رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بعد هزيمة الإصلاحيين فى انتخابات البرلمان الإيرانى..
كيف تصمد الدبلوماسية الأوروبية أمام طهران؟

رسالة لندن منال لطفى

يقولون فى إيران «قطعة حجر فى الوقت المناسب، أفضل من قطعة ذهب فى الوقت غير المناسب». فالتوقيت هو كل شئ، وبهذا المعيار نعى الإيرانيون رسميا «عقد الأمل» الذى ترسم مع وصول الرئيس الإيرانى المعتدل حسن روحانى للسلطة 2013. فنتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية التى جرت الجمعة أظهرت أن المحافظين فى طريقهم لسيطرة حاسمة على البرلمان الإيراني. فقد حصدوا كل مقاعد العاصمة طهران، 30 مقعدا، وفى طريقهم لنيل 178 مقعدًا من أصل 290 مقعدا فى البرلمان، مقابل 17 مقعدا فقط للإصلاحيين، و 43 مقعدا للمستقلين.

هزيمة الإصلاحيين بقيادة روحانى كانت متوقعة، لكن ليس على هذا النطاق. و تترتب عليها تداعيات فورية من بينها «تقييد يد» روحانى كليا خلال العام الأخير من ولايته. وإغلاق الطريق أمام انتخاب رئيس معتدل إصلاحى عام 2021 عندما يترك روحانى المنصب. ووضع المحافظون المتشددون يدهم على كل مراكز السلطة وصنع القرار فى إيران، من البرلمان إلى الرئاسة، مرورا بمجلسى صيانة الدستور وتشخيص مصلحة النظام. ناهيك عن مكتب المرشد ومؤسسة الحرس الثوري.

هذه الصورة تثير قلقا عارما فى أوروبا. فسيطرة المحافظين على كل مؤسسات الحكم فى إيران تهدد بزيادة التوترات فى ساحة مضطربة جدا وفى وقت عصيب أصلا.

فمنذ بدأت المفاوضات النووية بين إيران والغرب والتى أدت للاتفاق النووى 2015 بنى الدبلوماسيون الأوروبيون علاقات عمل وثيقة مع نظرائهم الإيرانيين فى حكومة روحاني، على رأسهم محمد جواد ظريف وزير الخارجية ، و على أكبر صالحى رئيس وكالة الطاقة النووية الإيرانية. لكن مجريات الأمور فى إيران تشير إلى أن الإصلاحيين فى طريقهم لمغادرة مناصبهم لتحل محلهم وجوه من التيار المتشدد ما سيجعل الحفاظ على الاتفاق النووى مسألة صعبة جدا، خاصة إذا ما واصلت طهران تخصيب اليورانيوم لمعدلات أعلى من المسموح به فى الاتفاق النووي.

ومن وجهة النظر الأوروبية «استبدال وجوه اصلاحية بوجوه متشددة سيصعب الدبلوماسية مع طهران»، خاصة إذا ما انتخب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لولاية ثانية فى أمريكا خلال انتخابات الرئاسة فى نوفمبر المقبل. ويوضح دبلوماسى أوروبى كبير شارك فى المفاوضات مع إيران لـ«الأهرام»: «الصورة تتزايد تعقيدا فى إيران. قبل أشهر كان كل الحديث حول تفعيل الآلية الأوروبية المشتركة لمساعدة الحكومة الإيرانية على جنى ثمار الاتفاق النووى عبر الالتفاف على العقوبات الأمريكية. اليوم الحديث عن تجنب الأسوأ ومنع مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن. فهناك قدر كبير من انعدام الثقة والشكوك يفتح الباب لحسابات خاطئة وقرارات متسرعة من الطرفين. وسيطرة المحافظين على البرلمان الإيرانى يشى بأن المرشد الأعلى فى إيران قرر أن المرحلة القادمة مرحلة مواجهة، والمحافظون أفضل فى المواجهة والتصعيد. نحن إذن أمام لحظة حرجة، نهاية فصل وبداية فصل جديد».

ويزيد الأمور تعقيدا أن كثيرا من النواب المحافظين الجدد فى البرلمان جاءوا من مؤسسة الحرس الثورى الإيراني. فمع الأزمات الكبرى يعطى خامنئى الضوء الأخضر لقيادات الحرس الثورى لترك الحرس والترشح فى الانتخابات، سواء البرلمانية أو الرئاسية. وهذا ما حدث خلال هذه الانتخابات. وكثير من النواب الجدد عارضوا الصفقة النووية واعتبروا أنها تعرض الأمن القومى الإيرانى للخطر، وسيكونون متحمسين للتخلص منها إذا ما حانت الفرصة.

أنها أنباء سيئة للإيرانيين الذين صوتوا لمشروع روحاني، القائم على الاعتدال فى الداخل، والحوار مع الخارج. فبعد 7 سنوات فى الحكم ساءت الأوضاع فى إيران أكثر، وتراجعت مستويات المعيشة، وانهارت قيمة الريال الإيراني، وتضاعفت نسب التضخم، وتقلصت الاستثمارات الغربية، وتزايدت معدلات البطالة، وتقلص الاقتصاد بنحو 9% مقارنة بالعام الماضى وفقا لأرقام البنك الدولي، وتعقدت علاقات طهران مع واشنطن ودول الجوار، وزادت عزلتها.

فيروس كورونا فى حوزة قم

ولا عجب أن يرد الإيرانيون على الاحباطات من كل ما يحدث بأضعف نسبة مشاركة فى الانتخابات منذ الثورة الإيرانية 1979. فوفقا للأرقام الرسمية لم تتجاوز نسبة المشاركة 42% إجمالا، أما فى العاصمة طهران فكانت نسبة المشاركة أقل من 25%. فهناك غضب متزايد من الفساد السياسى وعدم الكفاءة والفشل فى الوفاء بكثير من الوعود التى قطعتها الحكومة.

إنها صفعة كبيرة للنظام حتى وإن حاول الاختباء خلف «نظريات المؤامرة» ومن بينها أن الغرب هول من مخاطر «فيروس كورونا» حتى يُثنى الإيرانيين عن التصويت، وأن الغرب أشاع أيضاَ أن مصدر الفيروس هو «الحوزة العلمية فى قم»، مركز السلطة الدينية فى إيران، حتى يُبعد الإيرانيين عن مراكزهم الدينية.

من الصعب معرفة حجم تأثير «فيروس كورونا» على نسبة المشاركة، لكن الشئ المؤكد أن كثيرا من الإيرانيين «أسدلوا الستار» على حكم روحاني، حتى وإن بقى أمامه عام آخر فى الحكم. ففى حين أن صلاحيات البرلمان محدودة، إلا أنه يمكن أن يعوق مبادرات الرئيس ويعيد تشكيل خريطة البيئة السياسية قبل سباق انتخابات الرئاسة الحاسم العام المقبل.

أيضا أحجم الإيرانيون عن التصويت لأن مجلس صيانة الدستور، الذى يصدق على المرشحين للانتخابات، رفض أكثر من 90% من المرشحين الإصلاحيين. بعبارة أخري، كان خيار الناخب الإيرانى بين مرشح متشدد ومرشح أكثر تشددا.

إنها مفارقة أن تكون بداية نهاية حكم روحانى مترافقة مع عزلة غير مسبوقة لإيران، فهو الذى وعد بفتح الأبواب الموصدة.

فما الذى حدث لمشروعه وكيف وصلنا إلى نقطة أن يكون للإصلاحيين 17 نائبا فقط فى البرلمان؟.

يوضح الدبلوماسى الأوروبي: «أعتقد أننا جميعا كنا غير محظوظين بوصول ترامب للسلطة بعد عام واحد من توقيع الاتفاق النووى مع إيران. فخلال حكم الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى حاول الغرب التوصل لاتفاق مماثل مع حكومته، لكن المرشد الأعلى لم يكن يثق فى خاتمى وبالتالى منعه من التفاوض مع الغرب. على النقيض كان روحاني، القريب من خامنئي، مصدر ثقته واستطاع إقناعه بجدوى التفاوض مع الغرب وتجميد البرنامج النووى من أجل رفع العقوبات. وكان من الممكن فى ظل أى رئيس أمريكى آخر غير ترامب أن ينجو الاتفاق وينجح روحانى فى الوفاء بما وعد به».

ويواصل الدبلوماسى الأوروبي:«الآن يعتقد الإيرانيون أن ترامب سيعاد انتخابه بنسبة 80% وهذا يعنى أن خامنئى والمقربين منه يجهزون سيناريوهات للتعامل مع ولاية ثانية لترامب فى البيت الأبيض. ومن ضمن هذه السيناريوهات الانسحاب رسميا من الاتفاق النووى مع الغرب».

ويوضح الدبلوماسى الأوروبى أن هناك عاملين أساسيين يمنعان إيران حاليا من الانسحاب من الاتفاق: العامل الأول، الأمل الضئيل فى أن يخسر ترامب الانتخابات ويسكن البيت الأبيض رئيس ديمقراطى يعيد للحياة الاتفاق الذى اعتبره باراك أوباما «درة تاج» سياسته الخارجية. العامل الثاني، أن المحافظين لا يريدون أن يعطوا روحانى «شرف الخروج من الاتفاق النووي». ففى نظر كثير من مستشارى المرشد الأعلى وقيادات الحرس الثورى «روحانى هو المسئول عن الورطة الحالية وبالتالى يريد تيار المحافظين فى إيران الاحتفاظ بورقة «الخروج من الاتفاق النووي» كورقة مساومة ومقايضة بعد انتهاء ولاية روحانى العام المقبل.

بين رئيس متهور وآخر متشدد

وكل هذا يضع الغرب أمام خيارات صعبة ومحدودة. فإذا ما مالت السياسة الإيرانية للتشدد فى المرحلة المقبلة، وهذا هو الأرجح لو ظل ترامب فى السلطة، لن يكون من السهل الحفاظ على الاتفاق النووي. وإذا ما اعلن رسميا وفاة الاتفاق النووي، فإن دول الاتحاد الأوروبى ستجد نفسها مضطرة لإعادة فرض عقوبات صارمة على طهران.

أى أن موت الاتفاق النووى سيكون ضربة كبيرة لإيران ولأوروبا أيضا. ويوضح الدبلوماسى الأوروبى لـ«الأهرام»:«لا أحد يريد العودة للمربع رقم واحد، لكن نحن فى طريقنا ليس فقط للعودة للمربع رقم واحد، لكن لما هو أسوأ من هذا. فمع تعزيز شكوك المتشددين فى إيران فى الغرب سيتجه المرشد الأعلى لوضع محافظين ومتشددين فى كل المواقع فى إيران وهذا قد يعنى عودة كابوس (أحمدى نجاد جديد) فى الرئاسة وفتح كل جبهات المواجهة لإلهاء الداخل الإيرانى عن المشكلات الداخلية والتركيز على المخاطر الخارجية. وهذا يعنى فشلا ذريعا لاستراتجية الاتحاد الأوروبى حيال إيران».

وليس لدى مسئولى الاتحاد الأوروبى شكوك كبيرة حول من يتحمل مسئولية ذلك الوضع الصعب «فخيارات ترامب نحو إيران هى ما دمر الاتفاق النووي» بحسب ما يرون، مع أن البعض قد يختلف مع هذا التقييم. فمسئولو الاتحاد الأوروبى تحركوا ببطء شديد وعلى نحو غير فعال للإلتفاف على تأثير العقوبات الأمريكية على إيران. ومع أن طهران لم تساعد نفسها بانتهاج سياسية إقليمية على نقيض من واشطن فى ملفات سوريا واليمن ولبنان والعراق، إلا أن الدول الأوروبية لم تستطع دعم روحانى بأى مبادرات ملموسة كى يستطيع أن يقف فى وجه المتشددين فى بلاده.

أى انتخابات فى إيران لا تكون فقط شأنا داخليا، بل هو إقليمى ودولى أيضا ونتائج هذه الانتخابات «أنباء سيئة» لأنها تفتح الباب لعودة «أحمدى نجاد جديد» على رأس السلطة فى إيران. وإذا ما حدث هذا وانتخب ترامب أيضا لولاية ثانية فسيكون هناك «متهور فى واشنطن ومتشدد فى طهران»، إنها وصفة كارثية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق