أريد أن تشير علىّ بما يمكن أن أفعله مع ابنى، فهو يبلغ خمسة عشر عاما، ومؤدب ومحترم ومتدين ومتفوق دراسيا، والمشكلة أنه ليست لديه اهتمامات ولا هوايات خارج الدراسة، ولا يحب القراءة، ولا يتفرج على التليفزيون، ويفشل فى الغالب فى تنظيم أى «خروجة» مع أصحابه، وكان يتدرب على كرة القدم، لكنه توقف عن التدريب بسبب الدراسة.. أيضا فإن أباه لا يصاحبه، ولما فاتحته فى ذلك، قال: إنه لا يعرف كيف يتعامل معه، إذ أن أباه مات، وهو صغير، ولم يعلمه أحد شيئا.. ولدىّ بنات يحببن شقيقهن، وهن أكبر منه، وللأسف ليس لديهم اهتمامات مشتركة.
وكلما دخلت حجرته أجده نائما على السرير، ومرتديا النظارة، ودائما «مكشر وعصبى»، وأخشى أن يصيبه الاكتئاب أو أن يتطرف، فماذا أفعل؟.
> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
هناك نصائح عامة للتعامل مع الأطفال ينبغى على الأسرة أن تراعيها، ومنها توفير الجو الهادئ لهم، بعيداً عن التوتر والقلق، إذ يتيح ذلك للطفل فرصة بناء شخصيته بعيداً عن المؤثرات السلبية، مع إعطائهم قدرا كافياً من الحب والحنان والعطف، وعدم انتقادهم بتعريضهم للإهانة، خصوصاً أمام أصدقائهم أو أقاربهم، والابتعاد عن القلق الزائد تجاههم، وإعطاؤهم مساحة من الثقة بأنفسهم وبقدراتهم، ودمجهم في مرحلة مبكرة بالحياة الاجتماعية، من خلال استضافة الأقارب، أو حتى بدمجهم في دور الحضانة.
أيضا يجب الحرص على مدح الطفل في حال قيامه ببعض الأعمال الإيجابية مهما تكن صغيرة، فهذا من شأنه بث الثقة في نفسه، ودفع مَن حوله من أطفال أيضاً إلى سلوكيات مشابهة، وعلى الأهل عدم التدخل إلا للضرورة في حالة وقوع شجار بين الأبناء أو بين الطفل وأقرانه، ومساعدته على تنمية ثقافته بذاته عن طريق التشجيع الدائم، ومن الضرورى مصاحبته وتشجيعه على التفريغ والإفصاح عن مكبوتاته الداخلية، فهذا يتحول إلى ما يشبه التمرين على التعبير، وعلى مهارات الاتصال.
ومن المهم أن يتجنب الأهل والمربون والمحيطون بالطفل بعض التصرفات التي من شأنها أن تجعله أكثر انطواءً بل وتقوده للاكتئاب، ومنها تجنب إحراجه عن قصد، ويعتقد بعض الآباء أن السخرية من السمات السلبية عند الطفل طريقة لعلاجه، لكن الحقيقة على العكس تماماً، إذ أن السخرية تزيد انطوائيته، وتجعله أقل رغبة فى الاندماج مع محيط يسخر منه.. كذلك من اللازم تجنب إكراهه على التفاعل الاجتماعي، فلا شك أن انطوائية الطفل تقلق الأهل، مما قد يدفعهم لإجباره على التفاعل مع الآخرين من خلال تعريضه للمناسبات الاجتماعية بشكل قسري، أو تعمد استدراجه للتفاعل بشكل فج، والنقطة الأهم هي منح الطفل الأمان والاستقرار ليتفاعل بشكل عفوي.
وقد يعتقد الأهل أن الحديث مع الطفل في كل وقت هو الحل، لكن الطفل الانطوائي يحتاج فعلاً أن يكون أقل تفاعلاً أحياناً، ويجب ألا تتحوّل الرغبة فى إخراجه من عزلته إلى حصار يرغمه على الحديث طوال اليوم.
ولا ننسى أن البيئة التي ينمو فيها الطفل تلعب دوراً أساسياً في تشكيل شخصيته التي ستلازمه طوال حياته، فإذا عمل الأبوان على بنائها بشكل سليم، يكونان قد منحاه تذكرة حضور مميز في حياته المستقبلية، أما إذا فشلا في بناء شخصيته وتطوير سلوكه، فإنهما يحكمان عليه بتحمّل المتاعب طوال عمره، فمهما يكن شعور المرء بالخجل ــ طفلاً كان أم راشدا ــ مزعجاً لمن حوله، فإنه هو من يدفع الفاتورة الكبرى، لأن الأذى الواقع عليه أكبر بكثير مما يقع على الآخرين.
ومن الأمور الواجب مراعاتها تجنب الحديث عن انطوائية الطفل أمام الآخرين فالتركيز على صفة من صفات الطفل مهما تكن، وجعلها موضوعا للأحاديث العامة مع الجيران والأقارب لا يمكن أن تؤدي إلا إلى زيادة وتفاقم حدة المشكلة، ولذلك ألا يجعلوا من انطوائية الطفل موضوعاً للنقاش العام.
وفى أحيان كثيرة يمارس الأطفال الانطوائيون أنشطة هادئة قد تجعل الأهل يقلقون عليهم، وعلى الوالدين ألا يدمرا متعتهم الصغيرة بتأمل السقف أو الاستلقاء على الأريكة، أو اللعب بشكل منفرد في الحديقة، وتنظيم هذه الأنشطة ومحاولة توفير أنشطة أخرى دون إلغاء متعة الطفل في الأنشطة الفردية، وأرجو أن تتصرفى مع ابنك وفقا لهذه الأسس، وسوف تكون الأمور على ما يرام بإذن الله.
رابط دائم: