رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«من مكة إلى الميتاداتا» يثبت: علماء العرب سبقوا أوروبا بقرون

سهير طاهر

فى مقارنة بين الذاكرة التاريخية وعالم يستبد به تيار التغير التكنولوجى والاضطرابات السياسية والاسواق الاقتصادية؛ أصبح التاريخ شيئا غير محبوب ، نظرا لقدرته على استثارة ذكريات قديمة ومؤلمة عن أحداث جائرة فى الماضى . ومن المفارقات المأساوية أن الحضارة الاسلامية التى ساعدت على ارساء قواعد العالم الحديث تجرى قولبتها فى صورة حضارة رجعية فكريا، وزاد سوء الفهم بعد ظهور جماعات ارهابية متطرفة تدعى وجود تبرير لافعالها فى النصوص الدينية.

يأتى كتاب «من مكة إلى الميتاداتا..فكر القرن الحادى والعشرين عند قدماء العرب»، الصادر عن دار نهضة مصر، للدبلوماسى السابق مايكل هاميلتون مورجان بترجمة مروة عبد الفتاح ونيفين حلمي، ليرد الاعتبار للحضارة العربية الإسلامية، كاشفا كيف سبق علماؤها أوروبا بقرون، وذلك فى ظل تجاهل الغرب لأسماء علماء العرب والمسلمين واسهاماتهم وتلقين اجيالهم أن هذه التطورات يعود اصلها لكشوفات تمت فى أوروبا، والحقيقة ان الاسهامات العربية التى حدثت فى الاغلب كانت قبل 500 أو 800 عام من عصر الكشوفات الاوروبية ، مما اسهم فى تشكيل النظرة السلبية المغلوطة للثقافة العربية الاسلامية باعتبارها حضارة منغلقة فكريا ومنعزلة عن حركة الكشوفات الانسانية ، لافتا إلى أن كلمة «معرفة» بأشكالها ذكرت فى القرآن أكثر من 850 مرة أى فى المرتبة الثانية بعد لفظ الجلالة ، مما يدل على أن الاساس الدينى للإسلام ينطوى على اكتساب المعرفة عن العالم. كما أوضح أن الحضارة العربية الاسلامية تناولت مفهوم الاشراك المجتمعى والتسامح متمثلة فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض آيات القرآن .

ففى إشارة إلى نظرية التطور والانتخاب الطبيعى للانواع لتشارلز داروين التى نشرها فى 1858 ، كشف مورجان أن الفكرة نفسها تناولها الجاحظ ، أبرز أدباء العصر العباسى الموسوعيون، فى عمله الرائد ( كتاب الحيوان ) وقدم انجازاته بعيدا عن أوروبا، ولم يكد يمر على الإسلام سوى 200 عام فى الجزيرة العربية. وعن نظرية النسبية لاينشتاين التى ادت صياغتها الحسابية لاكتشافات متعلقة بالذرة والانشطار النووى ومدارات الكواكب والاسلحة النووية ، سبقتها عدة فرضيات ليوسف يعقوب بن اسحق الكندى الذى ظهر تفوقه فى الفلسفة والعلوم والرياضيات والطب والفيزياء والفلك وأكد النسبية التى تعد جوهر قانون الوجود وهو أيضا صاحب رؤية مستقبلية فى تفكيره وفى مجال تشفير الرسائل والتى تعرف الان باسم ( تحليل التكرار والشفرات ).

وكان الصدام القائم بين العالم الاسلامى وامبراطورية المغول من الامور الكارثية التى حدثت على مدى الالف عام، ويلفت مورجان إلى تأثير غزو المغول على المذهب الشيعى الاسماعيلى وظهور نصير الدين الطوسى الشيعى الذى حاول علاج الانقسامات الدينية لكنه فشل فاتجه للاهتمام بعلم الرياضيات والفلك وانشأ مرصد مراغة. كما برز ابن سينا كواحد من العلماء القلائل الذين حققوا انجازا أثر فى الحضارة الغربية فى القرون الوسطى ، لافتا إلى تعامله مع المرض النفسى بطريقة علمية واسلامية، فى الوقت نفسه الذى كان فيه الغرب يعتبر المرض النفسى لعنة أو مسا شيطانيا .

ويعرض مورجان لمفهموم طى الارض متسائلا هل ترشدنا اكتشافات فيزياء الكم إلى طرق للسفر غير الزمان والمكان دون التحرك من مكاننا، ويعقد مقارنة مع ما جاء فى القرآن عن قصة النبى سليمان واحضار عرش ملكة سبأ . وبالتأكيد كان من المفارقات ان ناقل العلم والفكر الاسلامى للغرب كان جيربير أو سيلفستر الثاني، كما سمى فيما بعد، رجل دين كاثوليكى فتح ابواب اوروبا امام المعرفة الاسلامية وهو اول فرنسى يشغل منصب البابا ويميل للفكر المستقبلى التقدمى .

كل هذه الاكتشافات السباقة دفعت مورجان لطرح سؤاله شديد الأهمية: كيف و لماذا خسر العالم العربى تفوقه على اوروبا وفقد مكانه فى مسيرة التطور؟ ويستشهد فى إجابته عن هذا السؤال بأطروحات كارل ماركس ومارك توين ، التى تعتبر ان كل نظام يحمل داخله بذور فنائه، وأن ما يحققه نظام ما من نجاحات قد تكون سبب فشله. أما عن اسباب تدهور الحضارة الاسلامية فيرجعها الى ان العالم الاسلامى لم ينهر فجأة بل تدريجيا، فبينما ازدهرت اوروبا، عانى العالم العربى مشكلات اقليمية فضلا عن سيطرة القوى الاوروبية على مساحات واسعة من أراضيه مما استهلك شعوبه فى مقاومة الاستعمار ومحاولات التحرر، بالإضافة إلى تغييب حرية العقل بالتركيز على التلقين وتقييد الإبداع وعدم التجديد، وتعثر الديمقراطية ويتساءل المؤلف عما يمكن فعله لإحياء التوجه المستقبلى الذى ميز العالم الاسلامى فى ظل الوضع الحالى الذى يغلب عليه نقص التمويل اللازم لدعم التعليم العلمى والابتكار فى الدول الاسلامية الاقل ثراء، معتبرا أنه لكى يجدد العرب والمسلمون الأمل فى مستقبل أفضل فعليهم بالمرونة والتسامح، والتعددية ومراعاة الخصوصية وإعادة إحياء وبعث القيم التى حققت عظمة الاسلام قبل ألف عام .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق