رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أهذه لعبة

جمال زكى مقار;

كان الضيق قد بلغ به منتهاه، تساءل بينه وبين نفسه:

ـ ما لها كأنها تؤدى واجبا ثقيلا؟

راقب عبر بصيص الضوء المنسل من خصاص النافذة قسمات وجهها بحثا عن أى مشاعر، فلم يجد سوى برودة تسرى منها وتتسلل من أعضائها لأعضائه، عندها أحس كأن الظلمة الحالة بغرفته مسكونة بشيطان مريد يتأمر مع الحزن واليأس اللذين يعصفان بجوانحه ويمسكان بخناقه، اعتدل عن رقدته وأزاح فيورا بعنف، قال والكلمات تخرج من فمه تصفر فى غضب:

ـ فيورا؛ أغربى عن وجهى.

ارتعش جسدها، لملمت عريها ونهضت، ثم همست فى خوف وهى تنحنى:

ـ كما تشاء سيدى، أتريد أن أعد لك مشروب القهوة.

صاح فيها:

ـ لا أريد شيئا، أريدك فقط أنت تذهبى.

انسحبت فى خوف وتركته يذرع أرجاء الغرفة ويدمدم بكلمات سباب وجسده يرتعد من ثورة الغضب، سأل نفسه:

ـ ما الذى حدث؟ لماذا لم تعد للممارسة معها أى مذاق؟ ما الذى أصاب بنت ال....

أخذ يفكر وعصفت به الأفكار؛ ألم تكن من قبل رقيقة وعذبة ومتلهفة وقادرة على أن تأخذه إلى مناطق تعج باللذة والجنون، لكنها منذ أسابيع وهى تعمد أن تكون باردة وفى أدائها قدر من الآلية، كان رأسه يكاد ينفجر، وأدرك أنه لو ظل على ذلك الحال لأصيب بنوبة قاتلة قد تودى بحياته، فتح أحد الأدراج وعبث بمحتوياته، تناول علبة صغيرة؛ فتحها والتقط قرصا، رمى به إلى فمه وأخذ جرعة ماء، جلس إلى فوتييه وثير، أرخى أعضاءه وانتظر دقائق قبل أن يسمع ذلك الصوت المميز (شو فو) الذى يسبق موجات النعاس، ثم بدأ رأسه يميل على جانب كتفه، نهض فى تثاقل وارتمى على السرير وسرعان ما استولى على جسده خدر شديد، وغط فى نوم عميق.

..........

اقترب الفجر حثيثا، وألقى ببعض خيوط من الضوء وداعب عينيه، تململ فى نومته، ثم انتبه إلى أصوات غنجة وضحكات مكتومة، أصاخ السمع أكثر واعتدل ناهضا، لمعت عيناه فى غبشة الفجر، وهمس:

ـ آه، يا أولاد الحرام،..... كيف غاب عنى أن يكون ذلك سبب الصد والبرود.

هز رأسه متيقنا وهمس:

ـ إذن كانت تدس لى المنوم فى مشروب القهوة فأنكفئ نائما كما حشية الرأس دون أن أغلق دوائرها، لكن صبرا صبرا.

نهض ومشى على أطراف أصابعه فى هدوء قاتل وحذر قط من القطاط المفترسة، ثم اقتحم غرفة الخادمة، رآها بين ساعدى فيور الخادم الآخر، اندفع نحوهما فى جنون، جذب الخادم من ذراعه وأطاح به بعيدا، أمسك بشعرها وانتزعها من مرقدها انتزاعا، أوقفها أمامه ثم صفعها على وجهها صفعة قوية مدوية، فتراجعت للخلف وهى تتأرجح فى مكانها، حتى كادت تسقط؛ تماسكت بصعوبة وتساءلت فى سذاجة:

ـ سيدى؛ أهذه لعبة؟

قال لها:

ـ لا يا فيورا، هذه ليست لعبة بل أمر حقيقى.

عاود صفعها، لكنها فى هذه المرة لم تفاجأ، تلقت الصفعة القوية فى هدوء، وأدارت خدها الآخر له، فصفعها مرة أخرى بقوة، وهو يجز على أسنانه سأل فى غضب:

ـ كيف نشأ هذا الحب بينك وبين هذا الميكا الحقير، كيف؟

امتقع وجهها وصار إلى شحوب مسخ جمالها الآسر، بينما أخذ جسدها يرتعد فى عصبية وقالت من بين دموعها:

ـ صحيح أنت سيدى، لكنه ابن جلدتى ونحن من جيل واحد وخامات واحدة ومصنع واحد.

قال السيد فى إصرار غاضب:

ـ بحق كل مقدسات أيامنا هذه وبحق مكتب السيطرة واسم قائدنا العظيم ومحيا زوجته فينوس واهبة الحب وصانعة الجمال؛ سأعرف كيف أربيكما من جديد أنت وهذا الآلى اللعين، ولو وصل بى الأمر إلى تحطيمكما أو تفكيك أجزائكما؛ سأفعل.

ـ لم كل ذلك العذاب يا سيدى؟

كان من المفترض أن تحبينى أنا لا هذا الميكا الواقف فى الركن مثل كلب ذليل.

رفع الميكا رأسه، وما إن هم يقول:

ـ سيدى.....

حتى صرخ به الرجل:

ـ اخفض عينك أيها الآلى اللعين عندما تكلمنى.

خفض الميكا رأسه، وقال بصوت خفيض محمل بقدر من الحزن والخوف معا:

ـ سيدى الرائع، لا ذنب لنا فى ذلك، إنه الحب الذى جاء ليعصف بنا، ألم تجرب يوما ذلك المعنى الذى يصيب قلبك ويجعله يخفق بشدة عندما تلتقى عيناك بعينى حبيبتك، إنه يجيء بلا موعد تماما كالعاصفة الرعدية التى تعصف بكياننا وتضيء جوانحنا، ذلك ما حدث بينى وفيورا، ففى ذلك المساء سمعتها تدندن بكلمات أغنية حب حزينة، وكان ضوء القمر يملأ الشرفة الكبيرة، وأخذ يسكب ضياءه الفضى على قسمات وجهها فيضفى عليها وهجا نورانيا، وأخذت كلمات أغنيتها تطوف بالأزهار التى تملأ الشرفة، أحسست حينها أن الزهور تتمايل وترقص فى سعادة على وقع صوتها الحلو، وبدأ قلبى أيضا يرقص طربا بين ضلوعى، وحين التقت عيوننا أُخذنا ــ نحن الاثنين بسحر عجيب أمسك بروحينا، وانجذبنا دون إرادة منا الواحد نحو الآخر، عندها مشيت إليها وأخذت بيديها لأراقصها، هذا لم يكن ذنبى ولا ذنبها.

كان السيد ينفخ ويزفر غضبا حارا، قال:

ـ اسمع أيها الأبله، عندما قررت شراء فيورا بعد معاينة النموذج الأولى، طلبت من الشركة المصنعة أن تكون على مثال السيدة فينوس جمالا واكتمالا مع تزويدها بملفات حب جسدانى ممزوج بعواطف سامية، وحصلوا لقاء ذلك فوق الثمن ثمنين آخرين، كل ذلك كان من أجل أن تحبنى أنا، لا لتحبك أنت.

قالت فيورا:

ـ أنا أيضا أحبك يا سيدى، لكن شيئا ما حدث منذ أسابيع قليلة جعل حبى لك ينتقل إلى الملف الثانى الخاص بالحب السامى المجرد، ولم يعد موجودا فى الملف الأول، لا أدرى كيف حدث ذلك.

صرخ الرجل فيها:

ـ اخرسى أيتها المتهتكة اللعينة، حب سام مجرد؟! هه؛ أأدفع عشرة آلاف جنيه عدا ونقدا لأهديك لهذا الآلى؟!

قال فيور بصوت خفيض:

ـ لا حيلة لنا فيما حدث، وثورتك لن تغير من الأمر شيئا، نحن محكومان أكثر منك، ولتعلم أننى فداء فيورا مهما يحدث لى.

ارتعشت شفتا فيورا وقالت من بين دموعها:

ـ وأنا أيضا فداء فيور؛ مهما حدث لى.

انفجر السيد فى ثورة عارمة، صرخ صرخة أرعبتهما وهزت أركان المكان، واندفعت دماء قانية إلى وجهه جعلت عينيه تطقان شررا.

قال وهو يتقدم نحوهما:

ـ سأحطمكما إن لم تتراجعا عن هذا الحب.

رددا فى صوت واحد:

ـ افعل ما تشاء.

وبينما كان السيد يبحث عن شيء يحطمهما به، مشى فيور بخطوات قوية واثقة نحو فيورا، وأخذها من يديها وضمها إليه وأخذ يلثم جبينها وخديها وشفتيها فبادلته القبل، واختفى من مركزى الإدراك والوعى وعقليهما الآلى أى خوف أو ندم ولم يعودا يشعران إلا بفيض من حب انداح بداخلهما دوائر من مشاعر طيبة دفاقة تأخذهما إلى لحظات مستحيلة راحا فيها فى عناق شديد كأنهما يهزآن بالسيد وجنون مشاعره.

توقف السيد لحظة يرقبهما، تعجب من أمرهما وازداد صخبا ولوثة وجنونا، دار فى أنحاء المكان يفتش حتى وجد مطرقة، التقطها وطوح بها فى الهواء مرات لكنهما لم يعبآ بجنونه الطليق، فاندفع نحوهما وهوى بضربات المطرقة الثقيلة على جسديهما، وبينما كانت أجزاؤهما تتطاير فى أركان المكان، كان رذاذ دموعها يصفع وجه السيد، تلقى فيور ضربة قاسية هوت على رأسه فهوى وهو يهمس:

لقد أحببت عينيكِ وأحببت القناديل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق