رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تاريخ المجتمع المصرى بعيون حكمدار إنجليزى

د. مروة الصيفى

44 عاما قضاها توماس راسل في مصر كضابط شرطة فى أثناء الاحتلال البريطاني بمطلع القرن العشرين، حاول راسل التعبير عن تلك الفترة في كتابه الصادر بلندن عام 1949 بعنوان «في الخدمة المصرية»، وعلى مدي أكثر من سبعين عاما ظل الكتاب حبيس المكتبات البريطانية حتى وصل إلى مصر وترجمه للمرة الأولى، الكاتب مصطفى عبيد بعنوان «النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل حكمدار القاهرة في الفترة من 1902 إلى 1946» ، والصادر عن دار الرواق للنشر (2020) .

 

الكتاب في مجمله أشبه بأدب الرحالة، حيث قدّم راسل تجارب حية عن تلك المرحلة التاريخية التي قضاها في مصر، فاعتمد في سرد الأحداث على حياته الشخصية وتجاربه كشرطيّ، واستعرض تفاصيل المجتمع المصري من خلال ما اختبره من جرائم متنوعة. يعرض الكاتب أحوال المصريين عموما، ونوعيات الجرائم وحيل المجرمين، وتفاصيل عوالم المخدرات والقمار والدعارة وقطاع الطرق وحواة الأفاعي والأجانب، لذا يصفه المترجم بأنه إطلالة نادرة على الجريمة والمجتمع في واحد من أهم بلدان الشرق خلال حقبة زمنية مهمة تغيرت فيها دول وأبيدت حضارات وتبدلت خرائط.

لم يغفل راسل التغيرات المتلاحقة التي شهدتها مصر فى أثناء الاحتلال مرورا بظهور الحركات الوطنية والمظاهرات المصرية والاغتيالات السياسية خلال ثورة 1919، ودور الأزهر والحركات الطلابية آن ذاك. ويؤكد راسل أن 80% من الجرائم كانت مرتبطة بالثأر وهي أحد تقاليد الريف المصرى، ومعدلات الجريمة بوجه عام كانت ضعيفة، فمصر على غير المتوقع هي بلد شبه آمن. تجول راسل فى أثناء السرد في المجتمع المصري بجميع فئاته، مثل البدو والغجر وهواة الصيد والأعيان، مقدما أنماطا للحياة الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، فتعمق مثلا في شخصية الفلاح، والحياة البسيطة التي يعيشها، وكيف يبدو جادا ومسالما ويحترم القانون، لكنه قد يتحول في لحظة إلى قاتل بسبب عداءات خاصة في المقام الأول، ويصف راسل ذلك «إن كثيرا من القتلة هم نتاج الثأر، وهي عادة لا يمكن لأحد التهرب منها، بل يؤديها وهو مفتخر».

تعمق راسل كذلك في شخصيات الأعيان والبدو والغجر واهتم بفهمها بشكل دقيق، ففي عرضه لشخصية الغجر مثلا استعرض لمحات من كتاب اليهود والغجر والإسلام، لريتشارد بورتون فيقول «ذكر بورتون أن الذي تكون له دماء غجرية يكون لعينه قدرة على التدقيق في شىء ما مخفي عنك، والتحول من التدقيق الثابت إلى ما يتجاوز حدقة العين»، ذلك العرض يؤكد أن راسل لم يكن شرطيا عاديا بل كان أيضا كاتبا مدققا وموسوعيا في معلوماته. وبأسلوب رشيق وصف الحكمدار تفاصيل مصرية خالصة مثل الكوخ والماشية وحلاق القرية والعمدة، حين كان يعمل في قرى الوجه القبلي، ثم انتقل لوصف الإسكندرية عقب انتقاله للعمل بها ووصفها بأنها مدينة جامعة لثقافات مختلفة، كما وصف مناطق بعينها في القاهرة كمنطقة «وش البركة» و«الوسعة» ، وأطلق عليها مجتمع القاهرة السفلي، حيث كانت من أشهر مناطق البغاء والدعارة التي كان مصرحا بها في تلك الفترة، تعمل بها النساء الأوروبيات، تحت حماية أوروبيين. انتقل راسل إلى الحديث عن تجارة المخدرات مستعرضا خبرته في مواجهتها على مدي ستة عشر عاما، حيث كانت مصر محطة رئيسية في رحلة تلك التجارة في بداية القرن العشرين.

وإذا كان راسل سعى لأن يكون واقعيا وموضوعيا كما يؤكد، محاولا تبرئة نفسه من الانحياز لبلاده، إلا أنه حين تطرق للحديث عن الحركة الوطنية ظهر تحيزه المطلق كمستعمر، حيث وصف ثورة 1919 بأنها «عملية غضب وانفعال في غير محلها»، كما عنون الفصل الذي تضمن أحداثها بـ «قانون الفوضى»، ووصف المظاهرات الطلابية وقتها بشغب الغوغاء. يظهر انحياز الكاتب أيضا في تقديمه لأحداث تاريخية بشكل مغاير لما جاء في الكتب والمراجع التاريحية المصرية، فيدعي مثلا أن شيوخ الأزهر عام 1919 كانوا يفعلون ما بوسعهم لمنع المظاهرات الطلابية من الخروج تجاوبا مع أوامر نقطة القيادة البريطانية، وهذا مناف لما يسرده التاريخ المصري عن الشيوخ الذين خرجوا ليخطبوا في الكنائس المصرية، والقساوسة الذين خطبوا في المساجد ليتصدر المشهد شعارات مثل «الدين لله والوطن للجميع»، و«يحيا الهلال مع الصليب». وعلى الرغم من عدم قدرة الكاتب أن يبقى محايدا فيما يتعلق بالأحداث السياسية، فإن الكتاب يمثل قراءة عميقة لأحداث وجوانب مهمة لا يمكن إغفالها عند قراءة التاريخ المصرى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق