«البرازيل تعد نموذجا حقيقيا للتعايش السلمي وتكفل حرية الأديان وممارستها والدعوة إليها، مما أدى إلى اختفاء ظاهرة الإسلاموفوبيا والفكر المتطرف».. بهذه الكلمات تحدث الدكتور عبدالحميد متولى رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشئون الإسلامية فى البرازيل، إمام وخطيب المركز الإسلامى بوسط ساو باولو فى حوار لـ«الأهرام» خلال زيارته للقاهرة أخيرا، حيث أكد أن الغرب بحاجة ملحة إلى دعاة بمواصفات خاصة تمنكهم من تحقيق نتائج طيبة مع تلك المجتمعات، وأوضح أن التنسيق مع المؤسسات الدينية المصرية كان له دور فاعل في نشر الدعوة الوسطية ومحاصرة الفكر المتطرف بالبرازيل، وشدد علي أهمية وجود مركز للأزهر فى البرازيل لخدمة الدعوة في أمريكا اللاتينية، علاوة على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام.....وإلى نص الحوار:
حدثنا عن أحوال المسلمين والعمل الدعوى فى البرازيل؟
يقدر المسلمون بالبرازيل بنحو مليون ونصف المليون مسلم، وتعد الجالية المسلمة البرازيلية أكبر جالية في أمريكا اللاتينية من حيث العدد.
ويوجد بالبرازيل نحو 80 مؤسسة إسلامية، بالإضافة إلي 110 مساجد، كل ذلك مقابل 65 شيخا وداعية فقط، ومن ثم يعجز هذا العدد القليل من الدعاة عن القيام بشئون المسلمين المختلفة، لذا فالعمل الدعوي في البرازيل يشبه المطر الخفيف الذي ينزل على الأرض القاحلة، فمهما تم من أعمال دعوية فالبرازيل تحتاج إلى المزيد من الترتيب والتنسيق والتعاون وتوزيع الأدوار حتى يقوم بهذه المسئولية العظيمة.
أما المسلمون في البرازيل فإنهم يتمتعون بحياة كريمة، ماديا ومعنويا، فقد اجتهد المهاجرون العرب الذين قدموا قبل عشرات السنين وعملوا وتعبوا حتى أصبحوا ركنا رئيسا يعتمد عليه الاقتصاد البرازيلي، وكذلك الوضع الأدبي لهم جيد، حيث تتمتع البرازيل بالحرية الدينية لكل أطياف المجتمع.
وماذا عن المجلس الذي ترأسه ونه ودوره في خدمة الإسلام والمسلمين؟
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في البرازيل تم تأسيسه في الثالث من يونيو عام 2005، ومقره مدينة ساو باولو، وهو مؤسسة مسجلة داخل السلطات العدلية البرازيلية، ومعترف بها، وتضم علماء ومشايخ ودعاة في البرازيل، بالإضافة إلي دعاة محليين ومبتعثين من وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية في الأقطار الإسلامية. ويعتمد المجلس منهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويعتبر أن المرجعيات الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر الشريف هي الحصن الآمن للدعوة والدعاة في البرازيل. والمجلس يبتعد بعدا تاما عن السياسة والتحزب والجماعات المختلفة، وتنحصر طبيعة عمله فى الدعوة إلى الإسلام الوسطي الصحيح وفي الإفتاء، بالإضافة إلي دوره في الإشراف على المراكز والمؤسسات والمساجد في البرازيل، ووضع برامج لرعاية أبناء الجالية المسلمة، وتدريس اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي، واستنهاض همم المؤسسات الخيرية في العالم الإسلامي لعمل برامج اجتماعية، لمساعدة الأسر المسلمة الفقيرة في البرازيل، وعمل برامج مستمرة «مؤتمرات وندوات ومخيمات ودورات» لتوعية شباب المسلمين، يدعى إليها متخصصون من العالم الإسلامي. كما أن للمجلس دورا كبيرا في معالجة قضايا المسلمين في المجتمع البرازيلي، حيث يضم عددا من الأئمة والدعاة يقومون بالدعوة إلى الله وتوضيح الإسلام الوسطي للناس في أنحاء البرازيل ويجيبون عن أسئلتهم ويتولون عقود الزواج للمسلمين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم وجنائزهم.
وما وسائلكم وأدواتكم لنشر الإسلام الوسطى المعتدل؟
نعتمد علي البعثات التي يقوم بها كل من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، كما تم تأسيس مكتبة متكاملة باللغة البرتغالية مجازة من جهات الاختصاص بالعالم الإسلامي، تتضمن مبادئ العقيدة والشريعة الإسلامية، وتجيب عن الاستفسارات، والشكوك التي تطعن في الإسلام وتاريخه وترد على الحملات الموجهة ضد الجالية المسلمة. هذا بالإضافة إلي عدد من المواقع الإلكترونية وبعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بالمؤسسات والمراكز الإسلامية، ومواقع إلكترونية باللغة البرتغالية للتعريف بالإسلام، تنتهج منهجا واضحا وسطيا بعيدا عن الغلو والتطرف، والرد على جميع الاستفسارات والشبهات التي ترد إليها من الجالية المسلمة أو البرازيليين وينشر من خلالها عقيدة الإسلام الصافية وأخلاقه الحميدة وقيمه السمحة وأحكامه الميسرة.
إلي أي مدي يتم التنسيق بينكم وبين المؤسسات الدينية فى مصر الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء؟
أؤكد كامل انتماء واتباع المجلس لمنهج وفكر الأزهر المعتدل، كما يوجد تنسيق متكامل مع جميع المؤسسات الدينية المصرية وعلى رأسها الأزهر الشريف والأوقاف ودار الإفتاء، من خلال إرسال الأئمة والوعاظ الرسميين من قبل تلك المؤسسات، لنشر صحيح الدين الوسطى المعتدل، وهو ما أسهم بشكل كبير في محاصرة الفكر المتطرف بالبرازيل. ونأمل من الأزهر فى أن يقوم بإنشاء مؤسسة أزهرية متكاملة، وليكن معهدا دينيا كاملا في البرازيل، لأن البرازيل ليست دولة فحسب، ولكنها تشبه القارة، فهي لأمريكا اللاتينية كمصر للوطن العربي، من حيث المساحة والأهمية الاستراتيجية والكثافة السكانية، كما نأمل إمدادنا بعدد كاف من الدعاة المبتعثين المؤهلين القادرين على التعامل مع واقع الأسر المسلمة في البرازيل، والذين لديهم القدرة على التحدث باللغة البرتغالية، ويمكن أن يتلقى هؤلاء الدعاة المبتعثون دورة في بلادهم أو في البرازيل تتضمن اللغة وعادات وطبائع وتكوين المسلمين في البرازيل، ومشاكلهم واهتماماتهم المختلفة، وكذلك عادات وطبائع الشعب البرازيلي، حتي يسهل عمل الداعية ويكون أكثر تفاعلا مع من يدعوهم.
مواصفات خاصة
برأيكم ما مواصفات الداعية الناجح فى الغرب؟
الداعية الناجح لابد له من مميزات ومواصفات كثيرة منها الإخلاص، والصدق مع الله ومع الناس، والتواضع، والتجرد من الهوى، والعلم والمعرفة، وغيرها من المواصفات التي يجب أن يتحلى بها كل من دخل مضمار الدعوة وتحمل مسئوليتها العظيمة، أما الداعية الذي يعمل بالغرب فيحتاج إلي مواصفات خاصة، فبالإضافة إلي ما سبق لابد له من سعة أفق وإجادة عدة لغات أجنبية، وثقافة واسعة بظروف ومشكلات البلد الذي يدعو فيه، فضلا عن مهارات دعوية وتكنولوجية متقدمة، لتمكنه من التعامل مع المجتمعات الغربية ببساطة من خلال إعمال العقل لخدمة الشرع.
هل لـ «الإسلاموفوبيا» وجود في البرازيل؟
إطلاقا، فـ«الإسلاموفوبيا« - بحمد الله- لا وجود لها في البرازيل، وهذا بفضل الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بما لهما من بعثات دينية وسطية تحمل مشاعل النور إلى الناس الأمر الذي حبب البرازيليين في الإسلام والمسلمين، كما أن البرازيل تعد نموذجا حقيقيا للتعايش السلمي وتكفل حرية الأديان وممارستها والدعوة إليها، وينتج عن هذا عدم وجود بيئة حاضنة لانتشار الفكر المتطرف.
ما أكثر الأسئلة شيوعا بين مسلمي البرازيل؟
أكثر الأسئلة ترد من الناس عن سر العبادات فى الإسلام، بمعنى لماذا فرضت الصلاة والزكاة والصيام والحج والحكمة منها؟، ونحن نتخذ هذه الأسئلة سبيلا لدخول الناس فى دين الله على بصيرة واقتناع، من خلال شرح مبسط لتعاليم الشرع الحنيف، المبنى على علاقة الحب بين العبد وربه، فكلما قويت تلك العلاقة كانت العبادة بمختلف صورها سهلة.
كيف تتعاملون مع الفتاوى المتشددة؟
لدينا في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لجنة للإفتاء تضم خمسة من الدكاترة الأزهريين يعتمدون أساسا على فتاوى مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية وبهذا نحاصر الفتاوى الشاذة، وجميع الفتاوى التى تصدر عن المجلس تتخذ الوسطية والاعتدال منهجا لها بعيدا عن الغلو والتشدد، كما يتم الرد بالحجة والبرهان على الآراء المتشددة والأقوال الشاذة.
من خلال حرصكم علي المشاركة فى المؤتمرات والندوات المتعلقة بالشئون الاسلامية فى الداخل والخارج، كيف ترون أهمية هذه المؤتمرات، وما تخرج به من توصيات؟
للمؤتمرات ثمار وفوائد عدة، على رأسها، التعارف كما قال تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، ثم التآلف كما قال سبحانه: »لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم«، ثم التعاون والتكاتف على البر والتقوى والعمل الصالح، مما يسهم في التعاون فى المجالات التى تخدم الدعوة وتنهض بأمور المسلمين فى الداخل والخارج. أما عن التوصيات فأري أنها مجدية، فعلي المستوي الشخصي شاركت في مؤتمرات كثيرة في مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية وكان لها ثمرات مباركة، فالتوصيات خطوة جيدة نحو الوضع الصحيح لبلادنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية، في عصر تكالبت علينا فيه القوى المعادية الإسلام، فضلا عن دورها في الدعم المادى والعلمى والفقهى للأقليات المسلمة.
رابط دائم: