رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مساع أوروبية لإنقاذ صفقة نووية «معلقة» مع إيران

منال لطفى

لم يكن عام 2020 ليبدأ بطريقة أكثر اضطرابا فى الشرق الأوسط، حيث يحاول الاتحاد الأوروبى جاهداً إنقاذ الصفقة النووية مع طهران فيما وصلت التوترات بين إيران وأمريكا إلى مستويات قياسية باغتيال قائد قوة القدس فى الحرس الثورى قاسم سليمانى فى 3 يناير الماضي. فى الوقت نفسه، تتبادل تركيا وسوريا ضربات قاتلة فى إدلب بينما تراقب روسيا بقلق وهى شبه عاجزة. أما خطة سلام الشرق الأوسط، التى رفضتها الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية، فتجاوزت خطوط حمراء عديدة دفعت الفلسطينيين إلى قطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل والإدارة الأمريكية. أما الوضع فى العراق وليبيا واليمن فيزداد سوءًا.

ومع انشغال أمريكا بمحاكمة الرئيس دونالد ترامب والانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى لإنتخاب مرشح الحزب فى الانتخابات الرئاسية المقررة نوفمبر المقبل، فلا عجب أن يحاول الاتحاد الأوروبى أخذ زمام المبادرة فى هذه الأوقات المضطربة.

فى إطار جهود دبلوماسية مركبة على عدد من الأصعدة، يركز الاتحاد الأوروبى على تخفيف التوترات فى الشرق الأوسط، بدءًا من إنقاذ الصفقة النووية الإيرانية. ويقول دبلوماسى أوروبى مطلع لـ «الأهرام» إن إنقاذ الصفقة مع إيران هو «حجر الزاوية فى دبلوماسية الاتحاد الأوروبي.. إذا انهارت الصفقة النووية، فستتحول التوترات فى العراق وسوريا واليمن ولبنان إلى فوضى عارمة». ويتابع موضحاً: «إذا ظلت الصفقة النووية حية وإيران ملتزمة بها على أمل الحصول على بعض الفوائد الاقتصادية، فستواصل طهران تعاونها. لكن إذا انهار الاتفاق النووى وانعدمت فرص رفع العقوبات، وستكون إيران لاعبًا خطيرًا للغاية». 

والأسبوع الماضى، أرسل الاتحاد الأوروبى مسئول السياسة الخارجية والأمنية فى الاتحاد، جوزيف بوريل، إلى طهران لإجراء محادثات مع المسئولين الإيرانيين فى مهمة تهدف إلى خفض التوترات فى المنطقة، وبين إيران والغرب.

وتأتى رحلة بوريل، وهى أول رحلة له إلى إيران منذ توليه منصبه، والتصعيد بين طهران وواشنطن فى أعلى درجات. وبدأت المفاوضات التى استمرت يومين باجتماع بوريل مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف، تلته محادثات مع الرئيس حسن روحانى ورئيس البرلمان على لاريجاني.

بعد الاجتماع بين بوريل وروحاني، قال الرئيس الإيرانى إن طهران «قد تعيد النظر فى تزويد مفتشى الأمم المتحدة الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية إذا واجهت البلاد وضعا جديدا»، حسبما ذكرت وكالة أنباء إيرنا الرسمية. وتابع روحاني:«إن اتجاه عمليات التفتيش التى أجريت حتى اليوم سيستمر، ما لم نواجه وضعا جديدا». لم يخض الرئيس الإيرانى فى تفاصيل، لكن تصريحاته كانت تحمل تهديداً ضمنياً أن طهران قد تُوقف التفتيش على منشآتها النووية إذا ما فرضت أمريكا عقوبات جديدة، أو هدد الاتحاد الأوروبى بتقليص تعاونه مع إيران إذا تراجعت عن تنفيذ كل التزاماتها بموجب الأتفاق النووي.  ومع ذلك، قال روحانى إن إيران مستعدة للتعامل مع أوروبا. وشدد على أنه «كلما نفذ الطرف الآخر التزاماته بالكامل، ستعود إيران إلى التزاماتها». وكانت إيران قد أعلنت بعد اغتيال سليمانى أنها لن تلتزم ببنود الاتفاق النووى فيما يتعلق بمستويات تخصيب اليورانيوم، ما أثار مخاوف فى أوروبا من أن طهران بصدد «تفكيك الاتفاق النووى تدريجياً».  ولردع طهران عن ذلك المسار، قامت فرنسا والمانيا وبريطانيا فى منتصف يناير الماضى بتفعيل «آلية النزاعات» فى الاتفاق النووي. وهى الآلية التى يحتكم إليها الأطراف فى حالة حدوث خلافات أو نكث أحد الأطراف الوفاء بالتزاماته. ويفتح تفعيل آلية النزاعات الباب أمام عودة العقوبات على إيران إذا قرر مجلس الأمن أن الحكومة الإيرانية خالفت بنود الأتفاق النووي. والهدف من الخطوة الأوروبية هو الضغط على طهران حتى لا تقلل من التزامها بالاتفاق النووي. وكان لافتاً أن الاتحاد الأوروبى فعل آلية النزاعات دون أن يضع مهلة زمنية لطهران وذلك لإعطائها وقتا كافيا للتراجع عن خطوات التخصيب، متجنباً تصعيد إضافياً للأزمة الحالية. 

وقال بوريل فى حديث مع الصحفيين فى طهران: «نحن متفقون على عدم التوجه مباشرة إلى مهلة زمنية صارمة من شأنها أن تلزم بالذهاب إلى مجلس الأمن فى الأمم المتحدة» وأضاف «لقد طلبت من السلطات الإيرانية، وأعتقد أنهم متفقون، على أنه يتعين علينا السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواصلة اعمالها». وتابع المسئول الأوروبي: «نتوقع بعض الخطوات الإيجابية على الجانب النووي، والإيرانيون يتوقعون بعض الخطوات الإيجابية فى الجانب الاقتصادي»، موضحاً أن هذه القضايا ستتم معالجتها فى الأسابيع المقبلة. وشدد بوريل على أن الاتحاد الأوروبى لا يريد تهديد الاتفاق النووى الذى تم التوصل إليه عام 2015 بعد مفاوضات استمرت نحو 3 أعوام «لكن بدء عملية ستبقيه على قيد الحياة». 

وتعرض الاتفاق النووى لضربة كبيرة منذ انسحاب الرئيس الأمريكى منه فى عام 2018، وصعدت واشنطن منذ ذلك الحين العقوبات عبر حملة «أقصى قدر من الضغط» ضد إيران.

وتراجعت طهران تدريجياً عن التزاماتها بموجب الاتفاق، فيما تصاعدت التوترات مع الولايات المتحدة ما دفع البلدين إلى حافة المواجهة الكاملة الشهر الماضي.

وحالياً الصفقة النووية «معلقة على خيط واحد» وهو الخيط الذى يسمح بالتفتيش الدولى على مواقعها النووية، لكن هذا الخيط مهدد بالفعل.  فطهران تلوح بوقف التفتيش الدولى بعدما فرض ترامب عقوبات جديدة الأسبوع الماضى تستهدف رئيس البرنامج النووى الإيرانى ومنظمة الطاقة النووية الإيرانية.

وانتقدت منظمة الطاقة النووية الإيرانية العقوبات الأمريكية، وإضافة رئيسها، على أكبر صالحي، إلى القائمة السوداء للمسئولين الإيرانيين على قوائم العقوبات الأمريكية.  ووسط التصعيد والمخاوف من انهيار الاتفاق النووي، قال مكتب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية قبل الزيارة إن مهمة بوريل تهدف إلى «تخفيف حدة التوترات الحالية والبحث عن حلول سياسية للأزمة الحالية»، موضحاً أن الغرض من هذه الرحلة هو السماح لبوريل «بنقل التزام الاتحاد الأوروبى القوى بالحفاظ» على الصفقة النووية، ومناقشة التعاون بين الاتحاد الأوروبى وإيران. بينما قال عباس موسوى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية فى مؤتمر صحفى إن طهران تأمل فى أن تساعد زيارة بوريل الاتحاد الأوروبى على «فهم» وضع طهران ودفع الكتلة إلى «إظهار حسن النية باتخاذ تدابير جدية». 

ويجد النظام الإيرانى نفسه فى موقف حساس للغاية، فهو لا يريد أن يبدو أضعف بعد مقتل سليمانى وتعامله الكارثى مع إسقاط دفاعاته الجوية لطائرة الركاب الأوكرانية الشهر الماضي.  فبعد مقتل سليماني، ردت إيران بموجة من الصواريخ الباليستية على القوات الأمريكية فى العراق، لكنها بعد ذلك بساعات أسقطت بطريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها، ومعظمهم من الإيرانيين. وتداعيات هذا الخطأ القاتل لا تزال تتفجر فى وجه المسئولين الإيرانيين. 

فقد أعلنت إيران وقف تعاونها مع أوكرانيا فى تحقيقها بشأن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية بعد تصريحات تسربت تشير إلى أن إيران علمت على الفور أنها أصابت الطائرة. وبث التليفزيون الأوكرانى محادثة بين مسئولى برج مراقبة الحركة الجوية فى طهران وطيار كان يهبط فى أثناء تحطم الطائرة الأوكرانية. وفى المحادثة يقول الطيار الإيرانى إنه رأى وميضا مثل إطلاق الصواريخ فى السماء، ثم انفجارا. فى مقطع صوتى نشرته قناة يوتيوب الأوكرانية، يقول الطيار  الإيرانى لبرج المراقبة: هل هذه منطقة نشيطة؟ هناك أضواء مثل صاروخ. هل هناك أى شيء؟

فيرد برج المراقبة: لم يتم الإبلاغ عن أى شيء لنا. ما الضوء مثل؟ وحدة تحكم.

فيقول الطيار: «انه ضوء صاروخ».

ثم سمع برج المراقبة وهو يحاول الاتصال بالطائرة الأوكرانية عدة مرات، دون نجاح.

وكانت إيران قد أنكرت فى البداية مسئوليتها عن إسقاط الطائرة فى 8 يناير، لكن الرئيس الأوكرانى قال إن المحادثة أثبتت أن إيران كانت تعلم منذ البداية أن الطائرة أصيبت بصاروخ.

وعقب الحادث، وافقت إيران على التعاون فى التحقيق مع «خبراء أجانب»، لكن هناك توترات واضحة حول التحقيقات، ويضغط الاتحاد الأوروبى على طهران لمواصلة التعاون فى التحقيقات.

إذن يجد الاتحاد الأوروبى نفسه عالقا بين الولايات المتحدة وإيران، فيما تتقلص خياراته. ويقول الدبلوماسى الأوروبى لـ«الأهرام»: «إذا قررت إيران، لحسابات سياسية داخلية، المضى قدمًا فى تخفيض التزاماتها بالاتفاقية النووية، فإن هذا سيضع الاتحاد الأوروبى فى موقف صعب للغاية وقد يؤدى إلى عودة العقوبات الكاملة على إيران وانهيار الصفقة النووية... هذا سيكون فشلا ذريعا لطهران وبروكسل»، محذرا من أن «الأشهر القليلة المقبلة حاسمة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق