رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عندما خلعت عباءة الصبى
50عاما من فساتين «الست»

حنان حجاج تصوير ــ حسن التونى

ما بين العشرة قروش الأولى التى حصلت عليها وهى طفلة فى السابعة من عمرها عندما غنت للمرة الأولى فى قرية مجاورة لقريتها الريفية البسيطة ( طماى الزاهايرة) بمحافظة الدقهلية، وبين وقوفها لتضيء بحضورها الطاغى وصوتها وأناقتها عاصمة النور( باريس ) وتعود بما يقارب الربع مليون جنيه إسترلينى تقدمها للمجهود الحربى فى عام 1968، سنوات من التطور عاشتها (الست)، وانتقلت خلالها من تلك الفتاة الريفية البسيطة التى ترتدى عباءة الصبى وتضع غطاء رأس بدويا، إلى تلك السيدة التى تتفنن فى اختيار فساتينها وقطع المجوهرات التى تصنع خصيصا من أجلها وتحمل بصمتها شديدة الخصوصية.

...........................



ورغم هذا الانتقال المدهش من قلب الريف إلى قمة المدنية والتحضر ظل لأم كلثوم طابعها الخاص ومساحتها التى لا تحيد عنها فيما ترتدى، تلك المساحة التى تحكمها تلك النشأة الريفية المحافظة التى حرصت أم كلثوم ألا تتجاوزها فيما ترتديه، كانت دائما فساتين أم كلثوم تحمل بعضا من شخصيتها القوية المحافظة المعتزة بنفسها والمتفردة بذاتها، كانت الفساتين تصمم لأم كلثوم وتحاك لها وحدها، حتى وهى تتعامل مع ارقى بيوت الأزياء العالمية كان الثوب يصمم لأم كلثوم والقماش تشتريه هى بنفسها،فى حياتها العادية ورغم تحللها قليلا من كلاسيكية الحفلات لم ترتد أم كلثوم ثوبا قصيرا أو بدون أكمام كانت هى نفسها تلك المرأة الريفية التقليدية التى تخشى أن تكشف مساحات من جسدها تصدم جمهورها، وكأنها ما زالت تلك الفتاة الريفية البسيطة التى عندما غنت وهى صبية فى احد المسارح الصغيرة فى الزقازيق وفوجئ أبوها الشيخ الملتزم بأن من سيسمعونها بينهم من يسكرون رفض أن تصعد ابنته المسرح لتغنى إلا لو امتنع مدير الحانة عن تقديم الخمور أثناء غنائها وقبل المدير شرط الشيخ إبراهيم على مضض فى سبيل صوت أم كلثوم.

ما يقارب العشرين عاما كانت «أم كلثوم» تنمو وتغنى وتعيش داخل ثقافتها الريفية البسيطة حتى عندما انتقلت للقاهرة وبدأت طريق النجومية لم تخرج «أم كلثوم» من ثوبها هذا، يحكى مؤرخون الغناء أن خلع أم كلثوم زيها الأقرب لأزياء الرجال فى بداية العشرينيات، لم يكن قرارا سهلا بالنسبة لأم كلثوم وعائلتها الريفية الملتزمة دينيا إلى حد كبير، وكانت صورة «أم كلثوم» كما تحدث عنها عباس العقاد واصفا إياها «بالفتاة البدوية» فى حديث له عنها مع الكاتب محمود تيمور عندما رآها حيث كتب عنها قائلا:»هى أقرب للشيخة بزيها الواسع وغطاء الرأس الغريب الذى تضعه»، وبالفعل كانت تلك هى صورة أم كلثوم حتى نهاية عام 1922، وهو نفس الوصف الذى ذكره عنها الملحن محمد القصبجى عندما رآها لأول مرة تغنى بصالة سانتى بحديقة الأزبكية إذ قال عنها:»كانت ترتدى عباءة رجالية سوداء، وتلف رأسها بكوفية مثبتة بعقال على عادة عربان الصحراء وتظهر على المسرح بحسنها الأخاذ وسط أربعة مشايخ …… تغنى بلا أى آلات معتمدة على صوتها الفريد الذى لم يسمع احد صوتا مثله من قبل».

فيما بعد عام 1922 عرفت أم كلثوم طريقها لإحياء الحفلات فى بيوت علية القوم وقتها، بما فيها بيوت باشاوات هذا العصر، و بدأت الشابة الصغيرة تكتشف هذا العالم المختلف عن قرب وعبر الاحتكاك المباشر بنسائه الأنيقات وبدأت تغير من أسلوب لبسها كما طورت تماما من طريقة ونوعية غنائها، وبحلول عام 1926 كانت وكما جاء فى كتاب سيرتها الشخصية «أم كلثوم عصر من الفن» قد وصلت إلى نقطة التحول فى حياتها فكانت قد بدأت تحولها لارتداء الفساتين الأنيقة التى تتشبه فيها بزوجات وبنات هوانم هذا العصر من زوجات الباشاوات التى اعتادت إحياء حفلاتهم فى قصورهم العامرة، وتحولت العباءة البدوية إلى فساتين بأكمام طويلة كانت دائما مغطاة الصدر تتشبه فيها بأزياء نساء العائلات المسلمة كما تقول فيرجينيا دانيلسون فى كتابها «أم كلثوم صوت مصر»، وهو نفس الوقت الذى تحولت فيه تماما للاغانى العاطفية وتخلصت بذكاء فطرى مدهش من جوقتها القديمة من المشايخ وعلى رأسهم والدها الشيخ إبراهيم وشقيقها الشيخ خالد.

كانت أم كلثوم قد تعرضت لحملة صحفية ساخنة فى بداية عام 1926 شنتها مجلة روز اليوسف انتقدت فيها ملابسها وشكل فرقتها وطريقة لبسها وكتبت المجلة لا ننكر صوت أم كلثوم ولا رنين طبقاته ولكنها لا تعتبر سوى مجرد مقلدة للتراث، فبالاضافة للصوت الجميل الشجى يوجد شيء اسمه الفن، وأم كلثوم تمضى فى طريقها معتمدة فقط على مقدرتها الفطرية والحقيقة أن هذا وحده لا يكفى وتساءلت المجلة أين تجديداتها؟ إنها منشدة دينية وهذا الأسلوب فى الغناء موجود منذ عشرات السنين،ربما بالفعل كان مظهر أم كلثوم وقته، وفى ربيع عام 1926 وصل نقد الجرائد للإطار الذى تغنى فيه أم كلثوم ذروته عندما نشرت المجلة مقالا لروز اليوسف جاء فيه تلقيت أخيرا من قارئ لم يذكر اسمه يتساءل عن سر وجود الفرقة «المعممة المصاحبة» لأم كلثوم, ووصل الأمر بأحد نقاد مجلة المسرح كما تذكر فيرجينيا دانيلسون أن نشرت مقالا لاذعا تنتقد فيه فرقة المشايخ التى تصاحب أم كلثوم ويجلسون كالأصنام وما الغرض من جلوسهم؟!!، ربما كانت تلك المقالات اللاذعة فى نقدها وراء التغيير العظيم الذى شهدته أم كلثوم فى خريف نفس العام 1926 فقد ظهرت أم كلثوم أخيرا بتخت جديد من موسيقيين من ارقى موسيقيى القاهرة، ولم يبق من فرقتها القديمة لبعض الوقت سوى أخيها خالد الذى أجبرته على خلع الجلباب وارتداء البدلة الأوروبية الحديثة وكان يصاحبها كمغن مذهبجى يردد خلفها بعض المقاطع، وسرعان ما ترك الفرقة ليرعى مصالحها الاقتصادية بعد أن أصبحت من ملاك الأراضى، بدآ عام 1927 وأم كلثوم مطربة عصرية غناء ومظهرا.

فى منتصف العشرينيات تقريبا تقف أم كلثوم بفستان طويل منسدل بينما بدا شعرها المكشوف أخيرا على شكل ضفيرتين منسدلتين على جانبى كتفها وبمرور الوقت عرفت أم كلثوم ارتداء الفساتين لكن على طريقة أم كلثوم شديدة التحفظ، رغم أنها فنيا كانت قد خرجت تماما من طور المنشدة الدينية وبدأت مرحلة الانفتاح الغنائى بأغان وطقاطيق عاطفية تماما مع تخت حديث من الفنانين الذين يرتدون احدث موضات البدل الإفرنجية، وجاءت الانطلاقة الكبرى فى حياة الست عندما دخلت إلى عالم التمثيل وأصبحت وجها سينمائيا فى عام 1935 حيث أول أفلامها «وداد» الذى أخرجه مخرج ألمانى وهو»فريتز كرامب» عن قصة كتبها احمد رامى مـأخوذة عن أوبرا عايدة الشهيرة، ثم فيلم نشيد الأمل عام 1937 الذى بدت فيه بكامل أناقتها الكلثومية بينما تبدو فى صور فيلم دنانير وكأنها تعود للتاريخ بكل إبهار ممكن فى ملابسها شديدة الجمال ستة أفلام انتقلت بعدها أم كلثوم لتكون مطربة مصر بل العرب الأولى وبدأت انتظامها فى الحفلات الشهرية «للست» والتى كانت تظهر فى كل حفلة منها بفستان مختلف سرعان ما يتحول لموضة بين سيدات مصر، فى عدد خاص لمجلة الكواكب عن أم كلثوم حكى احد مصممى ازياء أم كلثوم «فوزى أندوراس» والذى تولى تصميم فساتين أم كلثوم طوال ست سنوات من عام 1964 وحتى عام 1970 أنها كانت تحب اللون الزيتى المائل للخضرة واللون البنى والنبيذى والأزرق وإنها كانت تشترى أقمشة فساتينها من الخارج وتجعله يصمم الفستان حسب نوع القماش وتفضل أقمشة الدانتيل والاوردجانزا والجرسيه والحرير الطبيعى و كما يكشف أندوراس عن أن قصر طول أم كلثوم كان يجعلها تفضل الفساتين الطويلة جدا كما قال، وبينما كان الجميع يتطلع لفساتين حفلاتها كانت ملابسها بعيدا عن الحفلات تبدو ابسط كثيرا وان كان التايير هو زيها المفضل ولم لا وهو يحمل نفس كلاسيكية ملابسها ووقارها وظهرت فيه فى أكثر من مناسبة ولكن يبقى تاييرها الأحمر الذى ظهرت به فى لقائمها مع محمد عبدالوهاب وهما يعدان لأغنية أنت عمرى الأكثر شهرة وجمالا.

 

أم كلثوم في الغناء مثل طه حسين في الأدب.. تمثل العربية في الفصحي.. في الأداء.. والإعراب السليم في الحروف الغنائية.. والجزالة في الصوت والنغم.. وصوتها يشبه في نقائه وشرقيته سلالة الخيول العربية الأصيلة، وهو يتختر في اختيال مثل الخيول في رقصها في أبهة وجلالة وفخامة.......................... د. مصطفي محمود


 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق