رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قدمها الفن التشكيلى كوثيقة بصرية تؤرخ للعاطفة العربية..
أم كلثوم.. «الروح الملهمة» بالريشة والألوان

نادية عبد الحليم;

هى درة الفن العربى التى تربعت على عرش قلوب عشاق الموسيقى و الغناء من المحيط إلى الخليج طيلة عدة عقود، حتى بعد رحيلها كانت ولا تزال تثير الإحساس بالحنين إليها، وإلى طلتها وفنها و صوتها وحفلاتها وفرقتها وزمانها بمختلف تفاصيله ومفرداته الدافئة؛ ولذلك لم يكن من الغريب أن تتحول «أسطورة الست» المستقرة فى أعماق ذاكرة الإبداع وبين ثنايا الوجدان وجذوة النبض الوطنى والقومى إلى رافد مواز للإلهام فى شتى مجالات الإبداع، وفى مقدمتها الفن التشكيلى الذى نجح ببراعة و سلاسة فى أن يجعل منها وثيقة بصرية مُغمسة بصوت اللون والخط يؤرخ بها لعاطفة الإنسان العربى.

..................................................................

فلم تقتصر تأثيرات أم كلثوم على الأدب والسينما والمسرح والموسيقى فقط ولم تلهم مبدعى هذه المجالات وحدها عبر أعمال استقبلها الجمهور بحفاوة بالغة تتماهى مع تعطشه لـ»سلطنة» عصرها الجميل، إنما كان هناك أيضا الفن التشكيلى الذى آسرته وحلق معها فى أغانيها؛ ليقدم لنا لوحات مفعمة بالأصالة والشجن تصدح أجواؤها بألحان ومقامات تطرب لها العين، وترتقى بها النفس، وتتوهج معها الأحاسيس.

وإذا كان لنا أن نستعير من الكتاب الصادر أخيرا بالفرنسية للكاتبة الجزائرية إيزابيل صياح بوديس بعنوان «أم كلثوم إلى الأبد»، فإننا نكاد نجزم بأن «الست « حين ألهمت الكثير من الفنانين التشكيليين المصريين والعرب والعالميين لوحاتهم و منحوتاتهم ورسومهم «الجرافيتية» إنما كانت قوة « تحفيزية» و تحريضية على التوثيق الفنى و الثقافى و الاجتماعى والعاطفى أيضا لمرحلة مهمة من تاريخ مصر و المنطقة. ففى المشهد التشكيلى المصرى احتفى بها كبار الفنانين وقدموا أعمالا غنية متنوعة ما بين اللوحات الزيتية والأعمال النحتية والكولاج والمجسمات و المنسوجات، وفى مقدمتهم الفنان الرائد محمود مختار الذى فاز بجائزة من معرض صالون باريس عام 1925 عن تمثاله « أم كلثوم»، واعتبرها جورج بهجورى ملهمته الأولى، أو على حد تعبيره «أيقونة « الفن العربى، وهو الاسم نفسه الذى أطلقه على كتاب فنى ضخم أصدره عام 2018 ضم ما يقرب من 130 لوحة رسمها لسيدة الغناء العربى عبر تاريخه الفنى الطويل، وفى مقدمته قال عنها: «أم كلثوم هى مصر، بعيوبها ومميزاتها»!. وحين سألت بهجوري:»ماذا تعنى بهذه العبارة؟ رد قائلا ً:»أم كلثوم ليست رمزا لزمن الفن الجميل فقط كما يراها كثيرون، فعندما أرسمها أكون فى واقع الأمر أرسم مصر.. هويتها وصوتها و ضميرها، فرحة ناسها وعاطفتهم ووجعهم وحنينهم؛ ولذلك من أكثر الأعمال التى أعتز بها، هى الأعمال التى جسدت فيها كوكب الشرق ومعها كوبليه» مصر التى فى خاطرى»للشاعر أحمد رامى».

روح الست

وإذا كان بهجورى يقدم لنا «سيدة الغناء» وفرقتها بشكل «كاريكاتيرى» وكأنه يتعمد المبالغة فى تجسيد ملامح وجهها وجسدها فى إشارة إلى تعاظم دورها فى تشكيل الوجدان العربى، فإن الفنان وجيه يسى يقدم لنا «روح الست» إذا جاز التعبير محملة برؤيته ومشاعره تجاهها؛ حيث لا يستطيع المتلقى أن يستعيد من الذاكرة حين يشاهد لوحاته حفلة ما أو أغنية بعينها، إنما اللوحات عنده هى «خلاصة أم كلثوم» بتاريخها ومزيج نادر من أدائها وصوتها وانفعالاتها وإطلالتها ونظرتها وحتى منديلها الذى اشتهرت به، وقد اختلط ذلك كله بخطوطه الكلاسيكية الهادئة والأكوريل المبهرة ذات التوهج اللونى والإيقاعات المنضبطة للألوان و الرموز التى تحيلنا إلى المقام الموسيقى الشهير»صبا، إلى جانب الصدق الفنى العميق، وهو ما دفعنى أن أسأله: «كيف لك وأنت الفنان المقيم فى كندا منذ سنوات طويلة أن تنقل لنا روحها وليس مجرد بورتريه «خارجى» لها يعكس ملامحها الشكلية؟فأجابنى قائلاً:» ربما لأننى أدلف عبر الاستماع إليها و مشاهدة حفلاتها المسجلة إلى أعماقها، إلى عبقريتها الفنية، التى أعدها جزءا أصيلا من عبقرية مصر، وجسرا إلى الوطن وأنا خارجه أعانى وجع الغربة».

الاكتواء بنار الحب

وفى لوحات الفنان القدير حلمى التونى المسكون بمفردات البيئة الشعبية وجمال المرأة المصرية تشاهد أم كلثوم أيقونة شعبية جماهيرية، وهى مطربة الاكتواء بنار الحب والشوق واللوعة، ولا ينسى جمهوره وجمهورها حين جسدها فى أعمال جمع فيها بين خطوطه وألوانه وبين كلمات أغانيها مثل اللوحة المبهجة ذات الدلال التى جعل فى خلفيتها كلمات من أغنية «حبيب قلبى وافانى فى ميعاده «أو فى اللوحة شديدة الرصانة «الأطلال « حيث صورها فى شموخ وثبات تتماشى مع سمات جانب من كلمات القصيدة الشهيرة «واثق الخطوة يمشى ملكا.. ظالم الحسن شديد الكبرياء».

جمهور «كوكب الشرق»

ومن أشهر الفنانين الذين رسموا كوكب الشرق أيضا الفنان صلاح طاهر الذى تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى أخيرا صورة له وهو يرسم بورتريه كلاسيكيا لها، بينما تنظر هى إليه باهتمام شديد، وقدم الفنان عادل ثابت «الست» فى صورة قريبة من قلب الشعب وذهنه، يقول:»حين أرسم أم كلثوم أسهم فى الحفاظ على إرث إنسانى عظيم، يعكس جانبا مهما من وجدان وعاطفة و عادات و خريطة مشاعر الشعب المصرى العظيم».

وتأتى لوحات الفنان مصطفى رحمة لتؤكد رؤية ثابت، وتتماهى مع نظرته لقيمة التوثيق لفن أم كلثوم بلغة بصرية، حيث اختار «رحمة» أن يعيدنا إلى أناقة و رقى «جمهور الست» بمختلف فئاته وذلك عبر مشروع فنى متكامل ضم نحو 40 لوحة، قدمها فى معرض مدهش استحوذ على إنبها الجمهور؛ حيث فوجئ المتلقى أن المعرض يتطرق إلى جانب لم يتناوله كثير من التشكيليين، وهو «جمهور كوكب الشرق» هذه المرة يقول رحمة:»حرصت على تجسيد جمهورها الواسع باختلاف أطيافه وثقافته».

فى التشكيل العربى

ولا يقتصر الحنين إلى صوتها وزمانها وفنها وفرقتها و جمهورها على التشكيلى المصرى وحده؛ حيث أبدع التشكيليون العرب أيضا بأناملهم روائع مستلهمة من وحى فنها وسحره، وبرزت أسماء قدمت لنا مشاهد متلألئة لكوكب الشرق بمفردها، أو وسط أعضاء فرقتها، ومنهم الفنان السورى أسعد عرابى الذى يعيدنا عبر لوحاته إلى سلطنة الست ووصولها إلى مرحلة عليا من الطرب و التجلى بخطوط حداثية بسيطة ورصينة فى آن واحد، تنسجم مع صدى حنينه إلى صوتها فى مسامعه وجدانه، لاسيما حين يشدو هذا الصوت بأغانٍ من ألحان السنباطى أو زكريا أحمد أو القصبجي؛ ولذلك تكاد تشعر حين تشاهد لوحاته كما لو أنك تسمع اللحن. فأنت فى لوحاته أمام الحفناوى و إبراهيم عفيفى و سيد سالم و بالطبع محمد القصبجى الحاضر بقوة فى حفلاتها و الهائم فى حبه لها يقول أسعد عرابى »كان الموسيقيون حول الست يمثلون أجواء خاصة ومناخا فريدا لها». أما غناؤها فهو على حد تعبيره «خدر الطرب الذى يمثل غذاء الروح لجمهورها العريض.كان هناك آخرون فمن العراق قدمها قحطان الأمين و على حسين الودى كما يبرز اسم الأردنية هيلدا حيارى فى التناول الحداثى لـ»الست». وكانت أم كلثوم ملهمة كذلك لفنانين عالميين أمثال الفرنسى جولو حيث كانت حاضره فى لوحاته كرمز لـ «مزاج» أو سلطنة «المصريين»،لعل اللوحة التى رسمها فيها طيفا صاعدا من وسط جلسة لمجموعة من الناس على سطح عمارة وهم مستغرقون فى حالة من الانسجام والطرب خير دليل على قراءة الفن العالمى تأثيرها الطاغى على سعادة المصريين.أما الفنان الكرواتى آنتى سارديليتش فقد قدم فى أعماله التى ضمها بمعرضه الذى أقامه أخيرا فى كندا حيث يقيم منذ سنوات طويلة أم كلثوم محاطة بمفردات مأخوذة عن الحضارة الفرعونية فى رمز لاستمرار تفرد المصريين، وريادتهم على مر العصور، مطلقا على مجموعة اللوحات اسم «الروح الملهمة» ومؤكدا أن أم كلثوم كانت ولاتزال رافدا للإبداع و الإلهام.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق