هو سفير ليس فى حاجة إلى مقدمات، فهو مصرى المولد، وعاشت أسرته فى مصر مائة عام، وعلاقات بلاده مع القاهرة فى أوجها، فى شتى المجالات، وبخاصة مجال الطاقة الواعد، والزيارات واللقاءات المستمرة بين قادة كل من مصر واليونان، والتناغم الدائم بين البلدين، كلها أمور ليست فى حاجة إلى شرح. ولهذا، كان هذا الحوار مع نيكولاس جاريليديس سفير اليونان بالقاهرة:
ولدت هنا فى مصر، ما هو تأثير ذلك على حياتك بشكل عام؟
بالفعل، لقد ولدت فى مصر، وعاشت عائلتى هنا 100 عام فى مصر، لقد كنت مفتونًا منذ طفولتى بالتراث الثقافى الغنى لمصر على مر العصور المختلفة مثل الفرعونية والهلنستية والرومانية والبيزنطية والإسلامية والقبطية، وأردت أن أصبح عالم آثار، وكان هذا هو حبى الأول الذى لم يتحقق فى حياتي، لكن زوجتى تعمل حاليًا كعالمة آثار فى اليونان، وزارت مصر عدة مرات.
مصر واليونان لديهما علاقة فريدة من نوعها على مدى التاريخ، ما هى الخطط الحالية لتوطيد العلاقات بين البلدين؟
هناك الكثير من مجالات التعاون بين مصر واليونان، مثل البرامج منخفضة أو مرتفعة التكلفة فى مجال الثقافة والأثرية، ويمكننا بالطبع البدء بمشروعات ذات ميزانية منخفضة ثم يمكن زيادتها لتصبح كبيرة، وفى قطاع الطاقة الجميع رابح وسوف يتطور بالتأكيد، وفيما يتعلق بقطاع الاستثمار، نرحب بالمستثمرين فى البلدين، لكن علينا تسهيل أنشطتهم من خلال تبسيط الإجراءات البيروقراطية وجذب المزيد من الاستثمارات، ويهتم الكثير من رجال الأعمال اليونانيين بالاستثمار فى مصر لأسباب عديدة مثل العلاقات السياسية الممتازة بين مصر واليونان، ودعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لهم، وأيضا شخصية الشعب المصرى الودية وروح الصداقة، ويوجد بالفعل الكثير من رجال الأعمال المصريين فى اليونان، وقد اشترى العديد من المصريين شققا وفيلات فى أثينا أو خارجها، ويصل عدد المصريين الذين يعملون حاليا فى اليونان إلى حوالى مائة ألف شخص.
ما هى الخطط والأنشطة المستقبلية لتعزيز التعاون المشترك بين مصر واليونان؟
ستكون اليونان ضيف الشرف فى معرض الكتاب، الذى ستنظمه مكتبة الإسكندرية فى أبريل المقبل 2020، وستكون أيضًا ضيف شرف فى المعرض الدولى القادم للكتاب فى القاهرة العام المقبل، ونحن نعمل أيضًا على تنظيم زيارات رسمية، فعلى سبيل المثال، زار وزير الطاقة اليونانى مصر مرتين خلال الأشهر الستة الماضية، وزار وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا اليونان أيضا، لذلك يوجد تبادل مستمر للزيارات وتعاون وثيق فى قطاعات مهمة مثل الطاقة والآثار والثقافة.
تنظم سفارة اليونان فى مصر العديد من الأنشطة الثقافية، وتشارك فى الكثير من الفعاليات التى تسهم فى ازدهار العلاقات بين البلدين، ما أبرز هذه الفعاليات فى رأيك؟
ننظم سلسلة من الأنشطة من خلال المركز الثقافى اليونانى فى القاهرة والمركز الثقافى اليونانى فى الإسكندرية، وهو فرع من المؤسسة اليونانية للثقافة، ونشارك أيضًا فى المهرجانات التى تنظمها وزارة الثقافة المصرية مثل مهرجان القاهرة السينمائى ومهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى والمهرجان الدولى للطبول ومهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة والمهرجان الدولى للفنون الشعبية، ومن أهم النشاطات منتدى الأدب الدولى الذى يعقد كل عامين تحت اسم الشاعر اليونانى الكبير «قسطنطين كافافيس» المولود فى الإسكندرية، وتتعاون السفارة مع دار الأوبرا المصرية فى تنظيم حفلات موسيقية للمطربين اليونانيين، كما تقام أيضا العديد من الندوات والمعارض بهدف تسليط الضوء على الثقافة اليونانية وتاريخ الجالية اليونانية فى مصر، وتنظم السفارة أيضًا ورش عمل للأفلام القصيرة والعديد من الحفلات الموسيقية، أما تنظيم دورات اللغة اليونانية فيعد من أحد أهم الأنشطة فى المراكز الثقافية بالقاهرة والإسكندرية.
لدى اليونان خبرة جيدة فى مجال إعادة التدوير والحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، كيف يمكن أن نستفيد من هذه التجربة؟
لا يمكن إنجاز شيء كبير خلال 24 ساعة فقط، لقد بدأنا هذا البرنامج فى التسعينيات، يجب توعية وتدريب الأشخاص لرفع الوعى حول هذه المشكلة، إنه ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى وقت. كوكبنا مكتظ بالسكان ويعانى من شدة الحرارة، لذلك يتعين علينا حمايته من أجل تأمين بقائنا، عملية إعادة التدوير ليست أمر ترفيهيا، بل هى وسيلة للبقاء على قيد الحياة لجميع البشر، الأكياس أو المنتجات البلاستيكية التى يمكن العثور عليها فى المحيط هى فى الواقع سم تأكله الأسماك، وفى النهاية ستكون الأسماك الصالحة للأكل نادرة للإنسان، لقد بدأنا الطاقة النظيفة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتى بدأت فى مصر بالفعل، هناك برنامج جيد جدا فى كلا البلدين لاستبدال الطاقة التى نحصل عليها من الغاز الطبيعى بنسبة 20 أو 30 فى المائة على الأقل من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وبالتأكيد سوف نحقق المزيد من التقدم.
حققت مصر العديد من الإنجازات والإصلاحات الاقتصادية الناجحة، ما رأيك فى ذلك؟
لقد حققت مصر تقدما كبيرا، أستطيع أن أرى الإنجازات فى كل مكان، فى المشروعات الكبرى والمصانع والمدن الجديدة والصناعة، وأحد أكبر المشروعات هو المتحف المصرى الكبير، فمصر على الطريق الصحيح، بهرتنى مدينة العلمين فهى ضخمة وفخمة جدا، نحن جميعا بحاجة إلى التركيز والعمل من أجل مستقبل أطفالنا، للتأكد من أنهم يتمتعون بالتجربة الجيدة التى مررنا بها نحن فى شبابنا، مثل السباحة فى بحر نظيف وتناول طعام جيد.
التعاون بين البلدين فى مجال التجارة والاستثمار قوى جدا، ما هى القطاعات الرئيسية المحتملة النمو؟
على الصعيد الاقتصادي، زاد حجم التجارة الثنائية لدينا بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وبلغ حجم التجارة الثنائية 1,78 مليار يورو فى عام 2018، مقارنة بـ 427 مليون يورو فى عام 2007، وفى عام 2019، بلغت الصادرات اليونانية إلى مصر 942,6 مليون يورو، فى حين بلغت الصادرات المصرية إلى اليونان 842,6 مليون يورو، وفقًا للبيانات الحديثة الصادرة عن هيئة الإحصاء اليونانية، وتعد مصر الوجهة الأولى للاستثمار اليوناني، وتقدر حجم الاستثمارات اليونانية فى مصر بنحو 1,2 مليار يورو، فى حين أن المجالات الرئيسية للاستثمار اليونانى فى مصر هى صناعة الأسمنت واستكشاف النفط والغاز واستخراجهما والبناء وصناعة المواد الغذائية وصناعة مواد البناء والدهانات وإنتاج الألومينيوم والتوزيع والخدمات اللوجيستية وأنظمة الرى والبنوك والنقل البحرى والجوى وخدمات التدريب، وقطاعات التعاون الاقتصادى والتجارى الثنائى مع إمكانات نمو عالية هى الطاقة والنفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة وتكنولوجيا حماية البيئة والبناء ومواد البناء والزراعة والصحة، وتشمل المستشفيات والأدوية والمعدات الطبية، وكذلك السياحة والعقارات والأغذية وصناعة المشروبات وصناعة الأدوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والشحن وبناء السفن، والتعاون بين الموانى والنقل والخدمات اللوجيستية، وإدارة موارد المياه ومعالجة مياه الصرف الصحى وتطوير شبكات الصرف الصحى والرى وإدارة النفايات، والفرانشايز، بما فى ذلك الملابس والأثاث والفنادق ومحلات بيع الهدايا وسلاسل الوجبات السريعة.
ما هو رأيك فى التعاون بين مصر واليونان فى مجال الثقافة، وكيفية تطوير هذا التعاون؟
أنا سعيد جدًا بتبادل الزيارات لدراسة المزيد من التعاون فى مجال ترميم الآثار، فمن المهم جدًا الحفاظ على التراث الثقافي، اليونان متقدمة جدًا فى هذا المجال وأعتقد أن مصر متقدمة جدًا أيضًا بحيث يمكنها العمل معًا فى العديد من المجالات مثل الآثار تحت الماء أو ترميم القطع الأثرية المصنوعة من المعدن أو الرخام والسيراميك، وسأكون سعيدًا برؤية دراسات مشتركة يقوم بها علماء آثار مصريون ويونانيون حول تتبع التأثير المتبادل الذى تغير على مدى 4000 عام الماضية.
ماذا عن المحطات الدبلوماسية الخاصة بك؟ وكيف تصف تجربتك هنا فى مصر؟
انضممت إلى وزارة الخارجية اليونانية قبل 36 عامًا، وأنا سعيد جدًا، وشيء مؤثر أن أعمل فى المكان الذى ولدت فيه، فقد عملت فى موسكو عام 1988، ثم فى لندن لمدة أربع سنوات، ثم إلى ألبانيا لمدة عامين، ثم بغداد من عام 2002 حتى عام 2005، ثم إلى قبرص لمدة ثلاث سنوات، وفى إيران لمدة 6 سنوات ونصف، والثقافة اليونانية قريبة جدًا من الثقافة المصرية.
لقد عشت هنا وتعرفت على الفن المصري، من هم النجوم المصريون المفضلون لديك؟
يعجبنى النجوم المصريون الذين أبدعوا خلال فترة الستينيات والسبعينيات، فأحب إسماعيل ياسين، رشدى أباظة، حسين فهمي، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، سعاد حسنى والرائعة أم كلثوم.
تعد اليونان وجهة مفضلة للسياح المصريين خاصة خلال فصل الصيف، ولكن لديها أيضا سحر خاص فى فصل الشتاء، أخبرنا كيف تعد اليونان وجهة مفضلة على مدار السنة؟
هذا صحيح، جميعنا نحب اليونان فى الصيف، وهناك الكثير من الأماكن حيث يمكنك السباحة والاستمتاع بالشمس والبحر، وأيضا تستمتع بالمناظر الطبيعية من حولك، ويمكنك أن تجد بعض الجزر الكبيرة والمناطق التى تجمع بين الجبال العالية والمواقع الأثرية والبحر مثل جزيرة كريت، سانتوريني، رودس، ساموثراكي، وكذلك بعض المناطق فى بيلوبونيس، ومع ذلك، فى فصل الشتاء، يمكنك العثور على أماكن مغطاة بالثلوج مثل فلورينا، مع العديد من منتجعات التزلج فى العديد من المناطق، حيث تكون درجة الحرارة نحو - 10 أو لأكثر من شهرين، وهذا يجعل اليونان وجهة مفضلة على مدى السنة، كما تستضيف اليونان العديد من المهرجانات كمهرجان ثيسالونيكى السينمائى الدولى الذى سيقام فى نوفمبر المقبل، وتقام العديد من الأحداث والمعارض الكبيرة مثل معرض الكتاب.
لقد شاركت فى العديد من الأنشطة الثقافية هنا فى مصر، هل يمكن أن تخبرنا عن هذه المشاركة وكيف تصفها؟
زرت مكتبة الإسكندرية بالفعل عدة مرات، وقد تأثرت بها، وهى مثيرة للإعجاب للغاية، وكبيرة المساحة جدًا، وأتذكر كيف كان يقام فى الماضى المعرض الدولى للكتاب فى مصر فى الزمالك، حيث توجد دار الأوبرا المصرية الآن، وكنا نتطلع دومًا أنا وزملائى فى الدراسة لزيارة وشراء الكتب والاستمتاع بالمعرض الذى كان دائمًا يجذب الكثير من الزائرين. وتأثرت كثيراً بالطريقة التى تطور بها عندما زرت مؤخرًا المعرض الدولى للكتاب فى القاهرة الجديدة.
يوجد العديد من أوجه التشابه بين البلدين، أى مكان فى مصر يذكرك باليونان؟
فى الواقع ، لدينا نفس العقلية ونفس روح الفكاهة، يمكنك أن تجد تشابهاً كبيراً على طول الساحل حيث تشعر دائمًا بأنك فى منزلك، كما هو الحال فى العلمين والإسكندرية والساحل الشمالى وبورسعيد والسويس والعين السخنة، وذلك بسبب وجود البحر.
رابط دائم: