« أجمل العواقب التى تأتى بالأمل بعد اليأس»، إنها ليست مجرد كلمات، بل حقيقة أثبتها شاب عشرينى عانى من الإحباط فى فترة من حياته اختلط فيها الشك باليقين والسرور بالشرور والقوة بالضعف، إلا أنها كانت مجرد محطة رفض المكوث بها كثيرا، ونفض عن نفسه كل الأحزان والآلام رافضا نظرات الشفقة والعطف، متمردا على إعاقته، واختار السير فى درب الصابرين لمواجهة الحياة والتغلب على صعابها، وقام ببدر بذور الأمل فى طريقه لعلها تثمر حلمًا جميلاً فى يوم ما.
يعانى الشاب عمر هشام (26 عاما) منذ ولادته من ضمور العضلات، وفى البداية لم تعلم أسرته سبب إصابته، فكانوا حائرين بين كونها شلل أطفال، أو ضعفا يستلزم علاجا طبيعيا فقط، ووسط ذلك توفى والده وهو فى الرابعة من عمره، لتتحمل الأم المسئولية وحدها، فبدأت معه رحلة البحث عن علاج والتردد على الأطباء وتجربة عدة علاجات لعلها تأتى بنتيجة ولو طفيفة، وحين أتم السابعة من عمره لم تعد رجلاه تقويان على حمل جسده فاضطر إلى اللجوء للكرسى المتحرك فى تنقلاته.
وفى الحديث عن مرحلة الدراسة، قال عمر: «كانت رحلة البحث عن مدرسة تقبل بى شاقة، ويملؤها الكثير من الكلام القاسى الكفيل ببث اليأس فى قلبى أنا ووالدتى.. فأتذكر أنه من بين ما قيل لوالدتى «عايزاه يتعلم ليه !» .. ولكن فى النهاية نجحنا فى إيجاد مدرسة، ولكن واجهتنى مشكلة أخرى، وهى أن الفصول كانت فى أدوار عليا مثل منزلى الذى كان يستلزم مساعدتى فى الصعود والنزول.. وقد قامت مربيتى بهذا الدور طوال سنوات الدراسة الابتدائية»، وكان هناك أشياء أخرى أكثر قسوة، وهو عدم وعى بعض المعلمين بالشكل الكافي، فذات مرة قالت لى إحدى المعلمات «أوعى تفتكر أن تعبك هيخلينى أسامحك»، إلى جانب كلام زملائى القاسي، بسبب عدم توعية أسرهم لهم، حيث كان البعض يقول لى فى سخرية «أبو كرسى»، إلى جانب الأسئلة المحرجة مثل «ما تجرب تمشي» وذات مرة سألنى أحدهم قائلا «لو حدث زلزال وبدأت المدرسة فى الانهيار هنجرى كلنا ونسيبك لوحدك .. هتعمل ايه ؟!» .. وكان كل ذلك يترك داخلى شعورا سلبيا يدفعنى للعزلة.
وعن دراسته فى مرحلتى الإعدادية والثانوية، قال: «كانت الفترة الأسوأ بالنسبة لي، حيث كنت أمر بحالة نفسية سيئة لدرجة عدم تقبلى لكلام ونظرات زملائى مما دفعنى لأن أطلب من والدتى عدم إكمال تعليمي، وهو ما كان يقابل منها بالرفض، فكانت تقول لى أنه ليس حلمك وحدك أنه حلمى أنا أيضا، وأكملت، ولكنى لم أذهب إلى المدرسة كثيرا، بل فضلت البقاء مع اسرتى واقاربى فقط، وحاولت شقيقتى التى تكبرنى بثلات سنوات إخراجى من عزلتى باصطحابى معها للتنزه ومقابلة أصدقائها، وقد وجدت فيهم صحبة جيدة، كما لا أنسى فضل زوج والدتى، الذى كان يسعى دائما لتشجيعى ودعمى وقام بتغيير نظام المنزل ثلاث مرات حتى يكون مهيأ لى بشكل كامل.
ويضيف عمر: «حصلت فى الثانوية العامة على مجموع 79 %، والتحقت بكلية التجارة جامعة عين شمس، وقادتنى المصادفة وأنا فى السنة الثالثة لمعرفة أن مؤسسة «حلم» تقدم منحة خاصة بالتدريب على تطوير المهارات الشخصية والتنمية البشرية، فالتحقت بها لتكون بدايتى الحقيقية فكنت أشعر معهم بطاقة إيجابية كبيرة وأنى قادر على تحقيق وإنجاز الكثير فى حياتى، مما دفعنى للعمل معهم فى البداية كمتطوع ثم بعد التخرج أصبحت واحدا من سفرائهم وتدريجيا أصبحت منسقا للمشروعات».
وعن مشاركته فى مؤتمر الشباب الشهر الماضي، قال: «هذه المشاركة الثانية لى فى منتدى الشباب من خلال فريق حلم المشارك، وقمنا قبل انطلاق المنتدى بيومين بعقد جلسات وورش عمل مع المنظمين بهدف الإتاحة والدمج، وقد تم خلالها تدريب عدد من العاملين على كيفية التعامل مع الأشخاص ذوى الإعاقة من خلال عمل تجارب محاكاة حيث يعيش الشباب الأصحاء تجارب الأشخاص ذوى الإعاقة، كما عايش الشباب تجربة المكفوفين من خلال استخدام «العصا البيضا» وبرامج الموبايل الناطقة، إلى جانب تحدى اليد الواحدة، وهو التعامل بذراع واحدة فقط، كما شارك شباب من جنسيات مختلفة، وكان كل منهم يستعرض التحديات والمشاكل التى تواجه ذوى الإعاقة فى مجتمعاتهم وكيفية حلها لتسهيل حياتهم».
وعن مواهبه وهواياته، قال: « أعشق الزراعة وهو أمر ورثته عن جدي، فقد أعطانى الكثير من خبرته، وفى عام 2016 عندما علمت بمبادرة «شجرها» قررت استغلال سطح منزلى بدلا من تركه مهملا لتحويله إلى جنة من المزروعات وقمت بشراء الأحواض وبدأت فى البحث عن أساليب الزراعة الصحيحة وبالفعل نجحت فى زراعة الطماطم والملوخية والريحان، وغيرها.. وأجد فى الأمر سعادة كبيرة، ففكرة أن تهتم بشيء وتجتهد من أجله وترعاه فترى نتيجة مجهودك أمر ممتع».
ويضيف قائلا: «لم أكن أحب الرياضة مطلقا بسبب جلسات العلاج الطبيعي، التى كانت تؤلمنى، لكن تدريجيا بدأت أكسر هذا الحاجز حيث بدأت منذ عامين ممارسة رياضة «الكروس فيت» لتقوية عضلات الجسم، كما شاركت فى ماراثون «كايرو رانرز» حيث كانت مؤسسة «حلم» مشاركة به وأقنعنى أحد المسئولين بالمشاركة، ورغم صعوبة الأمر حيث كانت المسافة 3 كيلو إلا أننى قررت المشاركة دون البحث عن الفوز بأى مركز ولكن يكفى التحدى، وبالفعل أكملت السباق للنهاية».
وعن أحلامه وطموحاته، قال: « قد يكون الأمر غريبا بعض الشيء، ولكنى بالفعل أحلم بالتمثيل والمشاركة فى الإعلانات ومجال عروض الأزياء وسوف أركض خلف حلمى حتى لو وصلت له متأخرا». وعن تقييمه للاهتمام بذوى الإعاقة، قال: «لا شك أن الاهتمام بنا فى تزايد مستمر، حيث إن هناك خطوات إيجابية كبيرة فى مصلحتنا والتى تمثل مزيدا من الحقوق وطرح القوانين التى تغير حياتنا للأفضل، ولكن لابد أيضا من تهيئة المنشآت الجديدة لتراعى كل احتياجاتنا».
وانهى عمر اللقاء بعدة كلمات تعد بمنزلة رسالة لكل شاب .. وهى «ما زرع الله فى قلبك رغبة الوصول لأمر معين إلا لأنه يعلم أنك ستصل إليه».
رابط دائم: