رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

استقالة «كاردينال الكرملين» تفتح الباب أمام تأويلات جديدة

د. سامى عمارة

وسط ظروف يكتنفها غموض كبير، وبعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين،خرج فلاديسلاف سوركوف الذي طالما عُرِفَ تحت اسم «كاردينال الكرملين»، أو «راسبوتين العصر»، والمسئول عن قضايا الداخل منذ التحق بفريق الرئيس في نهاية تسعينيات القرن الماضي، ليعلن «استقالته» من منصبه كمساعد للرئيس، وهو الذي طالما شغل العديد من المناصب منها نائب رئيس الحكومة، ورئيس ديوان رئاسة الحكومة، والمسئول عن ملفات علاقات روسيا مع بلدان الكومنولث وبلدان أخرى كثيرة منها أوكرانيا.

الحديث عن استقالة سوركوف يتردد بين أوساط النسق الأعلي للسلطة منذ نهاية يناير الماضي. لا أحد يستطيع التكهن بما جرى ويجري وراء كواليس الكرملين، بينما كان دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس يواصل نفي علمه بأي احتمالات حول الاستقالة. وما أن بادر ألكسي تشيسناكوف الساعد الايمن لسوركوف بتسريب خبر الاستقالة «أو الإقالة»، وهو ما يبدو على النقيض من «تقاليد الكرملين»، و«مقتضيات الوظائف العليا»، حتى «اضطر» ديوان الكرملين إلى إعلان «النبأ» دون الصيغة التقليدية التي طالما نصًت على أن «الاستقالة لظروف تتعلق بالانتقال لعمل آخر». وذلك يعنى ان الغموض لا يكتنف وحسب أسباب الاستقالة، بل وأيضا مستقبل «السياسي العتيد»، الذي اعترف له الناطق باسم الكرملين بـ «تعدد المواهب والقدرات». وثمة من يقول إن ذلك جرى بموجب سيناريو «خاص» بكاردينال الكرملين الشيشاني الأب، الذي كان الرئيس بوتين ومنذ أولى سنوات حكمه «اختصه» إلى جواره من غير أبناء مدينته الأم «سان بطرسبورج» التي جاء منها بالغالبية الساحقة من أعضاء فريقه، وإن كان هناك من المعلومات التي تقول بانتسابه إليها من خلال أبيه الذي كان يحمل اسم «يوري دودايف» وخدم بين صفوف «المخابرات العسكرية»، بل وشارك في عدد من العمليات الخاصة إبان الحرب الفيتنامية.

وبعيدا عن السيرة الذاتية لسوركوف، المفعمة بالأسرار والمتشابكة الخيوط والتعقيدات حول طفولته وسنوات صباه، نتوقف عند ما يتردد حول الأسباب الحقيقية لخروج سوركوف الذي نخاله «مؤقتا» إلى دائرة الظل، في إطار سيناريوهات الكرملين بعيدة المدى. وفي هذا الصدد يتناول المراقبون ما جرى من «تحركات» على خريطة النسق الأعلى لإدارة الكرملين وما تبع ذلك من تغيرات في النسق الأعلى للسلطة، والتي أسفرت ضمنا عن «انتقال» ملف أوكرانيا إلى دميتري كوزاك نائب رئيس ديوان الكرملين إبن سان بطرسبورج والقريب من بوتين بحكم نشأته بين صفوف «القوات الخاصة»، من منظور احتمالات تغير سياسات الكرملين تجاه «الأزمة الأوكرانية» التي طالما اتسمت بالتشدد، وصارت في أمس الحاجة إلى قدر من «مرونة القوة» إن جاز هذا التعبير. ولعل ما يتسم به دميتري كوزاك نائب رئيس ديوان الكرملين من سمات شخصية تقول بأنه خير من يتمتع بمثل هذه «المرونة»، وهو ما لمسناه في أوسيتيا الشمالية، لدى متابعتنا تحركاته في معرض معالجته ملف احتواء الغضب الذي بلغ أوجه في نفوس ذوى ضحايا مدرسة بيسلان الذين سقطوا «شهداء» اختطاف رهائنها من جانب الارهابيين في سبتمبر عام 2004، وما حققه من نجاح آنذاك، يمكن أن يكون مبررا لمثل هذه التحركات.

لكن الأكثر إثارة ومدعاة للتساؤل، قد يتمثل في الطريقة التي جرى من خلالها تسريب خبر «الرحيل» عن المنصب طواعية كان أو قسرا، على لسان مساعد سوركوف، ودون انتظار لإصدار الرئيس قراره، او إعلان القرار على موقع إدارة الكرملين. وذلك أمر يقف على طرفي نقيض من وقار المكان ووضعية الشخصية الرسمية ومكانتها، حسبما كان معمولا به، ولا سيما بين أعضاء الفريق الذي طالما وقف وراء كثير من مبادرات وتحركات الرئيس بوتين منذ جاء إلى قمة السلطة في نهاية عام 1999، وعلى غير ما عهدناه إبان سنوات حكم سابقيه ومنهم السوفيتي جورباتشوف، والروسي يلتسين.وذلك يعني بالتبعية أن «وراء الأكمة ما وراءها»!.

ومع ذلك فهناك أيضا من يعتبر ذلك السيناريو الذي اختاره سوركوف لإعلان رحيله عن إدارة الكرملين، وليس عن فريق بوتين، جزءا من سيناريو أوسع إطارا يتسع لمختلف التأويلات التي يريدها الكرملين سبيلا إلى «زحزحة» الأوضاع الراهنة للأزمة الأوكرانية بعيدا عن نقطة الجمود، وبما قد يعطى تصورا بان الكرملين يسعى جاهدا نحو البحث عن الآليات المناسبة لمواصلة المباحثات مع الجانب الأوكراني، الذي لم يجد مع سوركوف الحلول الوسط التي يبتغيها للخروج من المأزق الراهن.

وإذا كان هناك من نقل عن سوركوف أنه سوف يكشف لاحقا عن أسباب رحيله عن منصبه، فإن هناك ما يقرب من الإجماع حول ان «استقالة» سوركوف لا تعني رحيله بعيدا عن فريق الرئيس، وانها ربما تكون في إطار تغيير تكتيك الكرملين، وسيناريوهات الخروج من المأزق الأوكراني، وما يتعلق منها بوضعية جمهوريتي الدونباس غير المعترف بهما، في جنوب شرقي أوكرانيا والتي يدور حولهما مع شبه جزيرة القرم، الخلاف بين روسيا وأوكرانيا. ويقول جيورجي بوفت المعلق السياسي اليميني الميول في تعليقه بهذا الصدد لإذاعة «BFM» ان هذه القضايا تقع عمليا ضمن دائرة الرؤية لدى البحث عن الاسباب الحقيقية للخلاف في الرؤى داخل إدارة الكرملين، وإن سارع ليقول إنها لا يمكن ان تكون وحدها وراء «الرحيل على هذا النحو الدرامي» لشخصية طالما ارتبطت بالكرملين، وكانت مُعَبِراً عن كثير من أفكاره، ومنها ما كان يسمى «بالديمقراطية السيادية» أو «الديمقراطية الموجهة»، فضلا عن جهوده في حشد الدعم اللازم للرئيس بين أوساط الشباب التي تدين لسوركوف بفضل تصعيدها وتمتعها بالأهمية التي تحظى بها في كنف الرئيس. ويقترب من هذا الرأي وحسبما أشارت صحيفة «كوميرسانت»، ألكسي فينيديكتوف رئيس تحرير إذاعة «صدى موسكو» ذات الميول اليمينية المعارضة، الذي عزا «الاستقالة» إلى نقل ملف الأزمة الأوكرانية إلى دميتري كوزاك نائب رئيس إدارة الكرملين والذي طالما تنقل بين مختلف المناصب القيادية ذات الصلة المباشرة بسيد الكرملين.

وفي تعليقات أخرى نشرتها صحيفة «فيدوموستي» جرت الإشارة إلى صعوبة تقبل سوركوف لتنحيته في مثل هذه الظروف التي تشهد تصاعد الرغبة من الجانبين الروسي والأوكراني تجاه ضرورة سرعة نزع فتيل الأزمة، والتوجه صوب الحلول المنشودة التي تحفظ للطرفين «ماء الوجه» بعيدا عن المأزق الراهن. فالاستقاله أو الإقالة في مثل هذا التوقيت الحرج، يمكن أن تعنى عمليا الفشل في سياسات معالجته للأزمة الأوكرانية، وتحميله مسئولية بلوغها المأزق الذي تواجهه اليوم، دون أي إشارة إلى مسئولية بوريس جريزلوف رئيس مجلس الدوما الأسبق الذي اختاره بوتين ممثلا شخصيا له في مجموعة الاتصال الخاصة بمداولات الأزمة الأوكرانية. وذلك ما كشف عنه الخبير السياسي يفجيني ميتشينكو الذي نقلت صحيفة «كوميرسانت» عنه قوله «إن سوركوف ليس مسئولا عن تعثر المحاولات الرامية إلى الخروج بالأزمة الأوكرانية بعيدا عن الطريق المسدود»، لأنه كان يتحرك في إطار «ما وصفه بـالامكانات المتاحة»، فضلا عن أنه لم يكن صاحب سيناريو «التوجهات الأوكرانية في السياسة الروسية» شأنه في ذلك شأن الحال مع جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية» اللتين أعلنتا انفصالهما من جانب واحد عن أوكرانيا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي». ونقلت «كوميرسانت» أيضا عن المعلق السياسي دميتري فيتيسوف ما يقترب من هذا الاستنتاج الذي دعمه بقوله إن القيادة الأوكرانية الجديدة بزعامة فلاديمير زيلينسكي أعربت على نحو غير مباشر عن عدم ارتياحها لاستمرار سوركوف ممثلا لروسيا في المفاوضات الجارية بشأن الأزمة الأوكرانية، وهو موقف مماثل كشفت عنه النخبة السياسية في أبخازيا التي نجحت في الإطاحة برئيس ابخازيا ولم يكن مضى على انتخابه لولاية ثانية أكثر من أشهر معدودات. ورغما عن ذلك كله فإنه من الواضح والمؤكد أن رحيل سوركوف عن منصبه كمساعد للرئيس، لا يمكن أن يعني ابتعاد «كاردينال الكرملين» عن موقعه ضمن فريق الرئيس بوتين، في وقت يظل فيه الرئيس الروسي في حاجة إلى كل من وقف إلى جواره في معاركه التي طالما خاضها على الصعيد الداخلي، والتي أثبت سوركوف أنه كان ولا يزال خير من خَبَرَ دروبها وشِعَابَها، منذ وقوفه وراء تشكيل كل التنظيمات السياسية والشعبية والشبابية التي تشكلت في روسيا دعما للرئيس بوتين خلال العقدين الآخيرين، فضلا عن «إشرافه غير المباشر» على حركة وتوجهات الأجهزة الإعلامية و«تجاذباتها» في الساحة السياسية الروسية. ولعل ما حظي به سوركوف من تسميات وكُنَى ومنها «الكاردينال الرمادي» و«راسبوتين العصر»، و«مدير مسرح العرائس»، و«كبير منظرى الكرملين»، يكفي في حد ذاته لتأكيد أن شخصية بحجم وثِقَل وزن سوركوف، لا يمكن ان تظل بعيدة عن دائرة رؤية زعيم بقدر بوتين، وهو الذي تناقلوا عنه في الامس القريب ما قاله حول ان «البوتينية تمثل اختراقا سياسيا عالميا وهي أفضل السبل الفعالة للإدارة وللحكم»، فضلا عن القول المأثور «لا شيء حقيقيا، لا توجد حقيقة .. فهناك دائما حقائق بديلة».

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق