-
المتطرفون يعيشون فى جزر منعزلة ويلهثون وراء «فقه الشيطان»
أكد الدكتور نصر فريد واصل، المفتى الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن الأزهر لم يقصر يوما فى واجبه نحو التجديد، وهذا ما يراعيه دائما فى كل بحوثه ودراساته.
وفى حوار لـ«الأهرام» قال واصل إن الأزهر أحد المصادر الرئيسة لقوة مصر ورمز للسلام والأمان بين جميع دول المنطقة، ولفت الانتباه إلى أن التجديد ليس مسئولية الأزهر وحده، بل واجب تشترك فى تحمل مسئولياته جميع مؤسسات المجتمع كل بحسب دوره وتخصصه، وحذر من الدخلاء وغير المتخصصين واعتبرهم أكبر معوقات التجديد.
ونعى على جماعات التشدد والتطرف بعدها عن الوسطية والاعتدال وجنوحها نحو الغلو، وأشار إلى أن أفرادها يجهلون حقيقة الدين ويعيشون فى جزر منعزلة ويلهثون وراء ما سماه «فقه الشيطان».. وهذا نص الحوار:
قضية تجديد الفكر الإسلامى كانت قضية مؤتمر الأزهر الأخير.. ما رؤيتك للتجديد وأهمية الاجتهاد فى الفكر الإسلامي؟
التجديد بوضعه، ليس فى أصول الدين ولا فى الشريعة نفسها إنما فى الخطاب بما يتعلق بمعاملات الناس، فلا تغيير فى العقيدة أو العبادات إنما المعاملات المستحدثة التى تتطلب فكرا عصريا واقعيا بما يناسب مصلحة العباد والبلاد، وهذا ما يراعيه الأزهر الشريف فى كل بحوثه، وفى كل أمر مستجد يتعلق بالواقع العملى نحرص على بحثه ودراسته، ولا نتوقف أمام الماضي، لكن نتوقف أمام المصلحة والرجوع إلى الأصل: الكتاب والسنة، وإن وجد فى التراث ما يناسب الزمان والمكان أخذ به، لأن التراث هو فقه العصر فى المعاملات المدنية والتجارية والزراعية والصناعية،وغيرها، كل هذا له عرف خاص، فنحن فى كل بحوثنا المقارنة نتطرق للمستجدات وفقه الواقع والمستقبل وكل هذا تتم مناقشته فى العديد من البحوث والدراسات فى كل القضايا.
من ذلك مثلا (اختلاف الأهلة)، فبعد أن كان هناك خلاف فى مطلع الأهلة فى رمضان وشوال، انحسرت القضية وأصبح هناك شبه إحماع من خلاف البحث العلمى الحديث الذى يوافق الزمان والمكان. وكذا فى عملية المعاملات المالية والمصرفية إذ توصلنا إلى أن النقود الآن ليست مثلية، إنما قيمية، ولا يمكن الحكم عليها بالربا إلا من خلال ضوابط شديدة جدا.
كما أن لنا بحوثا متعددة فى السياسة النقدية واختلاف المعاملات التجارية والمدنية، فبعد أن كانت هى القرض البحت، أصبح هناك تمويل استثمارى حتى لو كان باسم القرض، والبنوك التى تتعامل فى إطار التنمية البشرية والاجتماعية والاستثمار أصبحت تختلف عن القرض البحت الذى كان متعارفا عليه فى السابق.
ولكن الأسئلة حول هذه الموضوعات لا تنتهي.. فأين المشكلة إذن؟
القضية ليست فى الأزهر، لكن فى الثقافة المتكاملة لابد أن نسأل أهل الاختصاص والخبرة فى هذا الإطار ومن هنا لابد أن يكون الجانب الإعلامى والثقافى والتعليمى مرتبطا بعضه ببعض، فبعض من يتمسكون بالتراث ويرفضون هذه الاجتهادات ليسوا من أهل الأزهر أصلا، ومن هؤلاء من خرجوا على الناس فى فترة معينة ودعوا إلى الخروج على الدولة والتكفير، فهؤلاء وأمثالهم أخذوا من التراث من دون أن يفهموه. لذا كان الأزهر حريصا ـ من خلال مؤتمره الأخير عن التجديد ـ على أن يؤكد أن الأصل فى الإسلام هو السلام، وأن الإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة.
والمتطرفين الذين يخرجون عن منهج الأزهر الوسطى أضلوا العباد والبلاد، كهؤلاء الذين يتمسكون بمفاهيم خاطئة مثل التقسيم المكانى للبلاد إلى دار حرب ودار كفر فهذا ليس له محل الآن، فدولة الإسلام الآن هى دولة المواطنة التى تجمع الجميع فى كل الحقوق والواجبات والوظائف. ويتصل بذلك أيضا القول لغير المسلم بأنه كافر، فهذا خطأ كبير جدا، لأن غير المسلم مع المسلم هو أخ له، أما مسألة عقيدة غير المسلم فهى مسألة خصوصية، ومعنى كلمة أهل الذمة أى فى أمان الله ورسوله وهذا تكريم لهم.
ما رؤيتك لإشكالية الحوار بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة فى مؤتمر التجديد؟
ما حدث هو حوار علمى ومجرد اختلاف فى وجهات النظر، والدكتور الخشت يتفق مع موضوع المؤتمر ومع شيخ الأزهر فى المضمون، لكنه يختلف معه فى العنوان الذى يشير إلى إلغاء كل التراث السابق والبدء بتراث جديد، وهذه هى المشكلة، لكن فى المضمون هو ما ينادى به الأزهر وهو التجديد بما يناسب الزمان والمكان، وليس الإلغاء، وهذه هى القضية محل الإثارة. فالدكتور الخشت كانت نيته حسنة وإن كان الشكل العام يوحى بأن هناك خلافا.
لجهودكم البارزة فى الفكر الإسلامى تم تكريمكم من قبل رئيس الوزراء نيابة عن رئيس الجمهورية. ماذا يمثل لكم هذا التكريم؟
هذا التكريم وسام شرف على صدري. والذى يستحق التكريم الحقيقى منى ومن جميع المواطنين على اختلافهم هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأنه قدوة لتحقيق الأمل والتقدم وهو أثبت أنه رجل دولة على طراز فريد، من الذين حققوا لأوطانهم المجد والقوة والشرف والأمن والأمان والسلام للمصريين والعرب وأنه أمل لنا جميعا فى أن تنال مصر والعالم العربى المكانة السامية التى يسير فيها بطريق عملى واقعى يوافق الزمان والمكان ونحن وراءه والله معه وناصره إن شاء الله.
علماء الأمة المجتهدون الآن.. مجددون أم مقلدون؟
إنهم مجددون وليسوا مقلدين، بدليل أن قضية التدخين ـ على سبيل المثال ـ كان الأطباء قديما غير مدركين خطورته وبالتالى لم يحرمه العلماء فى وقتهم، لكن عندما أكد الأطباء أنه مضر جدا بالصحة تم البحث فى هذا الإطار ودراسته وأكدنا أنه مضر وحرام شرعا ولا يجوز بأى حال من الأحوال، وقطعنا باليقين الخلاف القائم، وأيضا قضية ختان الإناث فعندما بحثناها وجدنا أنها جريمة بكل المقاييس للأنثى لذا تم تحريم ختان الإناث. وهذا كله تجديد.. فالأزهر يقوم برسالته ومن يدعى أن الأزهر مقصر هو على خطأ كبير.
برأيك ما هى معوقات التجديد الديني.. ولماذا هو حثيث الخطوات حتى الآن؟
عوائق التجديد ليست عندنا، فالأزهر مجدد فى بحوثه ودراساته، لكن للأسف ترك الحرية العامة فى الثقافة والإعلام والبحث العلمى لمناهضة الأزهر وعلومه، تحد كبير وعقبة أمام قطار التجديد، بالإضافة إلى أن هناك محطات إعلامية ممولة من الخارج مهمتها الترويج لذلك والنيل من الأزهر وتهميش دوره، وإعاقة التجديد وتشويهه وإساءة الدعوة إليه، بهدم التراث والأحاديث والترسيخ لضرورة الاعتماد على الكتاب والسنة فقط.
وهنا أكرر أن الأزهر ليس مقصرا فى دوره ورسالته، فالأزهر قوة ورمز لمصر السلام والأمان وبهدمه تنهدم أركان هذه الدولة، وما تعانيه الدول العربية من حولنا مثل سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن وغيرها من الدول التى انهدمت لأنه ليس بها كيان كالأزهر الذى يمثل الركن الأصيل لبناء قوة الدولة الثقافية والعلمية والسياسية التى تجمع بين البشر جميعا.
هل الأزهر فقط المنوط بالتجديد؟
لا، فالتجديد مسئولية المجتمع كله، والأزهر لا يستطيع وحده القيام بهذا الدور بل لابد من التوافق والتكامل بين الثقافة الإسلامية بمفهومها العام فى كل وسائل الاعلام والتعليم لأن الدين والدنيا وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما كالروح مع الجسد واذا فصل بينهما اختلت المعايير والازهر يحافظ على الجمع بين الاثنين لأنه يدرس علوم الدين والدنيا معا.
ما أهمية الوعى بالشأن العام؟ وكيف يتحقق؟
هذا أمر فى غاية الأهمية، ويتحقق عن طريق وسائل الإعلام والثقافة بما لهما من دور رئيسى فى هذا الأمر بالابتعاد عن المضر، وترسيخ كل ما هو مصلحة للناس، لذلك كلنا نكمل بعضنا البعض، ولابد أن نرجع إلى ديننا وعقيدتنا وشريعتنا وأن نعلم أن الإسلام دين ودنيا ولا يمكن الفصل بينهما بأى حال من الأحوال.
وهنا يجب الاعتناء بالنشء والتربية على الثقافة الدينية السليمة بالبيت والمؤسسات التعليمية، حتى لا يأخذ الشاب بعد ذلك ثقافته من الخارج بصورة خاطئة ويسير مع الجماعات المتطرفة وهذا حال الجماعات الإرهابية والخارجة عن الدولة والقانون، الذين يعزلون أنفسهم عن الناس ويعيشون فى جزر منعزلة ويخربون فى أوطانهم، وينسى هؤلاء أن من يقتل نفسا واحدة كأنه قتل الناس جميعا، فهذا هو فقه الدين أن يتعلموه، أما من يخرب أو يقتل أو يفسد فى وطنه فهذا يلهث وراء «فقه الشيطان» وليس فقه الدين.
ما هى أبرز قضايا الشأن العام التى تحتاج إلى توعية واهتمام؟
الأمية الدينية والثقافية ما زالت منتشرة وتعم أغلب الناس وهذا مؤثر عليهم عندما يكتسبونها من غير أهل الاختصاص. فعلى فأهل الاختصاص أن يقوموا بدورهم، كل فى محله، وأهل الشرع لهم مواضع واهل الطب لهم مواضع واهل الزراعة لهم مواضع وهكذا فى كل المجالات والحكم الشرعى على مسألة ما مستجدة فى أى أمر من هذه الأمور لابد أن يكون أهل الخبرة الأساس فيها من حيث المصلحة والضرر ولا يوجد أى أمر من امور الحياه إلا ويوجد رأى شرعى له.
رابط دائم: