كثيرًا ما يمتزج الألم بالإبداع؛ فيهدى صاحبه والدنيا إبداعًا صادقًا ومميزًا؛ يتجاوز حياة المبدع ويعيش بعده ويمنحه حياة أخرى أطول وأجمل..
هذا ما حدث لتشارلز ديكنز الروائى الإنجليزى الذى يعيش برواياته رغم وفاته فى 9يونيو 1870؛ فمن منا لم يعرف بعض أعماله ولم يشاهدها بالسينما.
من أهم رواياته؛ «أوليفر تويست» و«قصة مدينتين».
ولد فى 7فبراير 1812فى إنجلترا وعاش بالعصر الفيكتورى الذى شهد تناقضا كبيرا حيث توسع بريطانيا وتنامى قوتها السياسية والاقتصادية خارج حدودها وانتشار الفقر والجهل والمرض والفساد داخلها.
اهتم بالفقراء والمهمشين والعجائز والمعاقين، وسخر قلمه لنصرتهم وكشف معاناتهم. نشر العديد من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة وترجمت معظم إبداعاته لكثير من اللغات وجسدت السينما بعضها.
نذكر منها «آمال عظيمة»، «أوقات عصيبة» و«متجر الفضول القديم» و«صديقنا المشترك». تعرض بحياته لتقلبات حادة فانتقل من العيش بسعادة مع والده كاتب البحرية ووالدته المعلمة والاستمتاع بالريف للعيش بحى فقير ثم تجربة قاسية بعد سجن والده لإدمانه الاقتراض وعجزه عن السداد؛ وكان ديكنز صبيًا بالثانية عشرة من عمره فترك المدرسة وعمل لمساعدة أسرته.
تركت هذه التجربة مرارة فى قلب وعقل ديكنز ألقت بتأثيرها على إبداعاته ومنحته التعاطف مع كل من يتعرض للألم ويعانى الفقر.
عاد للدراسة بعد نجاح والده بسداد ديونه لحصوله على إرث وأجبر على تركها مجددًا وهو بالخامسة عشرة وعمل ساعيًا ليساعد أسرته.عمل مراسلا صحفيا وكتب مسرحيات هزلية باسم مستعار ونشرها بالصحف.
ناصر الإنسان وحقه بحياة كريمة ليس بإنجلترا فقط فعندما زار الولايات المتحدة الأمريكية وقضى بها عدة أشهر عارض العبودية وكتب عن مظاهر من الحياة التى كرهها بأمريكا، وفعل ذلك أيضا عندما زار إيطاليا.رفض سيطرة المال على الإنسان ومحاولته ربط حياته به أو التأثير على الناس من خلاله، واهتم برصد الصراع بين المبادئ وشراسة الواقع وتحدياته الدائمة.
أشاد كارل ماركس بجهود ديكنز فى كشف الصراعات السياسية والاجتماعية وأكد أنها أفضل مما فعل كل السياسيين واهتم بالأطفال؛ فكتب لهم موسوعة تاريخ إنجلترا للطفل؛ والتى تتناول التاريخ الإنجليزى من عام50قبل الميلاد حتى عام 1689 سخر إبداعه لفضح الزيف بالمجتمع الإنجليزى ولكشف التناقضات به وللدعوة لحياة أكثر إنصافًا.
من أهم رواياته «قصة مدينتين» التى تدور أحداثها حول الثورة الفرنسية ويغوص ديكنز بها فى حياة أبطال الرواية ويرصد بدقة وبتمكن التغييرات التى طرأت على حياتهم ومدى تمسكهم بما يؤمنون به فى وجه تلاحق الأحداث ويندد بالعنف الذى ساد بهذه الفترة ويفضحه، وهى من أكثر الروايات مبيعا عبر التاريخ؛ فقد بيع منها 200مليون نسخة.كتب رائعته «أوليفر تويست»؛ واستفاد من تجربة عمله المبكر ومعاناته الفقر؛ فاستطاع تجسيد حياة بطل قصته اليتيم الذى عاش فى الشارع بلا مأوى ودون سند، وكانت أول قصة فى ذلك العصر بطلها طفل. فى «أوليفر تويست» سيطر ديكنز على القراء وجعلهم يتابعون بطل القصة اليتيم وكيف تقاذفته مصاعب الحياة وحده فى لندن وتنقله من الملجأ للشارع ومكابدته الجوع القارس ولمحاولات كثيرة لا مبرر لها لإذلاله وقهره، وكيف اجتمع عليه الفقر والاضطهاد والمؤامرات، ورغم ذلك نجح فى الاحتفاظ ببراءته ونقائه؛ وكأن ديكنز يريد أن يؤكد أن الشر ينبع من الداخل ولا أحد تجبره عليه بشاعة ظروف حياته.يبدو ديكنز واقعيا فمعظم الشخصيات الشريرة بالرواية تصر على الشرور لآخر لحظة وترفض التراجع أو التوبة.
كتب فى «ترنيمة عيد الميلاد» عن الأحوال السيئة للعمال فى عصره وفضح تعرضهم للاستغلال وحرمانهم من حقوقهم.
- فهم ديكنز الحياة ولنتأمل بعض أقواله:
- العقول مثل الأجسام تسوء حالتها جراء الراحة الزائدة.
- على الرغم مما يقال بأن الحب منكوب بالعمي؛ فإن الحب حارس يقظ.
- دعونا نحب أعمالنا وندرك دائما مواقعنا الحقيقية فى الحياة.
رابط دائم: