رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إشكاليات الطرح الدينى لدى المتطرفين «1»..
التوصيف والتكييف والتوظيف

د .أحمد إسماعيل أبو شنب عميد كلية أصول الدين بطنطا

لا شك أن الصور المتتابعة والمتصاعدة من العنف والإرهاب فى الوسط السياسى والاجتماعي، بدأت بـ«عنف الفكرة»، و«فكرة العنف» اللتين أفضتا إلى ممارسة الأعمال الإرهابية والتدميرية والتخريببة التى عانتها بعض الدول من قبل الجماعات المتطرفة فى إطار من التبرير المغلوط والتأصيل الأيديولوجى الموهوم القائم على الظن والتوهم. وما يشهده العالم من صور للعنف المتصاعد، إنما نشأ عن إشكالات منهجية فى الطرح العقدى فى إطار تكوين القناعات والمعتقدات فى أوساط الاتجاهات المتطرفة. وأولى هذه الإشكاليات إشكالية: التوصيف والتكييف والتوظيف.

التوصيف هو جعل وصف للشيء يقربه من دلالاته الشرعية، والتكييف هو جعل كيف شرعى للشيء يمكن من صبغه بالشرعية، أما التوظيف فهو جعله محتوى شرعيا تطبيقيا بصرف النظر عما إذا كان واجبا أو مستحبا أو محرما أو مكروها..وهذا ترتيب منطقى لمراحل البناء والتكوين الفكرى والعقدي، لا يمكن عكسه أو الإخلال برتبيته، فالخلل فى التوصيف يتبعه خلل فى التكييف، والخلل فيهما معا أو فى أحدهما يترتب عليه خلل فى التوظيف.

فيشترط لصحة التكييف صحة التوصيف، ويشترط لدقة التوظيف دقة التكييف، وخلاف ذلك يترتب عليه خطأ تراكمى فى إجراءات الحكم، وفى توظيف المفهوم توظيفا شرعيا بمقتضى الشرع والعقل..وهذه إحدى أخطر الإشكاليات التى تواجه مسارات الطرح العقدى الذاتى فى إطار الإقناع والاقتناع،وترسيخ المفاهيم فى أذهان تقاصرت عن الفهم، واتجاه تعاظم على النقد، ودلالات تأبت على «رشد الفكرة»، و«فكرة الرشد» و«حكمة التعقل».

ولا ريب أن هذا التأسيس البنائى الخاطئ للمعتقدات والقناعات يفتح الباب أمام الغلو والتقصير والإفراط والتفريط، مما يترتب عليه خطأ فى المعتقد والقناعات والسلوك. وبالقطع فهذه تربة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والنزوعات القوية إلى العنف والإرهاب، حيث تهيئ الظروف المناسبة لنمو«عنف الفكر» و«فكرة العنف»، فالأولى تمثل الجانب النظرى النقدي، بينما الثانية تمثل الجانب التطبيقى العملى لعنف الرؤى والتصورات والمبادئ، وهما دائرتان متقاطعتان متداخلتان تراكميتان غائرتان فى القصد، وتترتب الثانية منهما (فكرة العنف) على الأولى (عنف الفكرة).

مثال: «الحكم بالتكفير» و«قتال الكافر»، فبالنسبة إلى التوصيف: التكفير يفتقد وصفا يخرج به الإنسان عن كونه مسلما، وبالنسبة للتكييف: النظر بدقة فى إجراءات إعداد الوصف لمرحلة تجعل له سندا شرعيا. أما التوظيف، فهو توظيف الوصف بعد تكييفه لما يتفق وهوى المذهب وبما يتطابق مع قناعاته بوجوب قتل الكافر.

والحكم بالكفر وقتال الكافر مرتبطان بتصور مفهوم «أهل الحق»، وهو مصطلح يعانى قصور الفهم وخطأ التحرير، وغلو التفسير، فكل اتجاه يرى أنه أهل الحق، وتقتضى القسمة المنطقية أن غيره ليس بأهل حق، وهذه العبارة الأخيرة تمثل وصفا للحال فى إطار التوصيف.

إذن ـ ووفق معتقدهم الخاطئ ـ فهو مهيأ لتكييفه بأنه بعيد عن الدين، وهذا هو «التكييف»، ومن ثم فهو ـ عندهم ـ كافر، وهذا هو التوظيف، ومن مقتضى التوظيف إصدار حكم بوجوب قتاله والتسويق لذلك.

فانظر إلى تراكمية الخطأ فى التوصيف، كيف أدت إلى خطأ فى التكييف، وكيف أديا معا إلى خطأ فى التوظيف، وكيف أدت المراحل الثلاث إلى خطأ فى التسويق لفكرة خاطئة على أنها دين وواجب، أى أن تكفير الآخر لديهم دين، وقتاله واجب، مع أنه غير متحقق بوصف يوصف به، وكيف يكيف به، وحكم بكفر يصدق عليه.

ومن المبادئ الخاطئة التى يزعمونها أن الكافر ـ أى كافر ـ هو عندهم «غير المسلم» يجب قتاله، وهذا قصور فى الفهم وخطأ فى الحكم.

فالقتال فى الإسلام لمن قاتل وحمل السيف وأدى إلى فتنة عامة ونقض العهد، وليس لمن خالف الدين طالما كان مسالما، قال تعالى «بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ»، فالأمر بقتالهم ليس بسبب وصفهم بالكفر، وإنما لنقضهم العهد مع رسول الله، فالقتال لمن قاتل، ومن ثم قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، والمعني: قاتلوا الذين يلونكم ممن قاتلوكم.

مثال آخر: ظن الغلاة أن مجرد تحقق الكافر بوصف الكفر «توصيف» يوجب مواجهته شرعا، وهذا «تكييف» خاطئ، ويجب أن تكون المواجهة بقتاله، وهذا «توظيف» خاطئ، علما بأن المقرر شرعا أن مجرد الوصف بالكفر لا يوجب القتال ولا يجيزه، إنما يوجب ذلك أو يجيزه إشهار سيف أو بروز لقتال، قال تعالي: «نحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ»، والقاعدة العامة فى التبليغ: أن «الدعوة عرض لا فرض»، وهو مأخوذ من قوله تعالى «إنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»، فقال تعالى (عرضنا)، ولم يقل (فرضنا)، لأن الاعتقاد قائم على محض الاختيار، ولا سلطان لمكرِهِ على مكرَه.

من ثم قال تعالى «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»، والخطاب الكريم متضمن إنكار كون الإيمان قائما على مبدأ الإكراه، ولو أنه يقوم على الإكراه لأكره الرسول قريشا على الإيمان يوم أن فتح مكة، بل عفا عنهم، وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. ولم يجبر أحدا على الدخول فى دين الله، بل دخل الناس فى دين الله أفواجا عن طيب نفس وطواعية ومحض اختيار.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق