من خلال أحدث معارضه الفنية «بازيليكا» يقدم الفنان نجيب معين، بجاليرى مصر بالزمالك، مجموعه نحتية وتصويرية مميزة، جاءت وقد استقاها الفنان من مزيج متباين ظهر جليا بالطرز المعمارية الإيطالية لتحوى طرزا قوطية شمالية ورومانسكية ايطالية وبيزنطية وإسلامية، والتى تعدت موسوعة للطرز المعمارية شرقا وغربا بالعصور الوسطى، وقد ولع وتأثر بها الفنان فى أثناء فترة دراسته وخلال رحلة بحثه بين ثقافات البحر المتوسط المختلفة، فضلا عن ولعه بالنحات والمعمارى الايطالى فيليبو برونلسكي.. يعد «بازيليكا» هو مشروع قد بدأه الفنان منذ نحو ستة أعوام فى كرارا ايطاليا عن طريق تنفيذ مجموعة موديلات بخامات متنوعة بين الرخام البلجيكى ورخام كرارة والألاباستر والخشب والحجر والبرونز، بتناقض يظهر جليا فى الأساليب والتقنيات.. فقد حرص على إبراز تناقضات متعددة بين التشخيص والتجريد وأخرى بين الملامس الناعمة والخشنة. وتقول الدكتورة أمل نصر يرجع اسم «بازيليكا» إلى مبنى البازيليكا الذى عرف فى العصر الرومانى بمعنى صالة العرش أو القاعة الملكية ثم تطور استخدامه ليصبح داراً للقضاء وبعد انتشار المسيحية أصبح مكاناً للصلاة وأداء الشعائر، ومنه أخذت الأشكال المعمارية للكنائس حتى اليوم. ويقدم نجيب من خلال معرضه هيئاته النحتية التى ينسج فيها العناصر المعمارية مع جسد المرأة أو وجهها، وحالات مختلفة لهؤلاء النسوة المتدثرات بالعمارة القديمة التى ولع بها، فنحن أمام صيغة خاصة تتماهى فيها الهيئة النحتية لجسد المرأة المنقوش والمحفور والملون مع بنية العمارة فيقترن النحت بالعمارة بالتصوير. ويتحول الجسد إلى بنية معمارية مرصعة بالعقود والأعمدة والفتحات الدائرية والنوافذ التى تطل على ظلمة داخلية شديدة الغور. وتأتى نساء نجيب كأنهن خارجات من دفاتر القرون الوسطى يحملن سكون الشخصيات المقدسة، ويظهرن كأن الزمن قد توقف بهن الآن..
يمتلك نجيب خبرات مصور تمكنه من إحداث هذه التأثيرات الملمسية واللونية الموحية بالقدم والتآكل ونشع الجدران الأثرية، وذلك من خلال تقنية مركبة تظهر خاصة فى الأجزاء الخشبية حيث عالجها بالثقوب الصغيرة التى تنتظم فى سطور تحيط بالكتلة وقد استعان فيها الفنان بالتخريم والتبتين والصبغ المتكرر والتلوين بالشمع السائل من خلال طبقات متراكبة يعالجها بالكشط والإضافة والحذف والصنفرة اليدوية. فى حين جاءت الوجوه المندمجة مع تلك البنية ناعمة هادئة، وهى وجوه مجردة، أوحى فقط بملامحها عن طريق الصقل اليدوى الهادئ الصبور الذى يحافظ على الضوء الطبيعى الذى تبثه الخامة محتفظاً بشفافيتها الطبيعية دون أن يجور عليها بأدوات صناعية تفسد طبيعتها المشعة. إن نجيب بإعادة تشييده لهيئات العمارة لتتخذ هيئات نسائية يمنح لتلك العمارة سحرا جديدا ويقدم رؤيته الذاتية لتلك البنايات النحتية التى يطرح من خلالهات نوعاً من التعبيرية الجوانية الساكنة التى تحمل روابط خفية بذاكرة تاريخية تجذبنا إليها بما تحمله من تكثيف زمانى مكانى آسر.
رابط دائم: