دائم: