فى أول محاولة لى لعمل تحقيق كان الفشل من نصيبي، وكنت فى أول المشوار، وقد كلفنى رئيس قسم الأخبار بأن أذهب إلى منزل الأسرة التى فقدت اثنين من أبنائها فى حادث طائرة وكانا فى طريق عودتهما من مباراة فى لعبة الشيش، وبالفعل ذهبت ومعى زميلتى الراحلة ليلى القبانى إلى المنزل والذى وصفوه لى فى الجريدة وهناك قابلت أكثر من سيدة أم أو زوجة الشهداء من لاعبى الشيش وكانا قد نجحا فى مباراتهما وهكذا وجدت نفسى داخل منزل كله من السيدات أقارب وأهالى الشابين المتوفيين.
اعتقد أنها هى أول مرة أجد نفسى فى هذا الموقف الصعب.. بكاء حار وعويل وأيضا صراخ وإذا بى أنسى تماما ما كان المفروض أن أفعله فى هذه المهمة وإذا بى أنا أيضا أجهش بالبكاء، وكلما اقتربت من أى واحدة أجدها تصرخ وتبكى بصورة حادة فما كان منى إلا أن اندفعت معها فى البكاء وكلما زاد هذا البكاء، زاد أيضا بكائى أنا ثم أستأنف بعد حضور واحدة أى قريبة لهم تقريبا فتصرخ فى وجهى لأقوم أنا أيضا بالرد عليها بالمثل، أى بالصراخ والبكاء وأحاول تهدئة البعض ولكن بالطبع بلا فائدة خاصة بعدما قدمت للمجموعة مجموعة أخرى من الجيران أو أقارب الشهداء.. شهداء أبطال الشيش الذين ذهبوا للمباراة ولم يعودوا منها بعد حادث طائرة غريب. حاولت أستجمع شجاعتى وأحاول أن أسأل إحداهن لأحصل على المعلومة التى ما جئت إلا من أجلها.. لكن كان من الصعب التحدث مع أى منهن فما كان منى إلا أن استسلمت أنا الأخرى للبكاء مع زيادة الأعداد ولم أغادر المنزل إلا بعد أن وصلت الساعة إلى العاشرة والنصف مساء، والغريب أنه لا أحد من السيدات سألتنى من أنا أو قريبة من أو أعرف من من المتوفين.

بكاء أهالى المتوفين من أصعب المواقف التى يواجهها الصحفى
ذهبنا للجريدة لنجد الأستاذ ممدوح طه فى انتظارنا ولكن كانت المفاجأة له ولنا أننا لم نحصل على أى معلومة لا عن أسماء المتوفين ولا كيف كانت الرحلة, وكلما سألنى الأستاذ ممدوح طه كنت أرد بكلمة واحدة.. أنا كنت بأبكى يا أستاذ ممدوح وظللت أبكى حتى وصلت الجريدة، ليستغرب رئيس قسم الأخبار من إجابتى ليقول لى طب وبعد البكاء فأقول له بكيت تانى وكانت هذه هى أول مرة أحاول فيها عمل تحقيق لأننى ببساطة نسيت المهمة التى ذهبت فيها إلى هذا المنزل وانتهت المهمة ببكاء آخر فى مكتب الأستاذ ممدوح وكان مكتبه فى الدور الأول بالجريدة فى مبنى الأهرام القديم الذى كان فى باب اللوق.
أخيرا قال لى الأستاذ ممدوح طب كده كفاية بكاء أنت الآن فى الجريدة ولست فى منزل أبطال الشيش الذين توفوا فى حادث طائرة،
بعدها تعلمت كيف أبتعد بمشاعرى فى أى تحقيق أو أى عمل أشهد فيه هذا المنظر.
رابط دائم: