-
عدم تركيب محابس للآبار المحفورة منذ الثمانينيات يسبب التدفق الذاتى للمياه
-
الخبراء يطالبون بوضع آلية لإدارة موارد المياه فى الواحة وصيانتها ومراقبتها
«التدفق الذاتى لمياه الخزان الجوفى فى واحة سيوة» من أكبر المشاكل التى تواجه التنمية فى تلك الواحة التى تنتج أجود أنواع البلح الجاف والزيتون فقد بلغت مساحة برك وبحيرات الصرف الزراعى نحو 46 الف فدان من أجود أنواع الأراضى فى حين أن الأراضى المزروعة نحو 36 الف فدان ومازالت البحيرات فى اتساع .
قبل ثلاثين عاما كان هناك تقنين للمياه المستخرجة من الآبار والعيون لتلائم الاحتياجات الفعلية فهل تغير الوضع الآن واختل التوازن ليشكل خطرا على الواحة ؟ الإجابة يطرحها الخبراء والمتخصصون فى السطور التالية.
فى البداية يقول الدكتور مصطفى أبو الفضل أستاذ كيمياء معالجة وتحلية المياه بمركز بحوث الصحراء: تعد واحة سيوة من المناطق الواعدة ومن مناطق الامداد الزراعى فى مصر، وتعتبر المياه الجوفية المصدر الوحيد للمياه فى الواحة حيث يمثل خزان الحجر الجيرى المتشقق (الميوسينى) وخزان الحجر الرملى النوبى أهم مصادر المياه فى الواحة التى تعتمد على مياه خزان الحجر الرملى كمصدر لمياه الشرب حيث يتميز بعذوبة مياهه التى لا يتعدى تركيز الأملاح الكلية الذائبة به 500 ملجم/لتر وتعتبر طبقا لقرار وزارة الصحة المصرية رقم 458 لسنة 2007 صالحة للشرب كما تتميز مياه ذلك الخزان بارتفاع درجة حرارتها حيث تتخطى 47 درجة مئوية وتوجد على أعماق كبيره تتخطى 600 متر وهو ما يتطلب حفر آبار عميقة للوصول لذلك الخزان المائى العذب ويقتصر استخدام ذلك الخزان على أغراض الشرب ولا يسمح بحفر آبار تستخدم لأغراض الزراعة وذلك للحفاظ على مياه ذلك الخزان.
كما يعتمد سكان الواحة على مياه الحجر الجيرى المتشقق (الميوسينى) لاستخدامها لأغراض الزراعة من رى وتربية حيوانات حيث تصنف مياه ذلك الخزان على أنها مياه هامشية الى مالحة ويتراوح تركيز الأملاح الكلية الذائبة بها من 1500 الى 10000 ملجم/لتر وهى تصلح لرى الزراعات المختلفة بداية من المحاصيل الحقلية وأشجار الفاكهة إلى المحاصيل العلفية، لا سيما المتحملة لظروف الجفاف والملوحة.
التدفق الذاتى
وأضاف : تعتبر مشكلة التدفق الذاتى لمياه الخزان الجوفى فى سيوة أكبر المشاكل التى تواجه التنمية فى الواحة حيث تتدفق كميات كبيرة جدا من الآبار التى حفرتها وزارة الرى خلال ثمانينيات القرن الماضى حيث تم تركيب محابس لها تستخدم لأغراض الرى ولكن عدم متابعة الصيانة الدائمة لتلك الآبار يتسبب فى تدفق المياه بصفة مستمرة ويسبب غرق التربة وانحسار مساحة الرقعة الزراعية بواحة سيوة وتنتقل تلك المياه عبر المصارف الزراعية الى البحيرات المالحة المنتشرة بالواحة مما يتسبب فى ضياع أهم مورد للتنمية الزراعية وتحول تلك المياه الى مياه مالحة لا تصلح للاستخدامات الزراعية ولإعادة تحليتها واستخدامها مرة أخرى يتكلف المتر المكعب منها ما لا يقل عن 12 جنيها وهو بعد اقتصادى خطير جدا يقود إلى محدودية التنمية الزراعية بواحة سيوة.
آلية للإدارة
وأوضح أن الحل الأمثل لإعادة واحة سيوة لسابق عهدها كإحدى سلال الغذاء بمصر من عهد الدولة الفرعونية يكمن فى وضع آلية لإدارة موارد المياه الجوفية بالواحة من خلال الاعتماد على الدراسات العلمية التى تم اجراؤها واستكمال الدراسات لتحديد افضل السبل للحفاظ على مصدر المياه بالواحه ومن أهم هذه السبل عملية المراقبة والصيانة الدائمة للآبار المنتشرة بالواحة واستغلال عيون المياه المتدفقة فى العمليات الزراعية كذلك إيجاد آلية لرفع مياه المصارف الزراعيه خارج حدود الواحه واستخدام الكميات الهائلة من تلك المياه فى استصلاح آلاف الأفدنة وفتح آفاق جديده للتنميه بتلك المنطقه وجعلها منطقة جاذبة للسكان ومساعدة شباب الخريجين الذين يقومون بمحاولات فردية تنقصها الخبرة العلمية للتعامل مع الظروف الصحراوية حيث يقوم هؤلاء الشباب باستصلاح مساحات من الاراضى على حدود الواحة ويبذلون جهودا مضنية للحصول على المياه فى ظل ظروف صعبة للغاية من نقص مصادر الكهرباء والخدمات مما يهدد بفشل تلك التجارب.
تآكل الأراضى
أما الدكتور محمد الحجرى الأستاذ بمركز بحوث الصحراء فيرى أن مشكلة سيوة تتركز فى ارتفاع منسوب المياه الأرضى نتيجة وجود العديد من الآبار المتدفقة طبيعيا وانخفاض الواحة عن مستوى سطح البحر بنحو 27 مترا بالإضافة إلى الإسراف فى الرى وعدم تنظيم وإدارة حفر الآبار الجوفية وزيادة مساحات البحيرات فى سيوة التى تسبب تآكل الأراضى مع زيادة ملوحة الأراضى التى تؤثر على جميع المستويات المعيشية فى الواحة وأهمها الزراعة حيث تسبب زيادة ارتفاع الماء الأرضى ضحالة العمق الفعال للجذور مما يؤثر سلبيا على جذور النخيل والزيتون أكثر الأشجار الموجودة فى سيوة وكذلك باقى النباتات مثل الخضر والمحاصيل حيث تتأثر النباتات باختناق الجذور أو من حيث تعرضها لإجهاد ملحى نتيجة ملوحة المياه العالية الناتجة من غسل التربة وكذلك زيادة تركيز الأملاح فى البحيرتين ومن خلال مقابلات عديدة مع المزارعين اشتكى معظمهم من تلك المشكلة وتأثيرها على المحاصيل خصوصا محصول البلح والزيتون وباقى الخضر المزروعة وحذروا من تفاقم المشكلة فى حالة عدم تدارك العلاجات والحلول البديلة لها.
وأضاف أن البيوت والمبانى تتأثر أيضاً حيث يسبب ارتفاع الماء الأرضى مشكلة كبيرة بالنسبة للمبانى خصوصا المبنية باستخدام الملح السيوى (الكرشيف) وتتعرض اساسات تلك البيوت والمبانى للذوبان وبالتالى انهيار معظم المبانى القديمة وتظل المشكلة قائمة حتى فى حالة المبانى الحديثة. وقال إن المرافق وشبكات الصرف والمياه تتضرر أيضاً حيث تواجه شركات المقاولات والشركات التنفيذية للطرق ومد شبكات الصرف الصحى مشكلة ارتفاع الماء الأرضى التى تضاعف تكلفة الإنشاءات عشرات المرات ولا تخرج بالجودة والمواصفات المطلوبة.
ضبط الميزان
وكشف الدكتور محمد الحجرى عن أن السبب الرئيسى فى ارتفاع الماء الأرضى هو أن معدل تدفق المياه إلى الواحة أعلى من معدل البخر ، وللتغلب على هذه المشكلة لابد من «عكس سلوك المياه» بتغيير نظم الرى التقليدية المتبعة الى نظم رى حديثة وخاصة الشحيحة التصرف والإدارة المتكاملة للمياه والتحكم فى الصرف لضبط ميزان الماء الأرضى وعدم الإسراف فى مياه الرى.
بوار الأرض
ومن جانبه، يقول الدكتور أحمد عبدالدايم رئيس قسم بحوث الغابات بمركز بحوث البساتين إنه منذ ثلاثين عاما تعانى واحة سيوة ارتفاع مستوى الماء الأرضى الذى يتسبب فى بوار الأراضى الزارعية والتى تشمل أجود أنواع نخيل البلح الجاف والزيتون وبلغت مساحة برك الصرف الزراعى نحو 46 ألف فدان من أجود أنواع الأراضى فى حين أن الأراضى المزروعة نحو 36 ألف فدان ومازالت البحيرات فى اتساع، وخلال هذه المدة الطويلة زارت أكثر من جهة الواحة سواء من الوزارات المعنية (الرى والزراعة) أو البحثية (معهد بحوث المياه الجوفية) أو الحكم المحلى وعلى رأسهم المحافظون ، بالإضافة إلى القرارات السيادية فى عهود سابقة بتوجيه وزارة الرى والموارد المائية لحل المشكلة وفى العقد الحالى وجهت القيادة السياسية الحالية برجوع الواحة إلى ماكانت عليه قبل 200 سنة.
الحفر العشوائى
وقال : أرجعت كل اللجان التى زارت الواحة سبب مشكلة ارتفاع مستوى الماء الأرضى فى الواحة وبوار أرضها الزراعية إلى الإسراف فى إستخدام ماء الرى نتيجة الحفر العشوائية للآبار الارتوازية سواء بواسطة الحكومة أو الأهالى حتى بلغت حاليا 1300 بئر عشوائى بالإضافة إلى 200 عين طبيعية من العصر الرومانى تضخ ماءها ليلا ونهارا دون توقف وتسمى العيون الرومانية، ورغم ذلك يقال إن المياه الجوفية فى سيوة مياه غير متجددة وهذه المقولة جانبها الصواب لأنها مياه متجددة مصدرها وسط إفريقيا بدليل أن العيون الرومانية مازالت حتى الآن تتدفق منها المياه طبيعيا وتستطيع أن تجعل كل الواحة تحت الماء وتضيع جميع المعالم التاريخية والسياحية والزراعية وهناك دراسات للعديد من الخبراء حذرت من أن واحة سيوة مهددة بالفناء خلال بضعة عقود إذا استمرت مشكلة الصرف الزراعى على حالها أو فى التزايد حيث ستغطى المياه جميع أراضيها وعدم صلاحيتها للحياة مع استمرار الممارسات الحالية.
ورغم أن التوصيات كلها تصب فى أن ماء الصرف لابد من إخراجه من الواحة لخفض مستوى الماء الأرضى إلا أن جميع المقترحات التى أبداها المتخصصون وأهالى الواحة تتضمن عمل مصرف بطول 80 كم للوصول إلى حافة منخفض القطارة وزراعة حافتيه بأشجار الكافور، لكن هذا المشروع مكلف جدا حيث يحتاج إلى محطة رفع وحفر للمصرف بطول 80 كم بما يتكلفه من أموال ويحتاج إلى صيانة وهى أكثر تكلفة من الإنشاء ، إضافة إلى أن هناك كارثة بيئية تهدد هذا المشروع وتتمثل فى إيجاد بحيرة ملوثة فى منخفض القطارة، وتلغى المشروع الأهم وهو توليد الكهرباء من منخفض القطارة وتأسيس مجتمع جديد فيه إن شاء الله .
ومن الحلول المطروحة حقن ماء الصرف مرة أخرى فى عمق الأرض ولكن هذا مكلف جدا بالإضافة إلى تلويثه للماء الجوفى سواء السطحى (50 إلى 250 متراً) أو العميق (1000 متر). أو نقل ماء الصرف إلى الكثبان الرملية غرب الواحة وهذا من الأخطاء غير العقلانية لأن الماء سيرتد مرة أخرى إلى الواحة كما تعود مياه الصرف من بحيرة قارون إلى المصرف حول البحيرة ، إضافة إلى أن الكثبان الرملية ترتفع بنحو 50 متراً وهذا يحتاج إلى رفع مياه الصرف إلى هذا المستوى .
ومن المقترحات أيضاً تدعيم شبكات الصرف وتبطينها لكن شبكات الصرف الحالية كلها تلقى بماء الصرف فى البحيرات والواحة تحتاج لنقل هذا الماء خارجها.
الصرف الحيوى
ويضيف عبد الدايم : الحل الأمثل هو الصرف الحيوى ليس كما قيل سابقا بزراعة حواف المصرف بطول 80 كم بأشجار الكافور حتى حواف منخفض القطارة أو بنقل الماء إلى حواف الواحة وزراعة غابات الكافور، ولكن الصرف الحيوى هو التخلص من ماء الصرف فى مكانه أو بمعنى أدق على خطوط الكنتور المنخفضة لكل مساحة يمكن أن تتراكم فيها المياه لتمتصها جذور الأشجار وتفقدها عن طريق النتح وبشرط أن يقوم معهد بحوث الأراضى والمياه بتقدير كمية المياه الزائدة وإتجاه حركتها لزراعة الأشجار بالكثافة والنوع الملائم لنوعية المياه لاصطيادها ونتحها، ففى هولندا يتم زراعة أشجار الحور فى المناطق المنخفضة لامتصاص الماء المتجمع بها قبل أن تصبح بركا وفى أستراليا يتم حماية المراعى بزراعة الكافور الأزرق فى أدنى نقطة على المرتفعات لاصطياد الماء قبل وصوله لإغراق المراعى فى الوديان والسهول ولنجاح الصرف الحيوى فى الواحة لابد من تشجير الطرق والمراوى والمصارف إن وجدت وعمل مصدات رياح وأحزمة واقية بالطريقة العلمية وليست عشوائية وبالتصميم الذى يلائم المجتمعات السكنية أو الزراعات الموجودة سواء نخيل أو زيتون أو محاصيل حقلية للمساعدة فى التخلص من المياه الزائدة عن إحتياج المزروعات مع تقنين المياه المستخرجة من الآبار والعيون لتلائم الاحتياجات المائية للواحة سواء للرى أو الاستهلاك وحل المشكلة ليس فقط فى واحة سيوة ولكن فى الصحراء الشرقية يتم بتشكيل فريق عمل من الباحثين المتخصصين من قسم الغابات معهد بحوث البساتين ، وقسم حصر الأراضى من معهد بحوث الأراضى والمياه ، والخدمة الوطنية ، حيث يقوم قسم الغابات بإقامة المشاتل وإنتاج الشتلات فى المواقع ذات ألأولوية ، وتصنيف الأراضى وقياس ملوحتها وإذا أمكن تحديد اتجاه سريان الماء الأرضى وتوقيعها على خرائط كنتورية
4 برك طبيعية
واوضح محمد السباعى المتحدث الرسمى لوزارة الرى والمهندس السيد اليمانى سركيس رئيس قطاع المياه الجوفية بالوزارة أن واحة سيوة تقع بالجنوب الغربى لمدينة مطروح على مسافة 315 كيلو متراً وتبعد عن السلوم 500 كيلو متر وتنخفض عن سطح البحر من 16 إلى 25 مترا الأمر الذى أدى الى تكوين 4 برك طبيعية بالواحة وهى بركة سيوة وبركة بهى الدين وبركة أغرومى وبركة أبو شروف باجمالى مساحة 47٫6 ألف فدان تستخدم كمقصد سياحى وفى صناعة الملح ويبلغ اجمالى المساحة المنزرعة 36 ألف فدان تعتمد على موارد المياه الجوفية فى حين يعتمد نظام الصرف نتيجة الطبيعة الجغرافية على مجموعة من المصارف تصب على البرك الرئيسية بالواحة فى حين يبلغ عدد العيون الطبيعية 162 عينا تتدفق منها المياه ذاتيا ويقوم قطاع الأعمال الجوفية بالوزارة بتطوير العيون وتم تطوير 145عينا وجار تطوير الباقى والتحكم بها حفاظا على المخزون الجوفى.
رابط دائم: